رأت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية في مقال تحليلي، اليوم الثلاثاء، أن أفراد العائلة المالكة في السعودية يخوضون الآن حربا علنية للغاية بشأن العلاقات مع إسرائيل، فبينما ينتقد أحد الأمراء السعوديين إسرائيل، يقوم آخر بضرب الفلسطينيين.
وقال إيلي بوده، الأستاذ في قسم الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية بالجامعة العبرية، في تحليله، إنه بعد أسبوعين من لقاء نتنياهو المفاجئ مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، انتقد الأمير البارز تركي الفيصل، إسرائيل باعتبارها قوة “استعمارية غربية”، متهما إياها باحتجاز الفلسطينيين في معسكرات اعتقال على خلفية اتهامات أمنية واهية واغتيال من تريد.
تصريحات تركي، التي أدلى بها في حوار المنامة الأمني في البحرين، جاءت بمثابة صفعة لوزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي، الذي تحدث بعد ذلك مباشرة، وحاول إزاحة الانزعاج، معربا عن “أسفه” إزاء تصريحات تركي التي “لا تتوافق مع روح التغيير التي تحدث في الشرق الأوسط”.
لكن تصريحات تركي مهمة، فالرجل شغل منصب رئيس المخابرات في المملكة لمدة 20 عاما، وكان سفيراً في كل من لندن وواشنطن، والتقى، بشكل غير رسمي، بالعديد من الإسرائيليين على مر السنين. وتتناقض تصريحاته بشكل حاد مع التصريحات الأخيرة التي أدلى بها بندر بن سلطان، المسؤول السعودي السابق، والتي هاجم فيها بشدة القيادة الفلسطينية لمعارضتها “المستهجنة” للتطبيع بين إسرائيل والخليج.
وتساءل بوده “إذن ما الذي يحدث في المملكة العربية السعودية؟”.
يتابع الكاتب “يعبر تركي وبندر عن مدرستين فكريتين متناقضتين فيما يتعلق بقضية التطبيع مع إسرائيل”.
ويوضح قائلا إن تركي ينتمي إلى مدرسة الملك سلمان، الملتزمة بوجهة النظر السعودية التقليدية، كما عبرت عنها مبادرة السلام العربية التي أطلقتها الرياض، بأن التطبيع مع إسرائيل يجب أن يكون جزءا من عملية متبادلة. ومن هذا المنطلق، فإن الاعتراف السعودي بإسرائيل يقوم على إقامة دولة فلسطينية في حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وحل متفق عليه لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين.
ويضيف أن الملك سلمان بصفته الوصي على الأماكن الإسلامية المقدسة، مكة والمدينة، التي تجتذب نحو مليوني حاج مسلم سنويا، فإنه ليس مهتما بأي تحرك دبلوماسي يمكن أن يضعف مكانة القيادة البارزة للمملكة العربية السعودية من خلال تنفير أعداد كبيرة من الحجاج المسلمين. وسيؤدي أيضا إلى تداعيات اقتصادية مأساوية.
في المقابل، فإن نجله، ولي العهد محمد، مستعد للتحرك بسرعة أكبر فيما يتعلق بقضية التطبيع، ويبدو أنه أقل ارتباطا بمعايير مبادرة السلام العربية. لا يزال السعر الذي يطالب به غير واضح، على الرغم من أنه يريد بالتأكيد إزالة وصمة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي وعرض صفقة أسلحة أمريكية كبيرة، متجاوزة صفقة طائرات F-35 وطائرات بدون طيار التي أبرمتها الإمارات.
ويشير الكاتب، في التحليل، إلى أنه لا ينبغي للصراع السعودي الداخلي بشأن القضية الفلسطينية أن يحجب حقيقة أن التقارب السعودي مع إسرائيل هو استكمال لعملية طويلة، ولم ينجم فقط عن بروز إيران كقوة مهيمنة في الخليج.
في الواقع، بدأ التحول السعودي تجاه إسرائيل مباشرة بعد حرب عام 1967، عندما اعترفت ضمنيا بإسرائيل داخل حدود عام 1967. في السبعينيات، حاول ولي العهد (والملك لاحقا) فهد مرتين على الأقل التواصل مع إسرائيل، لكن تم رفض مبعوثيه، لأسباب غير كافية. أراد السعوديون شراء أسلحة متطورة من الولايات المتحدة، مثل الطائرات المقاتلة من طراز F-16، وكان الهدف من تواصلهم هو طمأنة إسرائيل بأن التكنولوجيا العسكرية الخاصة بهم لن تشكل تهديدا للدولة اليهودية.
في عام 1981، أصبح فهد أول زعيم عربي يقترح مبادرة سلام لحل الصراع العربي الإسرائيلي. وقد أشارت الاتصالات السعودية الغربية بشكل خاص إلى أنه على الرغم من اللغة الغامضة للمبادرة، إلا أنها في الواقع تشكل اعترافا سعوديا رائدا بإسرائيل، التي بدورها رفضت المبادرة على الفور.
بعد حوالي 20 عاما، في فبراير 2002، في ذروة الانتفاضة الفلسطينية، أصدر ولي العهد (والملك لاحقا) عبد الله مبادرة سلام ثانية، ولم تستجب إسرائيل للمبادرة بشكل رسمي. استجاب بعض السياسيين (ايهود اولمرت وشمعون بيريز وآخرون) بشكل إيجابي في السر، لكن هذه الهمهمة لم تستطع التستر على واحدة من أعظم إخفاقات رجال الدولة الإسرائيليين. حفز ظهور إيران كتهديد عسكري ونووي في الخليج محاولة أخرى من قبل المملكة للسعي إلى اختراق إسرائيل. ومع ذلك، فقد تطلب الأمر حرب لبنان الثانية (2006) لتسريع التعاون وراء الكواليس.
كقائد للعالم الإسلامي السني، نظرت المملكة العربية السعودية بقلق إلى القادة الشيعة الإيرانيين الذين سعوا للهيمنة الإقليمية باستخدام وكلاء مختلفين، مثل حزب الله في لبنان والنظام الشيعي المنشأ حديثا في العراق، بعد الغزو الأمريكي عام 2003.
التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، إيهود أولمرت، برفقة رئيس الموساد مئير داغان، بندر بن سلطان في عام 2006، الذي شغل منصب رئيس مجلس الأمن القومي. يتمتع بندر بتاريخ طويل من الاجتماعات مع الإسرائيليين والقادة اليهود الأمريكيين خلال فترة عمله كسفير للسعودية في واشنطن.
كان هذا بمثابة بداية تعاون إسرائيلي سعودي سري، والذي أدى إلى قيام داغان بزيارة سرية عام 2010 إلى المملكة العربية السعودية للاجتماع مع نظرائه.
لكن السعوديين لم يقيموا علاقاتهم مع إسرائيل على حساب العلاقات مع الفلسطينيين.
في الواقع، كان السعوديون يتوسطون بين منظمة التحرير الفلسطينية والولايات المتحدة منذ السبعينيات، في محاولة فاشلة لجذب الفلسطينيين إلى العملية الدبلوماسية. وقد صممت مبادرتا السلام لتسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وبالتالي تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.
كما تبرع السعوديون بمبالغ كبيرة لخزينة فتح، الفصيل الرائد داخل منظمة التحرير الفلسطينية.
لذلك، يقول الكاتب، يمكن للمرء أن يفهم خيبة الأمل السعودية من عدم قدرتها على الاستفادة من هذه الهبة المالية لتحقيق إنجازات دبلوماسية ملموسة.
ويضيف قائلا إن الصراع داخل البيت الملكي بشأن القضية الفلسطينية يعني أن قطار التطبيع الإسرائيلي لن يتوقف عند الرياض، على الأقل ليس الآن. يريد السعوديون الانتظار ورؤية موقف إدارة جو بايدن فيما يتعلق بالاتفاق النووي الإيراني قبل المضي قدما. وهذا يعني أن الاتصالات الإسرائيلية السعودية ستظل في الغالب خلف أبواب مغلقة. حتى لقاء بنيامين نتنياهو ومحمد بن سلمان كان من المفترض أن يبقى سرا، لكن إسرائيل سربته. ومع ذلك، لا يمكن إعادة التطبيع إلى الزجاجة. عندما يحين التوقيت والظروف، سيتوقف قطار التطبيع في الرياض أيضا. لكن اسرائيل ستدفع الثمن وبالعملة الفلسطينية.
بعد تصريحاته، عاد الأمير تركي الفيصل إلى مبادرة السلام العربية، قائلا: “لا يمكنك معالجة جرح مفتوح بالمسكنات؛ لا يمكن لاتفاقات التطبيع أن تنجح إلا إذا تم إحياء مبادرة السلام العربية”.
ولكن على الرغم من احتجاجات تركي، فإن مبادرة السلام العربية – بعد ما يقرب من عقدين من إطلاقها، وعشر سنوات على الربيع العربي- غامضة للغاية ولم تعد مناسبة للغرض.
ولكي تكمل السعودية وإسرائيل المغازلة أخيرا، وضمان قبول كل من الفصائل الملكية السعودية والجزء الأكبر من العالم الإسلامي، يجب أن تكون هناك مبادرة سلام خليجية – إسرائيلية – أمريكية مشتركة، والتي من شأنها أن تكون بمثابة نقطة انطلاق لاختراق دبلوماسي بين إسرائيل والفلسطينيين، وبالتالي بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية.
السؤال الوحيد هو ما إذا كانت الأطراف مستعدة لمثل هذا المشروع، يختم الكاتب. "القدس العربي"