معاريف - بقلم: عاموس غلبوع "من الصعب اليوم على المواطن الإسرائيلي أن يعرف ويفهم ما الذي يجري لدى جاره، السلطة الفلسطينية، فوسائل الإعلام المؤطرة تقلل من الاهتمام بذلك. وإذا ما تمت، فإنها في غالبيتها الساحقة تشكل ناطقة باسم السلطة أو حماس. أحياناً، في أعقاب حدث إرهابي، يظهر مسؤول أمن كبير سابق وبوجه جدي يعلن بأن الانتفاضة على الأبواب، وأن أياماً سوداء بانتظارنا. وإذا كانت نفس أحد ما تتوق لمعرفة المعطيات والحقائق عما يجري لدى جيراننا الفلسطينيين، سيجدها في منشورات مركز المعلومات للاستخبارات والإرهاب في مركز التراث الاستخباري.
تعالوا لنرى ما الذي يحصل في السلطة، ما هي أفعالها الآن؟ وما أهدافها للمدى القريب؟ هناك أربع مزايا للوضع الحالي: أولاً، السلطة الفلسطينية، وللدقة الرئيس أبو مازن وعصبته، في فترة صمت لنهاية الحكم المتواصل منذ أكثر من 15 سنة. فقد بدأت منذ الآن صراعات الخلافة من خلف الكواليس، والتي قد تصبح عنيفة. كل المنظومة السلطوية الآن في وضع تآكل، الصورة الجماهيرية متردية للغاية لدرجة فقدان الشرعية. المعجزات تحصل دوماً بحيث يمكن لأبو مازن العجوز، المعروف بمرضه، أن يفاجئ ويواصل العيش لسنوات طويلة أخرى، ولكن هذا لن يقدم شيئاً سوى إطالة آلام صمت السلطة الحالية.
ثانياً، الهدوء النسبي للمجتمع الفلسطيني حيال إسرائيل. رغم سلسلة طويلة من الأحداث السلبية التي وقعت في السنوات الأخيرة من ناحية المجتمع الفلسطيني (بدءاً بالاعتراف الأمريكي بالقدس الموحدة)؛ ورغم التحريض الدائم من جانب حماس، روغم التحريض البنيوي في التعليم الفلسطيني، فإن المجتمع الفلسطيني لم يتفجر عنفاً، ولم يبدأ بانتفاضة جديدة. ثمة رشق للحجارة ومحاولات إرهابية فردية وشبكات للإرهاب، ولكنه الوضع “العادي” للمقاومة الشعبية. أما المجتمع بعمومه فتعب، غارق في همومه اليومية.
ثالثاً، الوضع الاقتصادي المتردي تفاقم أكثر فأكثر في كورونا، فإذا كاد الفيروس، في بداية الوباء، لا يمس بسكان يهودا والسامرة، فقد تغيرت الصورة اليوم بالتدريج، فقد شهدت الأسابيع الأخيرة ارتفاعاً حاداً في عدد المصابين، حين يبلغ معدل الفحوصات الإيجابية نحو 21 في المئة. في نهاية السنة الماضية، فرضت السلطة إغلاقاً كاملاً، ولكن يبدو أنه لم يفرض إلا في المدن الكبرى. فضلاً عن ذلك، فإن السلطة، وهي لا تزال في صمتها، ليست قادرة على منع الأعراس الكبرى والمناسبات الجماعية. في صلوات يوم الجمعة الماضي في الحرم، شارك نحو 12 ألف شخص، معظمهم بلا كمامات.
رابعاً، على المستوى السياسي واصلت السلطة سياسة المواجهة السياسية مع إسرائيل، فيما تغوص إلى درك أسفل غير مسبوق في منظومة علاقاتها مع إدارة ترامب ومكانتها في العالم العربي. إدارة ترامب التي اتخذت تجاهها خطوات مؤيدة لإسرائيل في موضوع القدس والمستوطنات، عرضت عليها خطة سياسية تتعارض وكل مفاهيمها الأيديولوجية الأساسية؛ مست جداً بجيبها، في الوقت الذي ألغت فيه مساعدات مالية لها ولوكالة الغوث، واتخذت سلسلة خطوات جعلتها معادية في نظر السلطة. وفي العالم العربي “ثورة” حقاً: مصالح الحركة الوطنية الفلسطينية لم تعد عاملاً مؤثراً مؤكزياً في اعتبارات الدول السنية الغنية؛ والجامعة العربية التي تهتم بالشعب الفلسطيني، توقفت (مؤقتاً؟) عن الاستجابة للمطالب الفلسطينية مثلما كانت في الماضي؛ والرفض الفلسطيني تجاه إسرائيل أصبح في الفترة الأخيرة موضوعاً في الخطاب العربي؛ والسلطة وجدت نفسها في كتلة إيران وتوابعها، مقابل كتلة معارضيها السُنة ومعهم إسرائيل.
في هذا الوضع، وجدت السلطة نفسها أمام إدارة أمريكية جديدة. ترامب المكروه لم يعد. فماذا تفعل وما هو المتوقع؟ سنجيب عن هذا في الأسبوع القادم.