احتفل الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة- "أمان" باليوم العالمي لمكافحة الفساد، والذي يوافق التاسع من كانون الأول من كل عام، بإقامة حفل النزاهة الوطني الخامس عشر، والذي أقيم افتراضياً، على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة وعبر تقنية Zoom ، نظراً للظروف الاستثنائية التي تعيشها فلسطين وسط جائحة كورونا.
وقد كلل الحفل جهود فارسات وفرسان النزاهة للعام 2020، ممن ترجلوا عن صهوة جوادهم، وشمّروا عن سواعدهم للانخراط في جهود مكافحة الفساد، وكشف الفاسدين، بإعدادهم تحقيقات استقصائية كشفت عن أفعال فساد، وأبحاث متخصصة توفر معلومات حول واقع الفساد ومكافحته.
واستُهل الحفل بكلمة عبد القادر الحسيني، رئيس مجلس إدارة ائتلاف أمان، مشيداً في كلمته بالمواطنين الجريئين الذين يمتلكون الشجاعة للدفاع بكل قوتهم لتبقى راية النزاهة مرفوعة، مساندين أمان في خوض حربها ضد الفساد والفاسدين، مستشهدًا بنتائج استطلاع رأي المواطنين الفلسطينيين الذي أعده أمان حول الفساد ومكافحته للعام 2020، إذ تبين بأن غالبية المستطلعة آراؤهم يرون أن الإبلاغ عن الفساد حق للمواطن وواجب عليه القيام به، ما يؤكد أن المواطن جزء أساسي في مكافحة الفساد، الأمر الذي يتطلب من الحكومة المزيد من الشفافية والانفتاح وتوفير المعلومات العامة، مكررًا مطالبة أمان المتكررة بإقرار قانون الحق في الحصول على المعلومات، حتى يتمكن المواطن من ممارسة حقه في المساءلة والرقابة على ادارة الشأن والمال العام.
وقد أشاد الحسيني بالصحفيين/ات الذين/اللواتي أعدوا/أعددن تحقيقات استقصائية، كشفوا/ن الغطاء عن أفعال فساد أو ساهموا/ساهمن في زيادة الرصيد العلمي المتخصص بالنزاهة ومكافحة الفساد، بالرغم من حالة اليأس والإحباط التي يعيشها الفلسطينيون هذا العام على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والصحية، بفعل انتشار فيروس كوفيد 19، وجرّاء الهجمة التي يمارسها الاحتلال وتحكمه بأموال المقاصة وقرصنتها، وتراجع الدعم الخارجي والمساعدات، سعياً وراء المقايضة والابتزاز لمواقفنا السياسية.
وقد استقبل الائتلاف أربعة طلبات ترشحت للجائزة من عاملين في القطاع العام، و17 تحقيقاً استقصائياً من الضفة الغربية وقطاع غزة، 10 أبحاث من الضفة الغربية وغزة.
وقد استبعد أحد الطلبات المقدمة في القطاع العام لعدم اكتمال ملف الترشح من حيث شروط الجائزة، وقيمت الثلاثة طلبات المتبقية، وبعد الدراسة من قبل اللجنة الفنية وهيئة المحكمين، تقرر حجب جائزة القطاع العام لهذا العام لضعف المبادرات المتقدمة، ولأنها جلّها أتت من صلب المهام الوظيفية للمتقدمين. فيما تنافس على جائزة أفضل تحقيق استقصائي 15 تحقيق من أصل 17 تحقيق استقصائي، التزمت بشروط ومعايير الترشح، حيث قررت هيئة المحكمين منح جائزة النزاهة لأفضل تحقيق استقصائي لتحقيقين اثنين. الأول للصحفية: ليندا شويكي عند تحقيقها بعنوان "عدوان التقاعد القسري"، والثاني للصحفية: سجود عاصي لتحقيقها حول تبييض تمور المستوطنات. فيما فاز بحث واحد من بين الأبحاث المقدمة، بعنوان "إطار مقترح لدور الحكم الصالح في العلاقة بين أبعاد نموذج ماكنزي للتشخيص التنظيمي و تفعيل قيم النزاهة والشفافية والسمعة التنظيمية "دراسة ميدانية على البلديات الفلسطينية " للباحثين: خليل أبو ماضي، وآية أبو الندا.
وكشف تحقيق شويكي النقاب عن مخالفات قانونية، وإساءة لاستغلال المنصب العام من قبل بعض المسؤولين في تنفيذ قانون التقاعد المبكر المؤقت الصادر عام 2017، والذي تم بناء عليه إحالة 168 موظفاً مدنياً، و204 موظفا عسكريا للتقاعد، حيث ركز التحقيق على موظفين/ات من ذوي الإعاقة، تم إحالتهم للتقاعد قسراً، لأسباب تتعلق بعدم لياقتهم الصحية والمهنية، ومن دون وجود تقارير طبية أو فنية تثبت ذلك، بالرغم من أن تعيينهم تم وفقاً لقانون الـ 5% الخاص بتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة.
وقد أظهر التحقيق أن طريقة تطبيق القانون جاءت قسرية ومخالفة لقانون التقاعد، حيث صدرت بعض قرارات الإحالة إلى التقاعد بعد الانتهاء من المدة القانونية لسريان عمل القانون المؤقت، بالإضافة إلى العديد من المخالفات الإدارية والقانونية عند تنفيذه.
وحري بالذكر أن تابع ائتلاف أمان ملفات مجموعة من الموظفين والموظفات ممن توجهوا لأمان لتقديم شكاوى تتعلق بإحالتهم للتقاعد، مقدما الدعم والإسناد لهم في رفعهم/ن قضايا في المحكمة العليا، حيث قامت المحكمة بإنصاف البعض منهم وإعادتهم إلى وظائفهم.
من جهة أخرى، كشف التحقيق المستور عن شبهات تورط جهات وشركات فلسطينية مع شركات إسرائيلية، تحاول تصدير تمور المستوطنات على أنها تمور فلسطينية، باستخدام شهادات منشأ فلسطينية، وهي شهادة توضح مكان وبلد وتاريخ المنتج. وتتبع التحقيق كيف تتم تعبئة وتغليف التمر من إنتاج المستوطنات في مصانع فلسطينية قبل بدء الموسم الزراعي الفلسطيني.
وقد أشار التحقيق بوضوح إلى شبهات تورط مجموعة من أصحاب رؤوس الأموال ممن يقدمون رشاوى إلى بعض العاملين في الجهات الرسمية، لغض البصر عن عمليات تهريب تمور المستوطنات، ما يعد جريمة وطنية وأخلاقية وسياسية مرتبطة للالتفاف على حملات مقاطعة بضائع المستوطنات، واستغلال الكوتا الممنوحة من قبل الدول الصديقة لاستيراد التمر الفلسطيني، ولتأثيره السلبي على قطاع إنتاج التمور في فلسطين والذي بلغ حجم الإنتاج فيها 15 ألف طن، لصالح الشركات الإسرائيلية التي تبيع تمور المستوطنات ذات الجودة السيئة على أنها فلسطينية المنشأ، ما يؤدي لضرب سمعة التمور الفلسطينية في الأسواق العالمية، ناهيك على الضرر والخسائر الكبيرة التي يتكبدها المزارعون الفلسطينيون.
والجدير ذكره أن ائتلاف أمان من أوائل من طرق جدران الخزان، وأبلغ الجهات المختصة حول شبهات الفساد حول تبييض تمور المستوطنات، مطالباً الجهات الرسمية بالإسراع في إحالة ملف قضية شهادات المنشأ لتمور المستوطنات إلى المحاكم المختصة، وإحالة جميع المتورطين الظاهرين والمستترين فيها إلى القضاء المختص، وخصوصاً محكمة جرائم الفساد، وذلك نظراً لخطورة القضية، وارتباطها بشبهات فساد بيَّنة، يتزاوج فيها رأس المال مع المسؤولية والمناصب العامة.
وحول البحث الفائز بجائزة النزاهة لهذا العام، أعد الباحثان: خليل أبو ماضي وآية أبو الندا، بحثهما بعنوان: "إطار مقترح لدور الحكم الصالح في العلاقة بين أبعاد نموذج ماكنزي للتشخيص التنظيمي وتفعيل قيم النزاهة والشفافية والسمعة التنظيمية "دراسة ميدانية على البلديات الفلسطينية"، حيث رأى الباحثان أن عدم إجراء الانتخابات المحلية لكافة الهيئات المحلية في قطاع غزة، يعيق تفعيل نظام النزاهة الوطني من جانب، ويعطّل منظومة المساءلة في بعض الجوانب الأخرى، مستشهدين بنتائج التقرير السنوي الصادر عن ديوان الرقابة الإدارية والمالية، بأن هناك ضعف في قدرة بعض الهيئات المحلية على تحقيق أهدافها المدرجة في خططها، وافتقار بعضها لمعايير الشفافية والنزاهة وتكافؤ الفرص في عمليات التوظيف والترقية ومنح العلاوات في بعض الهيئات المحلية.
وأوصى البحث الهيئات المحلية الفلسطينية بضرورة اتباع إجراءات عملية سليمة في الاختيار والتعيين والترقيات، تقوم على الكفاءة دون أي تدخلات سياسية أو عائلية، إضافة إلى ضرورة توفر مواقع إلكترونية تراعى فيها مؤشرات الشفافية والإفصاح ونشر المعلومات، وضمان حق الحصول على المعلومات، وتطوير استراتيجيات التواصل مع المواطنين، وتفعيل العمل عبر مواقع التواصل والوسائل الإعلامية المختلفة والتواصل الميداني، وحث وتشجيع العاملين/ات على التعاون مع الجهات الرقابية المختصة للكشف عن حالات الفساد، وذلك لمنع حالات الفساد المختلفة المالية والإدارية والأخلاقية.
واختتم الحفل بالثناء على شجاعة المبلغين والكاشفين عن الفساد، وشكر اللجان الفنية، على أمل أن يتجدد اللقاء في العام القادم بدون وباء يضيق علينا، ويخطف منا أحباءنا، مجددين الإيمان بوجود فارسات وفرسان جدد يحملون راية النزاهة، يحرصون على المال العام وإرساء قيم النزاهة في إدارة الشأن العام.