هآرتس: هل ستكون “الانتفاضة الثالثة” المقبلة الأكثر دموية من السابقيتن؟

الخميس 03 ديسمبر 2020 10:21 م / بتوقيت القدس +2GMT
هآرتس: هل ستكون “الانتفاضة الثالثة” المقبلة الأكثر دموية من السابقيتن؟



القدس المحتلة / سما /

هآرتس - بقلم: ديمتري شومسكي  "منذ سنوات كثيرة يدعي جدعون ليفي بأن الاختيار الحقيقي الوحيد الذي يقف أمام مواطني إسرائيل عشية كل جولة انتخابات منذ أكثر من عقد، هو الاختيار بين يمين ويمين. منذ سنوات كثيرة، في أوساط معظم بقايا اليسار، يتعاملون مع ادعاءاته باستخفاف كامل. والآن إذا حكمنا حسب استطلاعات الرأي الأخيرة، فهي تؤكد بدون أدنى شك تشخيص ليفي. حيث إن البديل الواقعي والواضح لنتنياهو وحزب الليكود يمثله الآن زعيم اليمين الديني – القومي المتطرف، نفتالي بينيت.

سيكون من الخطأ أن نعزو صعود بينيت في الاستطلاعات إلى أزمة كورونا فقط وإلى الاستخدام العبقري لها من قبل زعيم “يمينا” إزاء الفشل التام لحكومة نتنياهو في معالجة الأزمة. وهكذا فإن الدافع الفوري والظاهر للعيان لزيادة تأييد بينيت بشكل كبير جداً في أوساط مصوتي الوسط يكمن في نجاحه الكبير في تسويق نفسه في عيون قطاعات كبيرة من الجمهور الإسرائيلي كخبير في دحر الأوبئة العالمية.

ولكن الأسباب العميقة لهذا التطور تكمن في أن المزيد من الإسرائيليين العلمانيين الذين يعتبرون أنفسهم “أعضاء مركز معتدل”، ناضجون الآن للوقوف بشكل صريح خلف رجل يمين قومي متطرف – ديني استيطاني. كل ما كان مطلوباً لهم من أجل ذلك هو شذرات من الدلائل على أن الأمر يتعلق بالمجمل بشخص عاقل ومتزن. وهذا هو بالضبط الانطباع الذي استطاع بينيت توفيره عندما وجه الانتقاد المنطقي والمقنع لمعالجة نتنياهو العشوائية لتحديات الوباء. ومن الصعب تغيير انطباع لعملية ترسخ المواقف اليمينية في نفوس الجمهور المحسوب على الوسط في إسرائيل، التي تعد ارتفاع قوة “يمينا” في الاستطلاعات من علاماتها البارزة، ويدل على ذلك أن المزيد والمزيد من الإسرائيليين على قناعة بأن سياسة اليمين تجاه القومية الفلسطينية والتي تتبدى في تحطيم كامل للعملية السياسية، بالمناسبة استمرار السيطرة على الفلسطينيين وتعميق مشروع الاستيطان هي الطريقة الناجعة والأفضل للتعامل مع ما يسمى “المشكلة الفلسطينية”.

إن الحفاظ على الوضع الراهن للاحتلال لا يجعل الفلسطينيين يتمردون ضده. بالعكس، في الساحة الفلسطينية –على أي حال في مناطق الضفة الغربية– يسود في الغالب هدوء واستقرار نسبي في عهد سلطة اليمين الإسرائيلي. لذا، من الطبيعي أن يزداد عدد الإسرائيليين الذين يقولون بأن استمرار حكم اليمين يعني استمرار الهدوء المأمول.
المطلوب إذاً هو إعادة فحص الرواية السائدة بشأن العلاقة بين تعزز اليمين في إسرائيل، والعنف الفلسطيني. هذا ما يقوله إسرائيليون كثيرون لأنفسهم، على الأقل منذ الانتفاضة الثانية. خلافاً لما تقوله هذه الرواية، فإن الانتفاضة الثانية لم تقض على معسكر السلام في إسرائيل، بل العكس هو الصحيح. الانتفاضة الثانية أدت إلى تفشي مواقف فيما يتعلق بأهمية التنازل الجغرافي في أوساط دوائر، كانت مشخصة في السابق بصورة واضحة مع اليمين.

على هذه الخلفية يجب فهم الانفصال عن قطاع غزة وتشكيل حزب “كديما”، الذي تحول -رغم النية الأولية لشارون لإدخال العملية السياسية إلى التجميد- فيما بعد إلى حزب التسوية السياسية الواضح؛ والنجاح غير المسبوق لكديما في انتخابات 2006 برئاسة إيهود اولمرت والتقدم الكبير نحو تسوية مع الفلسطينيين التي قادها أولمرت وحاييم رامون في عملية أنابوليس.

في المقابل، يبدو أن التنصل العلني لمحمود عباس من خط المقاومة العنيفة مع تعاون خفي وعلني مع الاحتلال الإسرائيلي، استقبل في إسرائيل كإشارة خنوع وكنوع من تأكيد على مقولة بينيت بأن الفلسطينيين ليسوا اكثر من “شوكة في المؤخرة”. بهذا، فقد ساعد ذلك في زيادة الانجراف نحو اليمين في أوساط الجمهور الإسرائيلي.
هذا ليس سوى مسألة وقت، إلى أن تضطر الجهات المعتدلة في الحركة الوطنية الفلسطينية إلى الاعتراف بأن الاحتلال الإسرائيلي هو مثل كل احتلال، لا يفهم غير لغة القوة. أجل، على الرغم من أنه اليوم، في أيام الوباء العالمي، يصعب تخيل “القضية الفلسطينية” تحتل المكان الرئيسي مرة أخرى في الأجندة الإسرائيلية والدولية، حيث إن كل من يعرف شيئاً أو شيئين عن تاريخ القوميات واحتلال الشعوب في تاريخ الإنسانية، يفهم بأن الانتفاضة الثالثة -التي ربما ستكون أكثر دموية من سابقاتها – هي الآن وراء الزاوية.

ومن أجل منع اندلاعها، يجب على إسرائيل أن تستبق الضربة بالعلاج؛ أي عليها أن تجمد بصورة فورية البناء في المستوطنات والعودة بدون تأخير إلى طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين حول تقسيم البلاد إلى دولتين قابلتين للحياة. من نافل القول، لشديد الأسف، أن احتمالية القيام بخطوات كهذه من جانب إسرائيل تكاد تكون معدومة.