"انتصار" بطعم كورونا.. صحيفة اسرائيلية: "فتح" وعودة التنسيق… تكتيك للبقاء أم خداع للنفس والشعب؟

الخميس 19 نوفمبر 2020 07:56 م / بتوقيت القدس +2GMT
"انتصار" بطعم كورونا.. صحيفة اسرائيلية: "فتح" وعودة التنسيق… تكتيك للبقاء أم خداع للنفس والشعب؟



القدس المحتلة / سما /

هآرتس - بقلم: عميرة هاس   "في مساء يوم الثلاثاء الماضي، بعد فترة قصيرة على إعلان السلطة الأول استئناف التنسيق الأمني مع الجيش الإسرائيلي والشاباك، كتب عضو غير منضبط من “فتح” في حسابه على “فيسبوك”: “أخشى من أن يعلنوا بأن استئناف التنسيق هو انتصار على الاحتلال، وأن يحولوا هذا اليوم إلى عيد وطني”. كان كتب ذلك بصورة ساخرة، لكنه أظهر بأنه يعرف قيادته بشكل جيد. وبعد بضع ساعات على ذلك، ظهر في التلفاز المحلي حسين الشيخ، وزير الشؤون المدنية، والشخصية الرفيعة في “فتح”، وأعلن عن استئناف التنسيق، وقال إن “هذا انتصار استثنائي لصمود الشعب وعظمة رئيس الشعب، محمود عباس”. هذه هي المرة الأولى في فترة حكومة نتنياهو، قال الشيخ، التي يقوم فيها مصدر إسرائيلي (منسق أعمال الحكومة في المناطق كميل أبو ركن) بالتعهد وبتوقيعه بأن إسرائيل تلتزم بالاتفاقات.

سارع الفلسطينيون عبر الشبكات الاجتماعية إلى صنع الحلوى والسخرية من هذا الانتصار. “ربما أكون قد أصبت بكورونا وأصبحت غير قادر على تذوق هذا الانتصار؟”، تساءل شخص ما وحصل على ردود ذكية أخرى. في صفحة في “فيسبوك” باسم “هذا ليس واقعنا” تم نشر فيديو قصير لأغنية ترتكز على لحن شعبي لمطرب بدوي من مخيم النصيرات للاجئين، الذي تحول مؤخراً إلى مطرب مشهور جداً في الحملة الانتخابية في الأردن. هذا الفيديو الذي هو من كلماته مقدم كـ “هدية لقيادة السلطة الفلسطينية في يوم انتصارها الكبير في إعادة التنسيق الأمني”. يستخدم الفيديو كاستعارة لقطات من آب 2018 لفلسطيني أجبر على تغيير إطار مثقوب لسيارة عسكرية كانت عالقة غربي رام الله، حيث لم ينجح جنود السيارة في فعل ذلك بأنفسهم. وكان المشته بهم أجهزة الأمن الفلسطينية التي تخدم المحتل الإسرائيلي. تم تقديم الفيديو هدية “للذكرى الثانية لعملية تغيير الإطار”.

لقد كان متوقعاً تماماً أن يأمر عباس باستئناف التنسيق الأمني في هذه المرحلة أو تلك. المناكفات المتسلسلة مع إسرائيل وأجهزتها الأمنية والقمعية – ومن ثم استئناف العلاقات العلنية معها – هي تكتيك آخر للبقاء أو للحفاظ على صورة قيادة وطنية ذات رؤيا. ومثل الأحاديث المتسلسلة عن انتخابات ومصالحة مع حماس، هي تخلق خطاباً مصطنعاً ومضللاً للتغيير والتجدد والتقدم والصمود. هذا الخطاب يحاول طمس تجذر واقع الجيوب الفلسطينية المنفصلة الحالية وغياب استراتيجية لها من أجل تغييرها.

 المناكفات والثمن الباهظ الذي يطلب من الجمهور الفلسطيني دفعه، ومن ثم “السلام” الذي يخفف على الجمهور قليلاً، تخلق عرضاً مزيفاً لنشاط القيادة الفلسطينية. ولكن هذه هي دورات يائسة لدواليب تراوح في المكان، حتى في فترة الاحتلال المباشر قبل وجود السلطة. والاقتصاد الفلسطيني وقدرة سكان المناطق على كسب الرزق كان يخضع لإملاءات وسياسة إسرائيل. الآن، ولكي يواصل الاقتصاد القدرة على كسب الرزق والسير في خط الحد الأدنى فإن السلطة الفلسطينية ملزمة بأن تدفع لإسرائيل بعملة التنسيق الأمني المكروه.

 المشكلة الآن ليست في استئناف التنسيق الأمني أو استئناف التنسيق المدني الذي يسمح بدفع الرواتب كاملة وفي وقتها، بل المشكلة هي في الكذب الصارخ عن “انتصار” يحاول كبار قادة “فتح” بيعه للجمهور. الكذب استخفاف بالعقل السليم واستهزاء بالجمهور. وتعهد أبو ركن كتب كرد على رسالة حسين الشيخ الموقعة في 7 تشرين الأول، مثلما أشار هو نفسه إلى ذلك. الموقع الإخباري الفلسطيني في غزة “سما” نشر الرسالة التي كتب فيها: “إسرائيل سبق وأعلنت في الماضي أن الاتفاقات الثنائية الإسرائيلية – الفلسطينية تواصل كونها الإطار القانوني الذي يوجه الطرفين في الشؤون المالية والشؤون الأخرى. لذلك، تواصل إسرائيل -حسب هذه الاتفاقات- جباية الضرائب لصالح السلطة الفلسطينية. وللأسف الشديد، السلطة الفلسطينية هي التي قررت عدم تسلم أموال الضرائب التي جبتها إسرائيل”.

 ربما يكون التطرق للأموال التي لم يتم تحويلها مكرّساً لوسيطة السلام الحالي، دولة النرويج، مهد اتفاق أوسلو، التي وبصفتها ممثلة الدول المانحة، قلقة من وضع اقتصادي متدهور للفلسطينيين. ولكن بعد 25 سنة، هل يمكن لعباس والشيخ مباركة الاتفاقات التي يعتبرها أبو ركن “إطاراً قانونياً”؟

 صباح أول أمس، قبل الإعلان عن استئناف التنسيق الأمني، كان موظفو الإدارة المدنية (التابعة لمكتب منسق أعمال الحكومة في المناطق) نشيطين جداً في شمال غور الأردن، حيث قاموا بهدم كوخ للاستخدام الزراعي في قرية خربة عاطوف؛ وواصلوا إلى قرية فروش بيت دجن وهدموا بركة ماء زراعية، ومن هناك إلى خربة أم الجمال، حيث فككوا خيمة من الخشب أقامها نشطاء اجتماعيون، وفي نهاية المطاف وصلوا إلى قرية الفارسية، وهدموا وصادروا هناك “كرفاناً” تعيش فيه عائلة مكونة من ثلاثة أشخاص، وهدموا مبنى للخدمات ودمروا صهريجاً للمياه.

إن نشاطات الهدم والمصادرة هذه في غور الأردن تحولت إلى حدث يومي، واستهدفت منع الفلسطينيين من مواصلة العيش فيها، والسماح بتوسيع المستوطنات عليها. وحسب منسق أعمال الحكومة في المناطق، فإن هذه النشاطات هي قانونية وطبقاً للاتفاقيات. وحسب تفسير المنسق اليميني لهذه الاتفاقات، فإن مناطق “ج” هي أراض إسرائيلية.

 الاتفاقات، التي يباركها الشيخ، هي مادة في أيدي إسرائيل. وهي كدولة عظمى عسكرياً واقتصادياً تستخدمها كإطار قانوني لإملاء اتفاق استسلام على الفلسطينيين. ليس مخجلاً أن تكون العنصر الضعيف والمخدوع، لكن من المخجل أكثر ومن الخطأ السياسي خداع شعبك ونفسك.