سلط موقع "ميدل إيست آي" البريطاني الضوء على رحلة صعود وسقوط "الداعية" التركي، المثير للجدل، والذي حكم عليه بالسجن أكثر من ألف عام، بسبب "زعامة طائفة جنسية"، وارتكاب جرائم استغلال للقصر، واعتداء جنسي، وتجسس سياسي وعسكري.
وأشار الموقع إلى أن عدنان أوكتار المنحدر من عائلة علمانية، بدأ حياته في الهجوم على الماسونية واليهودية، وانتهى الأمر به مقدما لبرنامج تلفزيوني تحيط به مجموعة من الفتيات بملابس خليعة يقدم لهن دروسا دينية، بوجود زجاجات من المشروبات الكحولية.
وفيما يلي النص الكامل للتقرير:
لم تكن الدولة البريطانية العميقة أو الداروينيون أو اليهود أو الماسونيون أو أي من العصابات الشريرة التي انتقدها عدنان أوكتار لفترة طويلة هي التي هزمته، بل القضاء التركي.
يوم الإثنين، حُكم على الداعية سيئ السمعة البالغ من العمر 64 سنة، الذي غالبا ما يشار إليه في عناوين الأخبار الخلاعية بأنه "زعيم طائفة جنسية"، بالسجن 1075 سنة؛ لارتكابه جرائم تشمل الاعتداء الجنسي، والاستغلال الجنسي للقصر، والاحتيال، ومحاولة التجسس السياسي والعسكري.
ويمثل هذا الحكم نهاية مسيرة طويلة وغريبة للداعية والمذيع التلفزيوني والمؤلف والمخرج عدنان أوكتار.
بدأ أوكتار حياته المهنية في الثمانينات كخطيب مثير للجدل يهاجم اليهود والماسونيين وتشارلز داروين، واشتهر لاحقا ببرامجه على التلفزيون التركي، حيث كان يناقش المبادئ الإسلامية بينما كانت نساء شقراوات يرقصن حوله على أنغام الموسيقى الشعبية مرتديات ملابس ضيقة، وكان يُشير إليهن بـ "القطط".
اكتسب أوكتار شهرة عالمية بسبب نصوصه العديدة التي تندد بالتطور ولأنه كان من أوائل المفكرين المسلمين الذين أدخلوا نظرية الخلق الإنجيلية المسيحية في الدوائر الإسلامية. وتحت الاسم المستعار "هارون يحيى" بيع كتابه "أطلس الخلق"، وهو مجلد مكون من 800 صفحة يدعي فضح التطور، في جميع أنحاء العالم، وتمكن من تحقيق بعض النجاح في نشر الأفكار الخلقية خارج أوساط الجمهور الأصولي المسيحي.
لكن الصورة العامة لطائفة أوكتار التي لطالما كانت محل سخرية، تخفي عالما تملأه الشرور من الانتهاكات إلى الاعتداء الجنسية. وادعى أوكتار، مدافعا عن نفسه في المحكمة، أن لديه "ما يقرب من ألف حبيبة"، ونفى الإساءة إليهن واصفا نفسه بدلا من ذلك بأن لديه "فيضًا من الحب للمرأة".
على النقيض من ذلك، أفادت إحدى النساء اللواتي أدلين بشهادتهن (دون ذكر اسمها) خلال محاكمته بأن أوكتار اعتدى عليها وعلى نساء أخريات جنسيا، وأجبرهن في كثير من الأحيان على تناول حبوب منع الحمل. وقد عُثر على حوالي 69 ألف حبة من حبوب منع الحمل في منزله، التي ادعى في المحكمة أنها كانت تُستخدم لعلاج اضطرابات الجلد ومشاكل الدورة الشهرية.
لقد سبق أن كانت تصرفاته سببا في دخوله السجن في مناسبات عديدة، لكن الآن حُكم عليه بالسجن لأكثر من ألف سنة ويبدو أن قصة عدنان أوكتار شارفت على الانتهاء. قال إديب يوكسل، الباحث الديني والناشط الذي كان زميلا لأوكتار في الثمانينات، إنه يستحق السجن بعد عقود من الجرائم التي يرتكبها ضمن "طائفته المجنونة". وصرح لموقع ميدل إيست آي قائلا: "إنه شخص شرير دمر حياة العديد من الشباب الأذكياء ذوي الإمكانات الكبيرة".
يوم الأربعاء، قالت إيبرو سيمسك، العضوة السابقة في منظمة أوكتار التي ادعت أنها تعرضت لسوء المعاملة، وأنها سعيدة بتحقيق العدالة. وتذكرت أن أوكتار اعترض طريقها لأول مرة بعد أن رآها في مسابقة جمال على شاشة التلفزيون سنة 1994. وقالت لموقع بوستا التركي: "رآني عدنان أوكتار على الشاشة وأصيب بالجنون! حتى أنه قال 'لقد رأيتك في الصحيفة وعلى شاشة التلفزيون، لقد أحببت مشاهدتك كثيرًا، اجلبي بيجاماتك وتعالي للعيش معي في قصري الرائع. تعالي هنا، سأقدم لك أفضل الظروف المعيشية وسترتدين أفضل العلامات التجارية وستكون حياتك فاخرة. شعرت أن لا علاقة لهذا بالدين".
بعد مغادرتها مجموعته، وجدت سيمسك نفسها في وقت لاحق عرضة لأكثر من 300 دعوى تشهير من أوكتار، الذي قالت إنه "مهووس" بها. وقد أصبح الضغط الذي مورس على سيمسك في نهاية المطاف شديدا، ما أدى إلى تعطيل عملها وحياتها الاجتماعية ثم مغادرتها إلى الولايات المتحدة للهروب من مضايقاته. وقالت متحدثة عن المحنة برمتها: "إذا صورت ما جرى كفيلم، فإنهم سيقولون إنه مبالغ فيه للغاية ولن يشاهدوه".
ووفقا لرسالة دكتوراه بعنوان "المهدي يرتدي أرماني"، وهو العمل الأكاديمي الرئيسي الوحيد حتى الآن الذي يركز على أوكتار وحركته، نشأ عدنان في عائلة علمانية ثرية نسبيا في السبعينات ولم ينخرط في النشاط الديني إلا بعد انتقاله إلى إسطنبول للدراسة فيما كان يُعرف سابقا "بأكاديمية الفنون الجميلة" سنة 1979.
خلال ثمانينات القرن الماضي، أسس أوكتار دائرة من المصلين المعروفين باسم "العدنانيين"، الذين كانوا من أتباع العالم المسلم المؤثر سعيد النورسي. ويُذكر أن النورسي دعا إلى التوفيق بين المعتقدات الإسلامية التقليدية والأفكار العلمية، وأصبح في نهاية المطاف من بين الشخصيات البارزة في حركة الصحوة الإسلامية في الجمهورية التركية.
وكان أكثر أتباع النورسي نفوذا رجل الدين فتح الله غولن، الذي أصبحت حركته "الحداثية" واحدة من أكبر الحركات الإسلامية في العالم قبل أن يقع سحقها تماما بعد الخلاف مع الحكومة التركية في سنة 2013، ثم يُلام لاحقا على محاولة الانقلاب لسنة 2016. وكانت صلته بحركة غولن التي أنكرها، من بين التهم الموجهة إلى أوكتار في محاكمته.
وبحسب آن روس سولبرغ، صاحبة أطروحة "المهدي يرتدي أرماني"، "تأثر أوكتار بمبادئ الحداثة الإسلامية للعالم المسلم سعيد نورسي، ولطالما كان يستشهد بمقولات نورسي في كتاباته، لكنه لم ينتم رسميا، لا لحركة نورجو غولن الجديدة، ولا لمجموعات نورجو الأكثر تقليدية في تركيا. ولطالما ادعى أوكتار أنه يمثل الإسلام السني التقليدي، لكن لم يتم قبوله مطلقا كعالم إسلامي في تركيا، نظرا لكونه مصمم ديكور ولا يتمتع بأي تكوين ديني رسمي".
في سنة 1986، ألقي القبض على أوكتار بتهمة "نشر الدعاية بهدف إضعاف أو تدمير المشاعر القومية"، وفي النهاية وجد نفسه في الجناح الجنائي لمستشفى باكركوي، حيث شخّص الأطباء حالته وتبيّن أنه مصاب بالفصام الارتيابي. في نفس السنة، التقى يوكسل عدنان أوكتار لأول مرة. في ذلك الوقت، قال يوكسل إنه بدأ في صياغة العديد من أفكاره حول ما يُشار إليه الآن عموما باسم "القرآنيون" - وهو تيار إسلامي يرفض الاعتراف بالإسلام السني والشيعي، معتبرا القرآن مرجعه الوحيد للعقيدة الدينية. ويقول يوكسل إنه عمل "كمستشار" لأوكتار، الذي اعتبره صاحب روح طيّبة.
أضاف يوكسل: "كنت مهتما بإجراء بعض المقابلات معه وأخبرته برغبتي في مقابلته. أردت إقناعه موقفي الحالي من التوحيد ورفض الديانتين السنية والشيعية". منذ البداية، كانت أفكار أوكتار "منفتحة للغاية"، وبعد عدة نقاشات أخبر يوكسل بأنه يتفق مع أفكاره القرآنية ورفض المذهبين الإسلاميين الرئيسيين.
قال يوكسل إنه بعد فترة، بدأ يشك في صدق أوكتار و"الطائفة" التي نشأت من حوله، حيث غالبا ما كان أوكتار يتبنى أفكار يوكسل ويسوّقها للمجموعة على أساس أنها أفكاره. وبعد ذلك، توجه أفراد سابقين في مجموعة أوكتار إلى يوكسل وأخبروه عن نمط حياتهم.
ذكر يوكسل: "كانوا يتصلون بي ويتحدثون عن الجرائم التي كان أوكتار يرتكبها، ناهيك عن الجرائم الجنسية التي لا تحصى ولا تعد. بالطبع كان كل أفراد المجموعة يقومون بنفس الممارسات، وكانت المجموعة تؤمن بكل مبادئ الوحدانية والسيطرة الكاملة على حياة أفرادها".
أطلس الخلق
في التسعينيات، قامت طائفة أوكتار بإضفاء الطابع الرسمي على أنشطتها، حيث أسست "مؤسسة الأبحاث العلمية" (BAV). وأعلنوا أنفسهم مناصري للمبادئ السامية لمصطفى كمال أتاتورك، المؤسس العلماني لتركيا الحديثة. كما حولوا تركيزهم إلى خصم جديد ألا وهو تشارلز داروين.
وفي سنة 2007، ذاع صيت أوكتار بفضل كتابه "أطلس الخلق"، الذي زعم أنه يدحض علميا نظرية التطور البيولوجي التي طورها عالم الطبيعة الإنجليزي تشارلز داروين. وزّع أوكتار عشرات الآلاف من نسخ الكتاب على المدارس والباحثين والجامعات في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة. ووصفته صحيفة "نيويورك تايمز" بأنه تسبب في إحداث "ضجة" في فرنسا، حيث كان هذا النوع من الأدب نادرا إلى حد ما. حتى أن نسخة من الكتاب شقت طريقها إلى رف رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد. في المقابل، أشار الكثيرون إلى أن "أطلس الخلق" فشل حتى في تقديم أبسط تدقيق علمي.
في سنة 2009، كتب عالم الوراثة والكاتب آدم روذرفورد أن الكتاب الذي يدّعي أنه يثبت عدم خضوع أي كائن حي على كوكب الأرض إلى طفرات، يعكس "نكهة مختلفة تماما من الغباء". وهو يقول إنه: "في الصفحة 244 من الكتاب يوجد صورة ذبابة القمص، مع أسطورة تؤكد أن الحيوان المعني كان دائما يظهر في شكله الحالي، وبالتالي يعتبر التطور مجرد هراء. لكنها ليست ذبابة القمص، وإنما طعم صيد مصمم بشكل جميل من قبل السيد غراهام أوين، مع خطاف من صنع الإنسان مبيّن بوضوح يخترق بطنها. كما تظهر نماذج رائعة أخرى من صنع أوين في أطلس الخلق".
عرض أوكتار لاحقا مكافأة قدرها 10 تريليونات ليرة (6.6 تريليون دولار في ذلك الوقت) لأي شخص يمكنه دحض مقدمة الكتاب. لكنه لم يسدد المبلغ إلى حد الآن.
قطط أوكتار
في سنة 2011، أسس أوكتار محطة تلفزيون "A9 TV"، التي تُبث إما عبر الإنترنت أو عبر شبكات التلفزيون التركية، والتي باتت فيما بعد - بصرف النظر عن بثها لعدد من الأفلام الوثائقية المستندة إلى أعمال أوكتار - منصته الرئيسية لبث برنامجه الفريد. عرضت برامجه مجموعة من الشابات، اللواتي ناقشن الشؤون الحالية والقضايا الدينية مع أوكتار، بالإضافة إلى الرقص على موسيقى البوب. بالتأكيد، كانت مثل هذه البرامج غير مسبوقة في عالم البرامج الدعوية التلفزية.
استخدم أوكتار بشكل متكرر التبريرات الإسلامية للظهور غير المعتاد لمضيفاته اللواتي كن يرتدين ملابس خليعة بدلا من اللباس المحتشم، وبرر ذلك بأن الاستغناء عن الملابس "المحتشمة" لا يجعلهن أقل إسلاما.
صرح يوكسل بأن تلك كانت إحدى المبادئ التي سرقها أوكتار منه خلال الثمانينات، وقال: "في ذلك الوقت قلت إن الحجاب غير موجود في القرآن، وقدمت حجة قوية للغاية مبنية على آيات من القرآن. بالنسبة للإسلاميين في تركيا، يدور نصف دينهم حول شعر المرأة". لكن أوكتار "أساء استخدام تلك الحجة لتكوين طائفة جنسية. وقد أدى ذلك إلى ظهور ارتباطات شديدة السوء مع حملة الإصلاح".
في جميع برامجه، أكثر أوكتار، الذي كان يرتدي ملابس فاخرة بدلاً من زي رجال الدين، من مجاملة النساء من حوله، اللواتي كان يسمّيهن بـ "القطط".
في سنة 2015، سافرت الصحفية مهر أحمد إلى مقر أوكتار في إسطنبول لتصوير فيلم لمجلة "فايس" بعد أن أمضت عدة أشهر في التحدث عبر الإنترنت إلى إحدى مؤيدات أوكتار؛ إبرو ألتان. أخبرت أحمد موقع "ميدل إيست آي" أن المقصد في البداية كان إجراء مقابلات مع النساء في طائفة أوكتار حول النسوية في الإسلام، ولكن عندما وصلت إلى المقر، لاقت أسئلتها أجوبة غامضة مرارًا وتكرارًا، وعوملت بشيء من الريبة.
في هذا الشأن، أفادت الصحفية: "لم يسمحوا لنا باستخدام كاميراتنا، وقالوا "هذا أمر محظور لدينا. لا يمكنك استخدام كاميراتك، عليك استخدام كاميراتنا"، مضيفة أن كاميراتهم كانت ذات جودة أقل بكثير من معدات "فايس"، وانتهى الأمر بجعل الفيلم يبدو "مثل فيلم إباحي من الثمانينيات". وأكملت حديثها، قائلة: "ظلوا يقولون لي: ستتحدثين إلى النساء لاحقًا، لأن ذلك كان هدف رحلتنا؛ لم نكن مهتمين بالطائفة بقدر اهتمامنا بالمقابلات الفردية أو الجماعية مع النساء المنتسبات لها".
بعد ذلك، قام فريقها بجولة في العديد من العقارات المملوكة لأوكتار. وقالت إن أحد المنازل المطلة على البوسفور كان يشبه "موقع تصوير مسلسل تلفزيون واقعي" حيث كان مزينًا بوسائد "فيرساتشي" وأغطية أسرة من الساتان، واحتوى غرف نوم ذات مرايا على السقف.
بعد جولة شملت تفسيرات لنظريات أوكتار حول الخلق، قيل لأحمد إن الفرصة الوحيدة التي ستمكنها من التحدث إلى النساء هب حضور برنامجه على الهواء مباشرة. وقد صوّرت العدسات أحمد جالسة، ويبدو عليها عدم الارتياح، وسط جمهور صغير بينما يوضح أوكتار آراءه لها حول دور المرأة في الإسلام.
في منتصف البث، قام الجمهور، الذي يتألف معظمه من "القطط"، بأخذ استراحة للرقص على كراسيهم على أغنية "تشانلدليير" للفنانة سيا. قالت أحمد: "كانت هذه المرة الأولى التي أرى فيها إبرو شخصيا، لكن البيئة كانت خاضعة لرقابة شديدة لأننا كنا في حدث متلفز، لذلك لم يكن بمقدرتي الالتفات والبدء في طرح الأسئلة عليهن. لم يكن الموقف مريحًا على الإطلاق".
بعد أن طلبت الإذن من أوكتار، تمكنت أحمد من طرح عدد من الأسئلة على النساء، على الرغم من أن إبرو كانت وحدها من تجيب. وقالت الصحفية إنهنّ "غادرن بمجرد انتهاء البرنامج، حتى أنني لم أحظ بفرصة لمصافحتهنّ بعد ذلك.. لقد كان الأمر غريبًا للغاية، وكان ذلك آخر تواصل بيننا".
أضافت أحمد: "تم خداعنا على نحو ما؛ لقد كان الاتفاق أن نجري هذه المقابلات معهن وأخبرونا أن بإمكاننا فعل ذلك. لقد كانوا على علم بأننا سنُحضر طاقم تصوير، ولكن عند وصولنا، بات مقصدنا مثل الهدف المتحرك بترديدهم جملة "ستتحدثون معهنّ لاحقا"، أو "ستفعلون هذا لاحقا"".
وفقا للصُّحفية، حاولت منظمة أوكتار إظهار النساء بصورة المرأة المتمكنة والمستقلة، لكن تجربتها معهم تشير إلى عكس ذلك، حيث قالت: "لقد خضت في القضية باعتقاد أن هناك أمورا مريبة تحصل هناك، وبقينا نبحث عن فرص لسؤال النساء عما يحدث، فقط لنجد أنفسنا أبعد أكثر فأكثر عن النساء أنفسهن".
من منكر الهولوكوست إلى مؤيد الهيكل الثالث
من بين المواضيع العديدة التي خاض فيها أوكتار، الحوار بين الأديان؛ حيث عمل منذ التسعينيات على إقامة روابط مع الخلقيين المسيحيين كجزء من حملته ضد داروين. ولكن الأمر الأكثر إثارة للدهشة كان إقامته علاقات مع اليمين الإسرائيلي في القرن الحادي والعشرين.
كان أحد الأعمال الأولى الصادرة عن "مؤسسة الأبحاث العلمية" (BAV) كتابا بعنوان "خدعة الهولوكوست" في سنة 1996، الذي أنكر تخطيط النازيين للإبادة الجماعية لليهود، وكان في المجمل امتدادًا لنظرية المؤامرة المعادية للسامية التي وضعها أوكتار في الثمانينيات.
بعد عشر سنوات، شهدت آراؤه تغييرا جذريا: حيث نشرت "مؤسسة الأبحاث العلمية" (BAV) كتابا آخر بعنوان "عنف الهولوكوست"، الذي أقر حدوث الإبادة الجماعية. بل وبعد مرور سنة، نفى أوكتار تأليفه للكتاب الأول الذي ينكر الهولوكوست.
بغض النظر عن نظريته القائلة إن اليهود يحيكون مخططا "لتقويض قيم الشعب التركي الروحية والدينية والأخلاقية وجعلهم مثل الحيوانات"، كان أوكتار حاضرا في العديد من الفعاليات في إسرائيل. فقد انتشرت له صور تجمعه بممثلين عن اليمين المتطرف الصهيوني على غرار يهودا غليك والحاخام مئير لاو، كما ذُكر اسمه في عديد المقالات المكتوبة وفي وسائل الإعلام الإسرائيلية التي تدعو إلى الوحدة.
ويُرجح أنّ السبب الرئيسي الذي جعله قادرًا على التقرب من هذه الشخصيات هو موقفه الصريح والمعلن للسماح لليهود بالصلاة في الأقصى، في البلدة القديمة في القدس الشرقية المحتلة حيث يُعتقد أن الهيكل اليهودي الأول والثاني قائمان. ويرغب بعض المستوطنين الإسرائيليين من اليمين المتطرف في بناء معبد ثالث في الموقع، ليحل محل المسجد الأقصى وقبة الصخرة.
يرى معظم العلماء المسلمين والنشطاء الفلسطينيين أنّ فكرة السماح للمستوطنين اليهود بالصلاة في بيت المقدس الذي استولت عليه إسرائيل في حرب 1967 بمثابة لعنة حلت بهم. لكن بالنسبة لأوكتار، فإن "احتجاج بعض المسلمين لمناهضة صلاة اليهود هناك لا يتوافق بتاتا مع روح السلام في القرآن والإسلام". لذلك، فإن الحل الوحيد هو "الحب والمصالحة وبناء الهيكل الثالث على بعض الأراضي الخالية في بيت المقدس دون الإضرار بالمعالم الإسلامية الموجودة هناك".
أجرى الصحفي آساف رونيل الذي يعمل لصالح صحيفة "هآرتس" مقابلة مع أوكتار في سنة 2018، بعد مدة قصير من التحدث إلى عدد من المؤيدين السابقين، الذين وصفوا محنة الفرار من طائفته. وتماما كما منع أحمد، لم يُسمح لرونيل بإجراء المقابلة مع أوكتار إلا من خلال الظهور في برنامجه التلفزيوني، حيث يحيط به جمهورا من الشباب خلافا لما رأته أحمد.
في مرحلة ما من البرنامج، توجه له رونيل بسؤال عن علاقته باليهود في تركيا، لكنه تهرب من الإجابة وحاول الانتقال إلى موضوع آخر بسرعة، مشيرا بدلاً من ذلك إلى أصدقائه اليهود في إسرائيل. ثم في وقت لاحق، سأله عن غرامة أخيرة فرضها المجلس الأعلى السمعي البصري في تركيا على قناته. حينها أخذ أوكتار يلقي باللوم على غولن وحزب العمال الكردستاني وتنظيم الدولة والقاعدة وطالبان، وادعى أن جميع هذه الأطراف "بيادق في يد أجهزة الحكم غير الشرعية في الدولة البريطانية"، لممارسة التشهير ضده.
صرح رونيل لموقع ميدل إيست آي: "كنت أعلم أنه مجنون وأنه سيقول إن الدولة البريطانية كانت تحاول القضاء عليه، لكنني أدركت أيضًا أن هذا النوع من الجنون لا يهم حقا، لم يعنني ذلك. كنت بالنسبة له مجرد وسيط في العرض الذي كان يقدمه لمتابعيه. كان يريد أن يُظهر أنه شخص ذو أهمية، وأن صحفيا من صحيفة" هآرتس" خاض رحلة طويلة إلى إسطنبول ليقابله... لكن لا يهم حقا ما إذا كنت أصدقه أم لا، فقد كنت مجرد دعامة لأدائه".
الابتزاز
في تموز/ يوليو 2018، أُلقي القبض على أوكتار بناء على عدد من التهم الموجهة إليه، بما في ذلك تشكيل منظمة إجرامية، والاعتداء الجنسي على الأطفال، والتحرش الجنسي. ووفقا لمكتب المدعي العام في إسطنبول، قُبض على أوكتار أثناء محاولته الهروب من الضباط خلال اعتقاله. وبينما كانوا يقتادونه، قال للصحفيين إن التهم التي وجّهت له هي مؤامرة من قبل أجهزة الحكم غير الشرعية في الدولة البريطانية.
صرّح في وقت لاحق في المحكمة: "إنهم يريدون تعميم المسيحية على المنطقة بأكملها. لقد استهدفوني بعد أن رأوا أنني أقف عائقا أمامهم وأعرقل هذه اللعبة". على الرغم من أن "أجهزة الحكم غير الشرعية في الدولة البريطانية " لم تعلق رسميا على القضية بعد، تساءل الكثيرون عن هذا التوقيت بالذات لاعتقال أوكتار، معتبرين أن الاتهامات الموجهة إليه تعود إلى عقود خلت.
في سنة 1999، ألقي القبض على أوكتار وعدد من شركائه ووجهت إليهم تهم بتهديد أشخاص لتحقيق منفعة شخصية وإنشاء منظمة إجرامية. أدرج المدعي العام التركي عددا من الشركات المرتبطة بـ مؤسسة الأبحاث العلمية" (BAV) في القائمة السوداء، بتهمة استخدام الابتزاز والمصائد الجنسية لتوليد الدخل. وقد استمرت الإجراءات القانونية ضد أوكتار لمدة عامين، وخلال تلك الفترة سحب غالبية المشتكين ادعاءاتهم.
في ملف القضية خلال محاكمته الأخيرة، قدم المدعون مجموعة من الصور التي توثق الأفعال الجنسية لأعضاء طائفته يُزعم أنها التُقطت سرا في عقارات مملوكة لأوكتار بغرض الابتزاز. كما كشفت رسائل واتسآب تضم أعضاء من المجموعة من الذكور والإناث إعطاءهم تعليمات للتعود على الجنس الشرجي.
أخبر يوكسل موقع "ميدل إيست آي" أنه كان على علم بأسماء عدد من كبار السياسيين الذين تورطوا مع أوكتار أو كان لديهم أقارب متورطون معه وتعرضوا للخطر بسبب ارتباطهم به. ومع ذلك، رفض تقديم أي أسماء. من المستحيل أن نقول على وجه اليقين ما إذا كان أوكتار مجرد شخص مسيء، أو ما إذا كان يؤمن بصدق بكل شيء -أو أي شيء- على حد قوله.
من جهته، قال رونيل: "لا أعتقد أنه كان يؤمن بأي شيء كان يقوله"، مضيفا: "أعتقد أنه كان يقول فقط ما كان يعتقد أن أتباعه يؤمنون به، وما سيسمح له بالحصول على المزيد من المتابعين ومنحه المال والسلطة وممارسة الجنس كما يريد".