اعتبر تقرير أن الوضع في جنوب سورية يتطلب تدخلا إسرائيليا هناك، بادعاء أن حالة فوضى تسود هذه المنطقة، وتنبع من عدم سيطرة النظام السوري فيها ومن وجود مصالح متنافسة للعبين كثيرين ينشطون في هذه المنطقة، بحسب تقرير صادر عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، وأعده مدير المعهد، أودي ديكل، والباحثة في المعهد، كرميت فالنسي.
ووصف التقرير منطقة جنوب سورية أنها "ساحة خلفية" لإيران ورافعة لمهاجمة إسرائيل، في حال أرادت إيران، على سبيل المثال، الرد على اغتيال عالمها النووي، محسن فخري زادة، "ولذلك تصر إيران على دفع تموضع أذرعها وزيادة تأثيرها المدني والعسكري في هذه المنطقة".
وأشار التقرير إلى أنه في موازاة ذلك، يتواجد في هذه المنطقة لاعبون لديهم مصالح متناقضة، وهم: قوات النظام، مليشيات محلية مدعومة من إيران، حزب الله قوات روسية وسكان محليون "سنة ودروز" معارضون لنظام بشار الأسد. "وهذا الوضع المعقد يتطلب تدخلا إسرائيليا في ما يجري في جنوب سورية، قبل أن تحقق إيران ما تسعى إليه من تأثير متزايد في هذه المنطقة".
وكانت روسيا قد تعهدت للولايات المتحدة وإسرائيل والأردن، في أعقاب عودة سيطرة النظام على جنوب سورية، في العام 2018، ومقابل عدم تدخل الدول الثلاث، بإبعاد القوات الإيرانية عن هذه المنطقة. وخلافا لمناطق سورية أخرى التي تم طرد سكانها، فإن هذا لم يحدث لسكان جنوب سورية، الذين كانوا ضمن قوات المعارضة، وبعد اتفاقيات التسوية بينهم وبين النظام بوساطة روسيا، جرى تجنيدهم لقوات الأمن المحلية الخاضعة للنظام مقابل تعهد الأخير بعدم الانتقام منهم.
وعدد التقرير ثلاث محافظات في جنوب سورية، هي: محافظة درعا، ويسكن فيها مليون نسمة تخضع لـ"وجهاء محليين" كانوا ينتمون في الماضي لقوات المعارضة. ويبرز في هذه المحافظة حضور ضعيف لقوات النظام، إلى جانب مليشيات موالية لإيران وفيلق يخضع لتأثير روسي؛ محافظة القنيطرة، ويسكنها 90 ألف نسمة، ويبرز فيها حضور حزب الله؛ محافظة السويداء في الشرق ويسكننها 1.5 مليون نسمة، وتسيطر عليها قوات معظمها من الطائفة الدرزية، ورغم ذلك يوجد حضور متزايد لجهات مؤيدة لإيران. ويستعين نظام الأسد هنا بقوات مدعومة من إيران من أجل إحداث انشقاق في صفوف الدروز وقمع تطلعهم لحكم ذاتي في منطقتي السويداء وجبل الدروز.
وأضاف التقرير أن "عملية عسكرة سكان هذه المنطقة، مثل ’التضخم’ الحاصل بمراكز القوة، خلق في جنوب سورية معادلة قوى هشة تتميز بمستويات عنف مرتفعة، أحداث أمنية، فقر وانعدام استقرار". وتدل الأحداث في جنوب سورية في الأشهر الأخيرة على منافسة متصاعدة على التأثير بين روسيا وإيران، "كتعبير عن مصالح متناقضة في هذه المنطقة، رغم أنهما شريكتان في التحالف الداعم للأسد".
الدور الروسي
وحسب التقرير، فإن سياسة "الضغوط القصوى" الأميركية ضد إيران، الهجمات الإسرائيلية المتواصلة، المنافسة مع روسيا، "أبطأت وتيرة تموضع إيران واضطرتها إلى تغيير طبيعة انتشارها في منطقة جنوب سورية. ونشطت ميليشيات شيعية في هذه المنطقة في الماضي، لكن الإيرانيين يعتمدون اليوم على جهات محلية، وتجدها وتسلحها وتدربها، وعلى وحدات تابعة لجيش النظام وتخضع لتأثير إيراني، وبالأساس على حزب الله".
من جانبها، تسعى روسيا إلى استقرار منطقة جنوب سورية، في إطار تطلعها إلى استقرار سورية كلها، وبقاء النظام "من أجل ترجمة نجاحها العسكري في الحرب الأهلية إلى إنجاز سياسي ومكاسب اقتصادية وتأثير متواصل في الدولة والشرق الأوسط عموما".
وأكد التقرير على أن روسيا معنية، في موازاة ذلك، بالحفاظ على علاقات جيدة مع إسرائيل وعلى التنسيق الإستراتيجي بينهما في سورية. "ولذلك، تظهر روسيا استعدادها من أجل تطبيق تعهدها للولايات المتحدة وإسرائيل بإبعاد الوجود الإيراني مسافة 80 كيلومتر عن الحدود مع إسرائيل" في هضبة الجولان المحتلة.
وأضاف التقرير أنه "رغم إصرار إيران على تعميق تموضعها في جنوب سورية، إلا أنها تضطر إلى جعل نشاطها في هذه المنطقة معتدلا أكثر بسبب قيود اقتصادية وأيضا نتيجة خطوات روسية لاجمة. لكن لروسيا قدرة محدودة وحسب من أجل تقليص التموضع الإيراني في هذه المنطقة. وتبنى نظام الأسد عمليا ’الحياد السلبي’ حيال المنافسة بين روسيا وإيران، ويسمح بالصراعات المحلية بين اللاعبين المختلفين من أجل منع تموضع جهة قوية واحدة في هذه المنطقة".
وادعى التقرير أن إسرائيل اتبعت سياسة حياد وعدم التدخل في الحرب الأهلية السورية منذ بدايتها، رغم هجماتها المتكررة ضد أهداف في سورية، تشمل النظام وإيران وحزب الله. وفي المقابل، "سمحت سياسة عدم التدخل الإسرائيلية لإيران، عندما حاربت إلى جانب نظام الأسد، باستغلال الفرص من أجل إقامة بنية تحتية وقدرات عسكرية ضد إسرائيل، والاستقرار في سورية لفترة طويلة، وكذلك من أجل استخدام جبهة قتال أخرى ضد إسرائيل، إلى جانب الجبهة اللبنانية، أثناء الحرب أو التصعيد".
واعتبر التقرير أنه "عندما اتضحت صورة الوضع لإسرائيل، طولبت ببلورة رد عسكري ضد التموضع الإيراني، وفي موازاة ذلك طالبت روسيا بإقصاء التموضع الإيراني في سورية، وبلورة تسوية مستقبلية تكون مريحة لإسرائيل، لكن موسكو لم تنفذ ذلك".
وتابع التقرير أن سياسة إسرائيل تجاه جنوب سورية هي "نشرة أخبار متكررة" لتلك السياسة، "التي تسمح عمليا للمحور الإيراني – الشيعي بباء مناطق سيطرة عسكرية وخلايا إرهابية في جنوب سورية، موجهة ضد إسرائيل".
وخلص التقرير إلى أنه "من أجل منع إيران من إقامة حدود إرهابية واحتكاك مرتفع في هضبة الجولان بواسطة أذرعها، على إسرائيل استغلال ضعف حضور المحور الإيراني – الشيعي، وبضمنه نظام الأسد، وظام التنسيق مع الجيش الروسي، كفرصة لانتهاج سياسة نشطة في جنوب سورية،، واستهداف الأذرع الإيرانية، وبضمنها قوات حزب الله. وفي موازاة ذلك، على إسرائيل تعزيز قوات محلية، سنية ودرزية، وإقامة علاقات مع مجموعات سكانية محلية معارضة للنظام، بواسطة مساعدات إنسانية – طعام، وقود، حدمات صحية – تسمح بإقامة ’جزر تأثير إسرائيلية’، وبذلك عرقلة خطط التموضع الإيرانية في منطقة جنوب سورية".