أمام حادثة الكونغرس ومصير “الصديق”.. هآرتس: تنياهو يصارع المشهد.. والإسرائيليون: “ماذا تخبئ لنا الأيام؟”

الجمعة 08 يناير 2021 10:45 م / بتوقيت القدس +2GMT
أمام حادثة الكونغرس ومصير “الصديق”.. هآرتس: تنياهو يصارع المشهد.. والإسرائيليون: “ماذا تخبئ لنا الأيام؟”



القدس المحتلة / سما /

هآرتس - بقلم: عاموس هرئيل   "أزيح جانباً طوفان من أخبار كورونا على خلفية المشاهد التي لا تصدق، القادمة من واشنطن. ما ظهر من البداية كتجمع آخر لمتآمرين يمشون أثناء النوم أمام البيت الأبيض، تحول في أعقاب خطاب الرئيس الأمريكي ترامب إلى انقضاض على مبنى الكونغرس، يشبه الهجوم على سجن الباستيل. وهذا الاستعداد المحدود والفاشل لقوات الحماية، رغم التوقيت الحساس للمصادقة على نتائج الانتخابات الرئاسية، مكن مئات المشاغبين من الاقتحام إلى الداخل، ووقف المسار الصحيح للديمقراطية الأمريكية وتهديد سلامة المنتخبين.

الصور الغريبة (متظاهر يتقنع بصورة جاموس، ونازي جديد يرتدي قميص معسكر أوشفيتس) لا يجب أن تطمس خطورة الحدث. قتل أربعة أشخاص في هذه الأحداث، من بينهم امرأة أصيبت بإطلاق النار من داخل المبنى. وربما الأخطر هو محاولة واضحة بتشجيع مباشر من الرئيس المنتهية ولايته للقيام بانقلاب يفشل نقل السلطة المنظم إلى الحزب الذي فاز مرشحه في الانتخابات. أرسل ترامب الرعاع إلى تلة الكابتول من اللحظة التي تبين له فيها أن نائبه مايك بينس تحرر من قبضته وأنه لا ينوي التعاون في المناورة الأخيرة التي طرحها الرئيس عن تزوير نتائج الانتخابات.

صور الجمهور المندفع إلى الداخل بسهولة غير محتملة، وهي نتيجة مطلوبة لعهد ترامب، الرئيس الذي زاد سلوكه خطورة خلال سنوات ولايته الأربع ووصل إلى حضيض غير مسبوق منذ خسارته. هذا هو معنى استيلاء مشعل النيران، النرجسي المتطرف والطفولي، الذي لن تسمح له ثقته بنفسه بالاعتراف بهزيمته في الانتخابات. غازل ترامب أفكاراً فاشية وحركات عنصرية تؤمن بتفوق البيض طوال حياته كسياسي. المؤسسة الجمهورية، من ضمنها معظم السناتورات وأعضاء مجلس النواب، ساعدوه في ذلك، سواء لأنه لم يتجرأ على الوقوف ضده أو لأنه استفاد من المكاسب السياسية التي حصل عليها الرئيس لصالح المجلس. واتضح أن معظم كبار رجال الحزب أشخاص لا ضمير وقصيرو نظر. شبكات اجتماعية، حتى استيقاظ “تويتر” المتأخر عشية الانتخابات، تعاونت معه.

كل ذلك حدث في حين ينقض كورونا على مئات آلاف الأمريكيين، دون أن يكشف رئيسهم أي اهتمام بضائقتهم. أول أمس، في زمن الانقضاض على الكونغرس، تم تحطيم رقم آخر عندما بُلغ عن موت أكثر من أربعة آلاف مواطن أمريكي في اليوم السابق. ترامب غارق في عاره بسبب الخسارة، ولم يحرك ساكناً لتسريع عملية التطعيم، ولم يفرض خطوات تباعد اجتماعي منذ الانتخابات.

المشاهد العنيفة في الكونغرس مكنت زعماء دول أخرى من الطرقعة باللسان. تقدم مظاهرة الجنون الأمريكية لدى عدد منهم مبرراً متأخراً للمظالم التي ينفذونها ضد مواطنيهم وضد طهارة الانتخابات في دولهم. آخرون، منهم بالتحديد زعماء الصين وروسيا، راضون عن الشرخ الداخلي في الولايات المتحدة، ويفترضون أن هذا سيسرع تآكل مكانتها في المنافسة بين الدول العظمى.

طوال الليل، بدأت بيانات إدانة بالتدفق من عواصم العالم. رئيس حكومة بريطانيا، بوريس جونسون، الحليف الفكري لترامب في مجالات كثيرة، سارع إلى الإدانة. نتنياهو، شريك آخر، تأخر حتى ساعات صباح أمس بالضبط مثلما تأخر في تهنئة جو بايدن بالفوز في الانتخابات. هذا استمرار مباشر لعلاقة نتنياهو مع ترامب، الشخص الذي قام بتتويجه في كل مناسبة كأفضل الرؤساء الأمريكيين لإسرائيل.

أصوات الصدمة المتأخرة التي تسمع الآن في أجزاء من اليمين الإسرائيلي (لا يجب أن تؤثر أكثر من الاعتذار عن الخطأ الذي ارتكبته شخصيات رفيعة من الجمهوريين). عرف نتنياهو ووزراؤه مع من يتعاملون. اعترف عدد من الوزراء في محادثات خاصة بأن الأمر يتعلق بشخص معتل اجتماعياً، لكنهم كانوا سعداء بعصر الليمونة قدر الإمكان. في المقابل أغدقوا على الرئيس مظاهر من التملق. هضبة ترامب في الجولان هي في الواقع مستوطنة متخيلة، التي سترفع منها اللافتة قريبا (التي أصلاً سقطت بعض الحروف منها الآن). بقي علينا أن نرى إذا ما كان بايدن سيطلب من نتنياهو ثمن التحالف الذي راكمه مع أكثر الرؤساء الأمريكيين خطراً وانعدام مسؤولية.

“لا يمكن أن يحدث هذا هنا”، هذا هو اسم رواية سياسية معروفة، نشرها الكاتب والمسرحي الأمريكي سنكلير لويس في العام 1935. الحبكة البائسة تتناول صعود ديكتاتور أمريكي إلى الحكم في فترة بدأت فيها دول أوروبا في تبني الفاشية. صُد ترامب وأتباعه، ومن المرجح أن أحداث الكونغرس كانت العملية الأخيرة والخطيرة، لكنها المثيرة للشفقة. لكن الإسرائيليين الذين شاهدوا الأحداث طوال الليل، وهم يواصلون متابعة بث “سي.ان.ان” (قنوات التلفاز الإسرائيلي بصعوبة كلفت نفسها المتابعة)، لم يكن بوسعهم إلا أن يسألوا: هل يحمل مستقبلنا في طياته أحداثاً مشابهة.         

بعد أحداث السنة الماضية تصعب الإجابة عن ذلك بالنفي القاطع. نذكر عنف الشرطة ضد المتظاهرين، وعلى رأسهم المشاركون في احتجاج بلفور؛ والهجوم المنغلق من قبل رجال الشرطة على مدنيين عاديين كل ذنبهم أنهم لم يرتدوا الكمامات في الهواء الطلق؛ ورفض رئيس الكنيست السابق يولي ادلشتاين قبول حكم المحكمة العليا أثناء الأزمة السياسية في آذار؛ وبالطبع المشهد المرعب للمتهم في بداية محاكمته، في الوقت الذي كان فيه وزراء ليكود خانعين يرتدون الكمامات ويهزون برؤوسهم حوله. ولدينا أيضاً خرج المارد من القمقم. كلما أصبح خطر سجنه ملموساً أكثر راح نتنياهو يذكي النار هنا بصورة مشابهة جداً للطريقة التي يتصرف بها صديقه الأمريكي.

قبل سنة ونصف، نشر زميل غوش براينر في “هآرتس” نوعاً من السيناريو المستقبلي الساخر عن اليوم الذي سيطلب فيه من عائلة نتنياهو مغادرة المنزل في بلفور، على خلفية خسارة الانتخابات، لكنها ترفض فعل ذلك. وعندما قرأت المقال اعتقدت أن براينر بالغ قليلاً. وعند إعادة قراءة المقال، ربما  كان وصفه معتدلاً جداً مقارنة بما ينتظرنا.