هآرتس - بقلم: كارولينا ليندسمان "ثمة أمور يمكن لليمين القيام بها. قد يعيد أراضي ويخلي مستوطنات مقابل سلام، ويبقى على قيد الحياة وفي السلطة. ويمكنه التوقيع على اتفاقات تطبيع مقابل بيع سلاح متطور للعرب دون أن يعتبر خائناً. “لا تعطوهم بنادق”، صرخوا في وجه رابين وحكومته حينذاك. اتضح الآن أن كل هذا كان سوء فهم كبيراً. هم ببساطة كانوا ينوون القول “اعطوهم طائرات إف 35”.
وفي كل ما يتعلق بالتعاون السياسي مع العرب في الحكومة، اليمين فقط هو من يستطيع. رئيس الحكومة بنيامين صاحب مقولة (“العرب يتدفقون بجموعهم نحو صناديق الاقتراع”) يوظف مؤخراً جهود كبيرة ليقرب إليه “راعم” ومن يترأسها عضو الكنيست منصور عباس. واليمين الذي يعتقد أن تشكيل حكومة يسار ضيقة تستند إلى العرب يعتبر عملاص يوازي خيانة الدولة، يملأ فمه بالماء. وما يعتبر في نظره “أمراً لن يمر حتى على جثتي” عندما يتعلق الأمر باليسار، مسموح به بل ومرغوب فيه عندما يدور الحديث عن اليمين.
يتعرض عباس للانتقاد من زملائه في القائمة وفي المعسكر الذين يعتقدون أن التعاون مع نتنياهو غير شرعي بسبب التحريض والعنصرية والاحتلال والرشوة. عباس ينفي نيته بيع زملائه في القائمة، أو خدمة نتنياهو في محاولته الهرب من القانون. “أريد أن أكون جزءاً من اللعبة السياسية ولست ملزماً بأن أكون في جيب أحد”، قال عباس.
ليس هذا هو التعاون الأول لليمين مع العرب، فالأحزاب العربية صوتت مع اليمين على حل الكنيست وأيدت تعيين متنياهو انغلمان مراقباً للدولة. التعاون ليس عفوياً بل استراتيجي. لقد نشر نتان ايشل في السنة الماضية مقالين يحملان الرسالة نفسها: على اليمين أن يعرض على العرب تحالفاً سياسياً. نتنياهو يعرف أن التهديد الأكبر لحكم اليمين هو أصوات العرب. لهذا فإن استراتيجيته ستتركز في تحويلها إلى أصوات غير شرعية ومنع خلق تحالف يضمه. معسكر اليسار، في ضعفه، سقط في الفخ وخاف من التعاون مع العرب، حتى عندما كان هؤلاء على استعداد لدعم سياسي، رئيس أركان “الجرف الصادم” بني غانتس الذي افتتح حملته الانتخابية بفيلم دعائي عن يوم الجمعة الأسود.
كما رأينا، من يخاف لا ينتصر. من السهل التماهي مع الانتقاد الموجه لعباس من زملائه من القائمة، ولكن عندما يكون المنتقدون هم الذين لم يتجرأوا على التعاون مع العرب في ساعة الاختبار أو فضلوا حزب يئير غولان على عيساوي فريج أو مارسوا العنصرية على الزعبيين، فهذا سيصبح مشكلة.
إلى جانب هذا، علينا أن لا ننسى بأن لا أحد يعرف مسبقاً كيف تتطور الأمور. خذوا مثلاً اليمين الإسرائيلي والإفنغلستيين، الذين كل واحد منهم على قناعة بأن الآخر هو حمار مسيحه. من هو الحمار الحقيقي؟ فقط الله يعرف. أو محاولة ليبرمان المس بالتمثيل السياسي للعرب عن طريق رفع نسبة الحسم التي تبين أنها المحفز السياسي الأهم لديهم. افيشاي بن حاييم مقتنع بأن إسرائيل الثانية استخدمت نتنياهو أكثر مما استخدم نتنياهو إسرائيل الثانية. وفي الواقع، ليس بالإمكان أن نختلف على أن نتنياهو حتى ولو كعملية مساومة على النضال الشرقي، أعطاهم قوة سياسية وفتح أمامهم أبواباً مغلقة. ما يبدأ كتعاون متهكم قد يتطور إلى اتجاهات غير متوقعة ويعطي شرعية للتمثيل السياسي العربي في نهاية المطاف.
ليس لدي شك بأن نتنياهو جاء ليشتم لا ليصلح. ولكن ربما يخطط التاريخ لخداعه مرة أخرى وسيخرج مباركاً على صوت تحطم سقف الزجاج للتمثيل العربي في الحكومة.