حذر الرئيس الأسبق لجهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، يوفال ديسكين، بشكل غير مسبوق أو مألوف، من "مخاطر" على استمرار إسرائيل بالوجود كدولة بعد جيل واحد (25 عاما)، وذلك ليس من خلال حرب وإنما لأن عناصر فنائها في داخلها، إذا صح التعبير.
ووصف ديسكين، في مقال نشره في صحيفة "يديعوت أحرونوت" اليوم، الجمعة، الأزمة السياسية في إسرائيل وعدم القدرة على تشكيل حكومة مستقرة بأنه "استعراض سياسي رخيص"، يحل مكان مواجهة القضايا الإستراتيجية – الوجودية، التي جسدت أزمة كورونا مدى حدتها. وتساءل: "هل دولة إسرائيل لديها التكتل الاجتماعي، المناعة الاقتصادية والقوة العسكرية – الأمنية التي تضمن استمرار وجودها بعد جيل واحد؟".
وأضاف ديسكين "أنا لا أتحدث عن التهديد النووي الإيراني، صواريخ حزب الله أو الإسلام السلفي المتطرف. أتحدث عن التحولات الديمغرافية، الاجتماعية والاقتصادية التي باتت تغير جوهر الدول ومن شأنها تشكيل خطر على وجودها بعد سنوات جيل واحد".
وتابع أن "الانشقاق داخل الشعب أخذ يتعمق، والشرخ بين اليمين واليسار أصبح مركزيا أكثر من الشرخ بين اليهود والعرب، وانعدام الثقة بمؤسسات الحكم المركزية يتعاظم، والفساد مستفحل في أجهزة الحكم المحلية والقطرية، والتضامن الاجتماعي متدن للغاية، وقيادتنا تفتقر إلى قدوة شخصية، وقيم الكثيرين منا هي ثمرة العقلية المحمومة للمفكر ميكي زوهار (رئيس الائتلاف في الكنيست). ويتضح أن المجلس الإقليمي الذي يسمى دولة إسرائيل غير قادر على حكم مناطق كثيرة في مناطقه السيادية، سواء في النقب، الجليل، القدس أو بني براك" المدينة الحريدية.
وأشار ديسكين إلى أنه بموجب حقائق ومعطيات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، فإنه "سنكتشف سريعا أنه بعد 40 عاما سيكون نصف مواطني إسرائيل حريديين وعرب. وثمة أهمية لأن ندرك ما هو المشترك بين هذين المجتمعين اليوم، ولماذا سيرسم مستقبلهما صورة الدولة ويؤثر على قدرتها على الوجود بعد 30 أو 40 عاما".
وتابع أن "هاتين مجموعتين سكانيتين مهملتين من جانب حكومات إسرائيل المختلفة على مر السنين. ولا يتم دمج كلا المجموعتين بالشكل الكافي قياسا بحجمهما في الاقتصاد الإسرائيلي، ونتيجة لذلك كلتاهما ذات مستوى دخل متدن. كما أن كلتاهما لا ننخملان عبء الخدمة العسكرية/القومية/المدنية، وتسود في كلتاهما توجهات معادية للصهيونية. وأخيرا، دولة إسرائيل أخذت تفقد قدرتها على الحكم عليهما".
وأشار ديسكين إلى أن "أجنحة متطرفة في المجتمع الحريدي توغلت إلى هذا الفراغ، ومثلما رأينا خلال أزمة كورونا، هي التي تقرر الأجندة في الشارع الحريدي. ودخلت منظمات إجرامية عنيفة الفراغ السلطوي في المجتمع العربي، وتجعل حياة السكان مريرة، ويجبون الأتاوة من كل من يمكن ابتزازه ويسفكون دماء كثيرة في شوارع المدن والقرى".
وتابع أن الحكومات الإسرائيليةن وبضمنها حكومة نتنياهون تضخ ميزانيات لا يستهان بها إلى هاتين المجموعتين، لاعتبارات سياسية أحيانا ولأسباب أخرى أيضا، "لكن من دون تحطيط حقيقي طويل الأمد. ولذلك، لا تصل هذه الأموال إلى الأماكن الصحيحة، والوضع يزداد خطورة وحسب. وإذا لم تقم حكومات إسرائيل القادمة فورا بأنشطة ملموسة تغير هذه الاتجاهات، فإن تبعاتها ستكون هدامة للمجتمع والدولة".
وأشار ديسكين إلى "ميزات باقي سكان إسرائيل في المستقبل غير البعيد، أي أولئك الذين لا ينتمون للمجموعتين الحريدية أو العربية. فهؤلاء قبائل كثيرة الهويات: علمانيون، تقليديون، متدينون قوميون، حريديون قوميون، شرقيون وأشكناز. وبينهم أفراد الطبقة الوسطى، أثرياء وكذلك سكان الأطراف المستضعفين تاريخيا، الذين سيواجهون صعوبة في تحمل العبء الفائض نتيجة عدم مشاركة الحريديين والعرب في الاقتصاد والمجتمع الإسرائيلي".
وبحسب ديسكين، فإن "معظم عبء الضرائب، الخدمة العسكرية الإلزامية، الخدمة القومية أو الاجتماعية، الخدمة العسكرية في قوات الاحتياط واقتصاد الدولة ينبغي أن يتحمله بعد نحو ثلاثين عاما قرابة ثلث الشعب في إسرائيل".
واعتبر ديسكين أنه "واضح أن هذا مستحيل. ولا حاجة أن يكون المرء خبيرا من أجل أن يدرك أن المجتمع الإسرائيلي لن يتمكن من الصمود اقتصاديا، اجتماعيا، وكذلك أمنيا في هذا الوضع. والأخطر من ذلك، أن الكثيرين سيفضلون العيش في أماكن أخرى في العالم وليس في دولة بات تقاسم العبء فيها اليوم غير متساو".
وأضاف "أنني مقتنع بأنه واضح للكثيرين بيننا أنه إذا لم نتدارك الوضع، الآن، فإننا سنفقد وقتا ثمينا، وربما نفقد دولتنا بعد سنوات جيل واحد من اليوم".