يسعى مستقلون فلسطينيون لإيجاد جسم منافس لحركتي «فتح» و«حماس» وباقي الفصائل الفلسطينية في الحياة السياسية والاجتماعية اليومية، أو حتى في الانتخابات التشريعية المقبلة، في خطوة قد تبدو جريئة بالنسبة للبعض أو ضرباً من الجنون بالنسبة لآخرين، في مجتمع تسيطر فيه الفصائل على كل شيء تقريباً.
في الوقت الذي أعلن فيه مستقلون أنهم بصدد تشكيل قوائم منافسة، ويجري آخرون مشاورات من أجل ذلك، ويضع رئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق، سلام فياض، مع شخصيات أخرى مستقلة، اللمسات الأخيرة على قائمة مستقلة، يفترض أن يعلن، حراك شبابي واسع يطلق على نفسه اسم «حراك وعد»، عن نفسه، غدا السبت، ويأمل في إقناع الفلسطينيين ببرنامجه السياسي والاجتماعي، على طريق التحول لاحقاً إلى حركة سياسية.
وقالت مصادر مطلعة، لـ«الشرق الأوسط»، إن فياض يعمل على بناء قائمة مستقلة تغطي جميع مناطق الضفة وقطاع غزة، جغرافياً وعمرياً واجتماعياً. وفياض الذي خاض انتخابات المجلس التشريعي سابقاً، شكّل حالة مثيرة للجدل، عندما تولى منصب رئيس الوزراء، من العام 2007 حتى 2013 وبدا «المنقذ» في ذلك الوقت، مهمته ترتيب الفوضى ومحاربة الفساد، وخلق شفافية في عمل المؤسسات الفلسطينية.
وحظي فياض بدعم غربي كبير، وكان قريباً من الطبقات الشعبية، قبل أن يختلف مع عباس ويقدم استقالته في 2013، وسط صراع الصلاحيات التي تسببت لاحقاً في هجوم سلطوي حاد ضده.
وتمثل عودة فياض، الآن، محاولة لجذب الناخبين الذين لا ينتمون للفصائل الفلسطينية، أو غادروها، أو ملوا منها، أو يريدون تجريب شيء جديد. لكن مهمته وآخرين ستكون صعبة ومعقدة للغاية في ظل السيطرة الكبيرة للفصائل، خصوصاً «فتح» و«حماس».
وإذا ما قدم فياض نفسه بشكل علني، فإنه يمكن أن يستفيد من الحراكات المستقلة الأخرى، التي لا تنوي تقديم قائمة انتخابية وإنما تقدم نفسها بديلاً عملياً وانقاذاً للوضع الراهن. وقال أحد مؤسسي حراك وعد، جمال زقوت، إن حراكه قرر عدم تقديم كتلة للانتخابات لكنه منفتح على دعم أي جهة ستقدم نفسها بشكل قريب لأفكاره. وحراك وعد الذي يعلن عنه السبت، يقدم نفسه «مكوناً أصيلاً من مكونات التيار الديمقراطي التقدمي الواسع في فلسطين»، يهدف إلى «توحيد هذا التيار في إطار تعددي لإنجاز الأهداف الوطنية والديمقراطية المشتركة بينها». ويقول الحراك إنه «يسعى لتوسيع انتشاره في مختلف القطاعات الاجتماعية، لا سيما الفئات التي تعاني من التهميش في المخيمات، وفي أوساط الشباب والنساء والفئات الشعبية الأخرى، في جميع أماكن وجود الشعب الفلسطيني، ويعمل بصورة حثيثة لاستكمال بُناه التنظيمية والجماهيرية والبرامجية، وذلك في سياق التحول إلى حركة سياسية اجتماعية».
وقال زقوت، الذي عمل سابقاً مستشاراً لفياض: «نعم، نسعى للتحول إلى حركة سياسية»، مشدداً على أن «الأمل هو في فتح الطريق للأجيال الشابة ومختلف الفئات الاجتماعية المهمشة، نريد أن نعمل معاً على سد فراغ كبير، كان قد نجم عن الإحباط في أوساط هذه الفئات المناضلة، من بنات وأبناء شعبنا في جميع أماكن وجوده». وتابع أن الحركة ستعمل على صون كرامة المواطن وحقه في المشاركة الديمقراطية والمساواة الكاملة، والتعددية السياسية والفكرية، واحترام الرأي والرأي الآخر، وتأسيس قيم المواطنة الصالحة المبنية على مبدأ الانتماء للوطن والإخلاص له. وأردف: نريد أن يكون تيار «وعد» صحوة للأطراف الأخرى وتحديداً الحراكات الاجتماعية. الفكرة ستصبح ملك الناس وهم سيقررون.
وهذه ليست أول محاولة من مستقلين لخلق أجسام سياسية، وقد فشل معظمها أو تراجع، مع صعوبة منافسة الفصائل القائمة. لكن الكاتبة الشابة نيروز قرموط، وهي من القائمين على الحراك في قطاع غزة، تقول إن التنوع الكبير الذي يملكونه، والأفكار كذلك قد يجعلان المهمة الصعبة أسهل، مشددة: «لا نريد أن نكرر تجارب سابقة».
ورفضت نيروز ربط انطلاق الحراك بالانتخابات، غير أن بعض المنتمين له سيشاركون بالتأكيد في محاولة لإحداث الفارق. وترى أن المشاركة في الانتخابات تشكل فرصة سانحة لإحداث الاختلاف. «لا نريد برلماناً بأغلبية تسيطر على الشارع. هذه محاصصة تعيدنا إلى الخلف. نريد برلماناً ائتلافياً يشكل صيغة ديمقراطية متجددة». وأردفت أن الحراك يريد أن يحدث فرقاً، من خلال طرح برنامج جديد حداثي يركز على بناء الفرد الحر، مشددة على أننا «لا نمثل أي شخص، ولا نمثل أي فصيل أو جهة، ولسنا محسوبين على أي أحد. وندرك صعوبة المهمة».
ومن المفترض أن تجري الانتخابات الفلسطينية، في مايو (أيار) المقبل، في معركة تبدو حتى الآن أنها بين الفصيلين الأكبر «فتح» و«حماس».