أصدرت وزارة الثقافة الفلسطينية تقريراً بعنون "تمويل الثقافة في المستوطنات" يظهر تدخلات حكومة الاحتلال في توظيف الثقافة لخدمة مشروعها الاستعماري في سرقة الأرض ويدعو دول العالم لمقاطعة النشاطات الثقافية في المستوطنات.
ويرصد هذا التقرير، النشاطات الثقافية في المستوطنات في السنوات الخمس الماضية في محاولة لتقديم تصور حول توظيف الثقافة في المشروع الاستيطاني والانتهاكات التي يقوم بها الاحتلال من خلال هذا التوظيف عبر استعراض ما تقوم به دولة الاحتلال والجهات المعنية فيها من وزارة الثقافة والسلطات المحلية في المستوطنات والأكاديميات ومؤسسات المجتمع المدني من جهود من أجل تحقيق الغايات الاستعمارية من وراء انشاء المستوطنات.
ويشير التقرير إلى أن دولة الاحتلال دأبت على استخدام كافة السبل من أجل تعميق احتلالها للأراضي الفلسطينية ومواصلة اعتداءاتها على المواطنين العزل بدعاوي مختلفة. وفي هذا السياق يتم استخدام الثقافة كوسيلة للتحريض على القتل وتبرير الجرائم وتعزيز دوافع المستوطنين وإضفاء مشروعية عليها. المركز الثقافي كما دار السينما كما المسرح كما المتحف كلها ثكنات عسكرية بطريقة مختلفة. هذا يتطلب موقفاً حازماً من المجتمع الدولي عامة من اجل منع تلويث الفعل الثقافي وتحويله لفعل إجرامي. بجانب الانتباه إلى خطورة هذا التوظيف البشع للثقافة في عمليات الاستيطان. المطلوب موقفاً حازماً تجاه المؤسسات والأفراد والسلع الثقافية وحرمانها من أي امتيازات أو التعامل معها في المهرجانات والفعاليات الخارجية أو المشاركة في أي نشاط تنظمه وتجريم ذلك وفق القانون.
وكما يقول التقرير فإن التركيز الدولي على إدانة الإستيطان والجهود المبذولة لرفض تصدير المنتجات الزراعية والصناعية المنتجة في المستوطنات إلى الأسواق العالمية وما يقوم به الاتحاد الأوروبي بهذا الخصوص يجب أن تشمل أيضاً المنتجات الثقافية من أفلام وموسيقى وتوسيعها لشمل مجمل النشاطات الثقافية هناك من باب التعاون مع المراكز الثقافية والفرق الفنية الجامعات ومراكز الترفيه والنشاطات. إن تلك السلع الثقافية والقائمين عليها منتهكين للقانون الدولي ويجب شملهم في كل الإجراءات الاحترازية والعقابية.
ويقول د.عاطف أبو سيف، وزير الثقافة في مقدمة التقرير "يحاول هذا التقرير أن يقف على ما تقوم به سلطات الاحتلال من استغلال الثقافة في تكريس مشروعها الاستيطاني القائم على سرقة الأراضي الفلسطينية وتهجير سكانها. الاستيطان بكل مكوناته وما ينتج عنه هو فعل مخالف للقانون الدولي ويجب مقاطعته. وكل النشاطات الثقافية في المستوطنات ليست إلا عمليات عسكرية بوجه مختلف تهدف إلى شرعنة الفعل غير الشرعي وتمكين الغزاة من بلادٍ ليست لهم. وعليه هذا يتطلب موقفاً صريحاً من المجتمع الدولي ومن المؤسسات الثقافية الدولية".
ويجمل التقرير بعد استعراض كافة مناحي التدخلات الثقافية في المستوطنات من سينما ومتاحف ومراكز ثقافة ومهرجانات مجموعة من الملاحظات والتوصيات لعل أبرزها التالي:
(1) النشاطات الثقافية جزء من عملية تمكين المستوطنين وتشجيعهم على البقاء في المستوطنات وتوسيعها على حساب الوجود الفلسطيني، كما أن كل فعل ثقافي يتم تسخيره من أجل تثبيت الدعاية الاستيطانية القائمة على نفي الوجود الفلسطيني وتبرير عمليات مصادرة الأراضي وطرد الفلسطينيين منها وإقامة المستوطنات.
(2) عملية تعزيز النشاطات الثقافية في المستوطنات هي جزء من توجهات اليمين لفرض السيادة الإسرائيلية على تلك المستوطنات وبالتالي قطع الطريق أمام أي توجهات حقيقية لحل الدولتين. القصد هو ان يتم التعامل مع المستوطنات كما يتم التعامل مع البلدات في الجنوب أو في الشمال أو على الساحل. أي أنها جزء من دولة الاحتلال ولها ما للبلدات الأخرى من دعم.
(3) تعتبر وزارة الثقافة في دولة الاحتلال رأس الحربة في الترويج لعمليات فرض السيادة تلك وتستخدم مواردها المالية من أجل تحقيق ذلك. وكما جرت العادة فإن التنافس هو من يكون أكثر يمينياً وتطرفاً من الآخر. وعليه فثمة حاجة لمراجعة علاقات الدول خاصة في أوروبا مع تلك الوزارة واشتراط احترام حقوق الإنسان في أي علاقة معها. للأسف فإن الكثير من الدول لا تفعل ذلك وتقوم بتعميق علاقتها مع وزارة تساهم وتدعم انتهاك القانون الدولي بشكل صارخ.
(4) تتسم النتاجات الثقافية التي تعمل عليها المؤسسات في المستوطنات بالعنصرية والكراهية وهي بعيدة بشكل كبير عن أي محتوى إنساني وقيمي وأخلاقي. ينعكس هذا في غايات تلك النتاجات أو في محتواها وفي طريقة الترويج لها.
(5) يتم الترويج للأفلام والفرق الموسيقية التي تتخذ من المستوطنات مركزاً لها في المهرجانات الدولية دون رقابة حقيقة من الدول التي يتم تنظيم تلك المهرجانات فيها.
(6) تتصدر السينما وإنتاج الأفلام في المستوطنات أو عن الحياة فيها قائمة اهتمام دولة الاحتلال في السنوات الأخيرة بسبب سهولة الترويج للسينما في المهرجانات العالمية.
(7) ومع ان مشاركة الأفلام التي يتم انتاجها في المستوطنات في المهرجانات الدولية جريمة إلا أنه حتى لا يصار إلى مراقبة محتوى تلك الأفلام ويتم توفير منصات دولية لبث الدعاية العنصرية التي تحرض على قتل الفلسطينيين دون رقابة فيما يمكن اعتباره مشاركة غير مباشرة في جرائم المستوطنين.
(8) وعليه يجب وضع ضوابط لمثل تلك المشاركات وتقع على الدول مسؤولية ضمان عدم دعوة المهرجانات التي تنظم في أراضيها لأي فرقة أو منتج سينمائي أو شركة انتاج تعمل داخل المستوطنات. ويجب وضع معايير متفق عليها من أجل ضمان عدم حدوث ذلك ومعاقبة الجهات التي تنتهك مثل هذه الضمانات القانونية.
(9) تتعرض القدس الشرقية لحملة شرسة من التهويد ومحاصرة الحضور الفلسطيني بأدوات ثقافية وفرض فعاليات ونشاطات تنظمها بلدية الاحتلال بالقوة في المناطق العربية.
(10) وربما أكثر من أي مكان آخر فإن الثقافة وادواتها غير الأخلاقية يتم توظيفها بشكل غير إنساني من أجل منع النشاطات الثقافية حتى بيوت عزاء الكُتَّاب في القدس الشرقية وتشجيع المنظمات المجتمعية على الاستفادة من منح البلدية لتنظيم نشاطات ليست ذات محتوى ثقافي أو تاريخي. فقط نشاطات ترفيهية بدون أي قيمة.
(11) هناك ما يمكن تسميته "حرب المتاحف" التي تستخدم فيها دولة الاحتلال المواد المتحفية من أجل تشويه الحقيقة. وبشكل أكثر دقة فإن المتاحف التي يتم إنشاؤها في المستوطنات ليست إلا أدوات أخرى لنفي الوجود الفلسطيني من السرديات حول المنطقة بجانب شرقة اللقى الأثرية الفلسطينية وعرضها بوصفها جزءاً من تاريخ المستوطنين.
(12) لا يقتصر الأمر على السينما والموسيقى بل يصل حد تنظيم مهرجانات فنية وترفيهية في المستوطنات ويتم دعوة فنانين أوروبيين للمشاركة فيها وبالتالي توريطهم في دعم جرائم المستوطنين. هناك حاجة لوضع ضوابط لهذه المشاركات والتنويه أن المشاركة في أي مهرجان يقام على أرض فلسطينية مصادرة هو مساهمة في انتهاك القانون الدولي.