مركز دراسات إسرائيلية: سياسات بايدين ستكون مشابهة مع توجهات أوباما بالتعامل مع إسرائيل

الخميس 03 ديسمبر 2020 09:57 م / بتوقيت القدس +2GMT
مركز دراسات إسرائيلية: سياسات بايدين ستكون مشابهة مع توجهات أوباما بالتعامل مع إسرائيل



القدس المحتلة / سما /

يرجح المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) أن تكون ولاية الرئيس الأمريكي جو بايدين وتوجهاته حيال الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي متشابهة مع سياسات الرئيس السابق براك أوباما متساوا بذلك مع تقديرات عدد غير قليل من محللين إسرائيليين أيضا يتوقعون أن يكون بادين ناقدا لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ولتوجهاته مع عودة لتأييد حل الدولتين.

ويقول “مدار” إنه رغم من أن الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن أكد أن ولايته في “البيت الأبيض” لن تكون بمثابة “ولاية ثالثة” لباراك أوباما، (2008-2016) فإن تحليلات كثيرة استندت إلى قيام هذا الأخير بتعيين عدد كبير من الأشخاص الذين كانوا في عداد طاقم أوباما في أبرز المناصب المفتاحية في الإدارة الأمريكية المقبلة، كي تخلص إلى نتيجة فحواها أن احتمالات استمرارية السياسة التي انتهجتها إدارة أوباما على المستويات كافة ستظل أكبر من احتمالات تغييرها.

ويستذكر أن مؤدى الرسالة الجوهرية التي وجهها أوباما إلى الرأي العام في إسرائيل، من خلال خطابه أمام المئات من الطلبة الجامعيين في القدس يوم 21 آذار 2013، هو أنه من أجل الحفاظ على إسرائيل كـ”دولة يهودية ديمقراطية” لا بُد من التخلي عن الاحتلال والاستيطان في أراضي 1967، وإتاحة المجال أمام إمكان إقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة إلى جوارها، الأمر الذي يعتبر أفضل ضمان لأمن طويل الأمد، سيظل مُدجّجاً بدعم “الدولة الأقوى في العالم” لـ”الدولة الأقوى في المنطقة”.

وحسب تقرير “مدار” وراء هذه الرسالة كان ثمة رسائل كثيرة موجهة في الوقت عينه إلى الفلسطينيين والعرب وتعكس من دون مبالغة عدداً من التحولات في مقاربته الفكرية والسياسية. أولاً، لعل أبرز هذه الرسائل وأشدها خطورة هي إشهار تبني إدارة أوباما مطلب إسرائيل أن يتم الاعتراف بها كدولة يهودية مما منحها ضوءا أمريكيا أخضر لسن “قانون القومية” الإسرائيلي لاحقاً، في العام 2018.

وكان شأن إدارة أوباما في ذلك مثل شأن الإدارة الأمريكية السابقة لها برئاسة جورج بوش الابن التي أقرّت بهذا المطلب منذ العام 2003 (في أثناء قمة العقبة). ومن ثم أخذ بُعداً واسعاً منذ مؤتمر أنابوليس الذي عقد في خريف العام 2007، وأصبح منذ بدء ولاية حكومة بنيامين نتنياهو الثانية (في نيسان 2009)، بمثابة قضية خامسة متقدمة في قائمة القضايا الجوهرية المدرجة في جدول أعمال مفاوضات ما يسمى بـ”الوضع النهائي”، فضلاً عن القضايا الجوهرية الأربع الأخرى وهي: الحدود والمستوطنات؛ القدس؛ اللاجئون؛ الترتيبات الأمنية.

الرواية التاريخية

وقد طرح خطاب أوباما هذا المطلب كشرط للتسوية أمام العالم العربي، وأمام الفلسطينيين، قائلاً: “هذا هو الوقت المناسب للعالم العربي كي يُقدم على اتخاذ خطوات نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وفي الوقت نفسه، يتعين على الفلسطينيين الإقرار بأن إسرائيل ستكون دولة يهودية، وبأن الإسرائيليين لديهم الحق في الإصرار على مطالبهم الأمنية”. كما يشير إلى شرعنة أساس الرواية التاريخية الصهيونية، التي ترى أن استعمار فلسطين كان تحقيقاً لعودة “الشعب اليهودي” إلى “أرض الميعاد” كي يكون “شعباً حرّاً في وطنه”، ويحيي القفار، ويحقق الاستقرار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويطبق “المُثل” المشتركة لـ”الأمتين الأمريكية والإسرائيلية”.

ولفت أوباما في خطابه إلى أنه منذ إقامة دولة إسرائيل (قبل نحو 65 عاماً في ذلك الوقت)، عُقدت بينها وبين الولايات المتحدة علاقات خاصة غير قابلة للفصم، بدأت بعد 11 دقيقة من استقلال إسرائيل عندما كانت الولايات المتحدة أول دولة في العالم تعترف بالدولة الجديدة. كما يشير لقيام أوباما يوم 22 آذار 2013 بزيارة متحف “ياد فشيم” في القدس لتخليد ضحايا المحرقة النازية، ألقى كلمة أكد فيها أن هذه المحرقة لا تشكل المبرّر الرئيس لإقامة دولة إسرائيل وبذلك تساوق مع مسار متواتر تقوم به إسرائيل في الأعوام الأخيرة يتعلق بـ”جوهر الحق اليهودي” في فلسطين، من ناحية كونه المبرّر الأساس لشرعية إقامتها.

وينبغي القول إن الدافع المباشر لهذا المسار، ناهيك عن مواجهة الرواية التاريخية العربية والفلسطينية، كان في حينه إحدى الفقرات الواردة في الخطاب الذي ألقاه أوباما في جامعة القاهرة، يوم 4 حزيران 2009، في مستهل ولايته الرئاسية الأولى، والتي انطوت على تلميح صريح بأن قيام إسرائيل لا يعدو كونه أحد استحقاقات “العذابات اليهودية”، التي بلغت ذروتها في المحرقة النازية”.

وجاء في تلك الفقرة حرفياً ما يلي: “لقد تعرّض اليهود على مرّ القرون للاضطهاد، وتفاقمت أحوال معاداة السامية في وقوع المحرقة التي لم يسبق لها أي مثيل عبر التاريخ، وإنني سوف أقوم غدا بزيارة معسكر بوخينفالد (في ألمانيا)، الذي كان جزءاً من شبكة معسكرات الموت التي استخدمت لاسترقاق وتعذيب وقتل اليهود رمياً بالأسلحة النارية وتسميماً بالغازات.

دور المحرقة النازية

ويقول التقرير إنه سرعان ما انعكس ذلك في الخطاب الذي ألقاه رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في جامعة بار إيلان، في يوم 14 حزيران 2009، والذي اعتبر بأنه، في الحدّ الأقصى، بمثابة ردّ على خطاب أوباما السالف.

ولدى العودة إلى ما قاله نتنياهو في هذا الخطاب نطالع ما يلي: “إن حق الشعب اليهودي في أن تكون له دولة في أرض إسرائيل (فلسطين) لا ينبع من سلسلة الويلات التي ابتُلي بها. صحيح أن اليهود تعرضوا خلال ألفي عام إلى معاناة فظيعة تتمثل بعمليات الترحيل والمذابح والافتراءات والقتل مما بلغ ذروته في المحرقة النازية التي لم يكن لها مثيل أو نظير في تاريخ الأمم والشعوب. وهناك من يقول إنه لولا وقوع المحرقة لما كانت دولة إسرائيل ستقوم، لكنني أقول إنه لو قامت دولة إسرائيل في موعدها لما كانت المحرقة ستقع أصلاً… “.

لكن الجدل، في هذا الشأن، لم يتوقف عند ما قاله نتنياهو فحسب، بل ارتفعت أيضاً أصوات أخرى تنحي باللائمة على الحكومة الإسرائيلية، وتتهمها بالقصور في إقنـاع الإدارة الأمريكية الأوبامية بأن حق إسرائيل في الوجود مُستمد أساساً، بل وحصرياً، من حق اليهود التاريخي في فلسطين، باعتبارها وطنهم القومي الأصلي.

وقد بلغ الأمر بأحد القادة التاريخيين في حزب الليكود، وهو وزير الأمن السابق موشيه آرنس، أن عزا جوهر “الخلافات الأخيرة” بين إسرائيل والولايات المتحدة إلى عدم فهم أصحاب القرار في “البيت الأبيض” مركزية هذا الحق في مبادئ الصهيونية ومبررات إقامة إسرائيل، ونزوع هؤلاء إلى الاعتقاد بأن المحرقة النازية كانت العامل المركزي وراء إقامتها.

وتحت عنوان “إسرائيل لم تولد من المحرقة” أشار إيلي إيال، رئيس تحرير المجلة الفكرية الصهيونية الفصلية “كيفونيم حداشيم” (“اتجاهات جديدة”)، إلى أن أقوال أوباما السالفة قيلت بحُسن نية، لكنه شدّد على أن الاستنتاج التاريخي منها كان خطأ.

خطاب القاهرة

وفي مقال للباحث في “معهد دراسات الأمن القومي” في جامعة تل أبيب مارك هيلر تضمن تقويماً مرحلياً لأول نصف من ولاية الرئيس أوباما الأولى، أكد أن اللهجة الخطابية التي سعى هذا الأخير من خلالها لتأكيد تطلعه إلى رسم “بداية جديدة” في علاقات الولايات المتحدة مع العالم الإسلامي عبرت عن وعي عال إزاء عواطف وحساسيات مضيفيه (أي العرب)، لكن في مقابل وعي قليل إزاء عواطف إسرائيل وحساسياتها.

وعلى سبيل المثال- أضاف الباحث- فقد أعاد خطاب أوباما في جامعة القاهرة تأكيد التزام الولايات المتحدة إزاء إسرائيل، كإقرار مشروع بمعاناة اليهود على مرّ التاريخ. ولكن مهما تكن نوايا هذه الرسالة حسنة، فإنها اعتبرت في نظر كثيرين تعبيراً عن جهل فيما يتعلق بالرابطة التاريخية للشعب اليهودي بأرض إسرائيل، وخاصة بشأن مركزية القدس في الهوية اليهودية. بل واعتبرت هذه الرسالة إقراراً بادعاء العرب القائل إن الفلسطينيين اضطروا إلى دفع ثمن جرائم الأوروبيين بحق أبناء الشعب اليهودي.

تنياهو وترامب- تناغم قد ينتهي إلى مصير بائس أمام القضاء

وبسياق متصل قال تقرير آخر لـ “مدار” إن الأعوام الأربعة الأخيرة تشكل أطول فترة حكم لرئيس أمريكي من الحزب الجمهوري يكون مقابله في إسرائيل رئيس حكومة يميني من حزب الليكود. منوها إلى أنه منذ انطلاق عملية السلام عام 1991، إذا اعتبرناها نقطة انطلاق تاريخية، انتخب في الولايات المتحدة رئيسان ديمقراطيان هما بيل كلينتون 1992 -2000، وباراك أوباما 2008-2016، ورئيسان جمهوريان هما جورج دبليو بوش 2000-2008، ودونالد ترامب 2016-2020. بالمقابل تولى عدة رؤساء حكومة في إسرائيل ثماني حكومات (من الحكومة الخامسة والعشرين حتى الحكومة الثانية والثلاثين الحالية).

وبرأي “مدار” أدى التوافق الكبير بين ترامب و نتنياهو إلى إقدام إدارة ترامب على سلسلة من الخطوات التي اعتبرت تاريخية ومصيرية لصالح إسرائيل، بدءا من انسحاب الولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب من الاتفاق النووي الدولي مع إيران، وهو الملف الذي دفع العلاقات الأمريكية/ أوباما- الإسرائيلية/ نتنياهو إلى ذروة التوتر، وإلى انحياز الحزب الجمهوري لنتنياهو في مواجهة أوباما، وصولا إلى دعوة الجمهوريين  لمهاجمة الرئيس الديمقراطي من على منصة الكونغرس الأمريكي. منوها إلى أن أوباما من ناحيته رد الصاع لنتنياهو بامتناع الولايات المتحدة عن استخدام الفيتو ضد قرار مجلس الأمن 2334 الذي يؤكد أن المستوطنات الإسرائيلية المقامة في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، غير شرعية بموجب القانون الدولي، وطالب بوقف جميع الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وأكد أنه لن يعترف بأي تغييرات على حدود ما قبل 1967، بما فيها ما يتعلق بالقدس، باستثناء ما يتفق عليه الطرفان.

وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، اتخذت إدارة ترامب خطوات غير مسبوقة بدءا من الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، ثم نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وإطلاق “صفقة القرن” التي أكد نتنياهو نفسه أن بند ضم مناطق في الضفة أضيف إليها بطلب منه، كما أغلقت الولايات المتحدة مكتب التمثيل التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وأوقفت الدعم الأمريكي للسلطة الفلسطينية وأقدمت على الانسحاب من منظمات ووكالات أممية بسبب انضمام دولة فلسطين لها، وصولا إلى وقف التمويل لهذه المنظمات بما فيها “أونروا.

وشهد العام الحالي التوصل إلى اتفاقات التطبيع بين الإمارات والبحرين والسودان مع إسرائيل برعاية أميركية أحيانا، وضغوط أحيانا أخرى. لكن يبدو أن التناغم بين ترامب ونتنياهو طبقا لـ”مدار”  لن يكون فقط على المستوى السياسي، ولكن أيضا في التمسك بشدة بالحكم ليس فقط حبا في المنصب بل هروبا كذلك من المحاكمة في قضايا فساد مالية، تحولت إلى واقع بالنسبة لنتنياهو بتوجيه لائحة اتهام له تضم ثلاث تهم في ثلاث قضايا، أما بالنسبة لترامب فيتوقع أن يواجه عدة قضايا أمام المحاكم الأميركية متعلقة بتهرب ضريبي واعتداءات جنسية واحتيال.

2021 – كابوس قضائي لنتنياهو وترامب

مرجحا أن يجد نتنياهو وترامب نفسيهما في مواجهة القضاء فعليا العام المقبل، فمحاكمة نتنياهو انطلقت عمليا قبل عدة شهور، بعقد جلسة الاستماع الأولى في شهر أيار الماضي.

ويتابع “وقد لا يكون من قبيل الصدفة تأجيل البدء العملي بمحاكمة نتنياهو عبر جلسة عرض الأدلة، من كانون الثاني المقبل إلى شهر شباط، الذي يكون فيه ترامب قد فقد الحصانة القضائية، ربما لتتزامن الإجراءات القضائية بحقهما وكي تتحول حالة التناغم السياسي بينهما في الأعوام الأربعة الماضية والتي غيرت معالم العلاقات في الشرق الأوسط وربما في العالم أيضا، إلى تشابه في مصير بائس أمام القضاء”.