عن الحال السوري وسكونه ..صادق الشافعي

السبت 07 نوفمبر 2020 12:03 م / بتوقيت القدس +2GMT



وكأن الحال السوري لا يتحرك إلا على مستوى حياة الناس والصعوبات المعيشية التي تواجهها في تسارع ملحوظ، حتى وصلت في تسارعها الى أزمة في رغيف الخبز.
وعبرت الأزمة المذكورة عن نفسها في رفع تسعيرة ربطة رغيف الخبز، وفي صورة الطوابير الطويلة على أبواب الأفران للحصول على الخبز المطلوب للعائلة والأولاد.
سبّب أزمة الخبز: أزمة سبقتها في القمح والطحين، وأخرى في وقود الأفران.
لقد سبقت أزمة الخبز أزمات من اكثر من لون ونوع: من تدهور سعر العملة، الى النفط ومشتقاته بالذات تلك المتعلقة مباشرة بحياة الناس من التدفئة الى وسائل المواصلات المختلفة الى المصانع، الى اللاجئين عن بلداتهم ومناطقهم داخل ارض الوطن وملايين اللاجئين خارجها الى.. الى..
وجاء قانون قيصر الذي قادت فرضه الولايات المتحدة الأميركية، مؤخرا، على سورية بكل تفاصيله وعمقه واتساع وتنوع الدائرة التي يشملها بأذاه، جاء ليزيد تعميق الأزمة.
سبب الأزمات لم يكن، ولا هو، الآن، قصور في قدرات وإمكانيات سورية.
فقد ظلت سورية عبر تاريخها مكتفية بذاتها ومعتمدة على مواردها بما يؤمن لها الاكتفاء الذاتي ولأهلها احتياجاتهم المعيشية، ومعها كرامتهم الوطنية.
وظلت عبر السنين واحدة من دول قليلة لا تكتّفها ولا تثقل كاهلها الديون الخارجية، وظلت قادرة على استمرار التخطيط والتنمية والتطوير بما تسمح به إمكاناتها.
أزمة الخبز والوقود والأزمات الأخرى وما ترميه من ثقل على كاهل المواطن وضنك معيشته هي مظهر الحركة الوحيد تقريبا في الأزمة السورية العامة.
فبعد أكثر من 9 سنوات على بداية الأزمة، يمكن القول، ان هناك غيابا شبه تام لأي تحرك او مشروع جاد مناطقي إقليمي او دولي لحل الأزمة السورية.
التحرك الباقي الوحيد تحت المظلة الدولية هو اللجنة الدستورية. وهذه تعيش حالا من السبات واللافعل واللاتقدم وحتى عدم الاجتماع لدرجة تقربها كثيرا من النسيان.
ولا فائدة تذكر في جدل البحث عن الجهة المسؤولة عن هذا الحال.
حال السكون وعدم الحركة يتسع لتشمل «بركاته» اكثر من عنوان آخر:
- «بركة» السكون الطويل لمسار «آستانة» واتفاقاته وحلوله. وحتى لو بقيت تلك الحلول في حدود المسكنات فإنها تبقى أفضل من سكون الغياب كما هو حاصل.
- «بركة» استمرار التوتر مع تركيا واستمرار حضورها العسكري (والإداري أحيانا) الاحتلالي التوسعي في أكثر من موقع. ولا يقلل من التوتر، اضطرار تركيا الى سحب قواتها من بعض المواقع لحسابات معينة.
- «بركة» الأحاديث المتواترة عن خلافات بين سورية وروسيا حول معالجة بعض العناوين حتى لو ظلت توصف بالثانوية.
- ثم هناك «بركة»، التوتر الذي تشهده، بين فترة وأخرى، بعض المناطق التي تنضوي تحت مظلة النظام السوري القائم.
- وهناك «بركة» استمرار الوجود العسكري الأميركي وسيطرته على مناطق منتجة للنفط، وزيادة تعزيزاته العسكرية. واستمرار دعمه للقوى الانفصالية الكردية وتشكيلاتها المسلحة المستمرة في سيطرتها على مساحات من الشمال السوري وفرض إدارتها عليها.
ودون ان يرافق ذلك أي افق وحركة باتجاه ترسيم العلاقة مع النظام على أساس وحدة الدولة السورية ووحدة نظام الحكم فيها، وبغض النظر عن أي تعديلات يتم الاتفاق عليها حول طبيعة النظام وقواعد العلاقة بين مكوناته.
- حتى المعارضة السورية أصابها سكون الغياب، فلم تعد تملأ الدنيا ضجيجا بهيئاتها وجيشها الحر واجتماعاتها ورموزها وشخصياتها وبياناتها. وتقلص حضورها في دور رمزي ضعيف في اللجنة الدستورية التي تعيش حالة سبات كما تقدم.
وهذا ما يؤكد حقيقة ان البعد الداخلي «للأزمة» السورية، وبالذات لجهة تمثيل هذا البعد من قبل هيئات وقوى مجتمعية معترف بها تفرض حضورها ودورها، قد توارى كثيرا إن لم نقل اختفى لصالح البعد الخارجي الإقليمي منه والدولي الذي يبقى بمشاريعه وطموحاته، الإقليمية أيضا والدولية، هو المظهر الرئيسي للأزمة، وتبقى سورية ساحة لصراعاته.
- وتبقى اهم «بركات» حال السكون المذكور، «بركة» السكون المطلق والغياب التام للدور العربي، الفردي او الجماعي وبأي شكل او مجال من المجالات الحياتية او السياسية او الاقتصادية او المجتمعية او... او...
وهو ما يشكل واحدا من التعبيرات المؤسفة عن غياب النظام العربي بشكل عام.
إسرائيل، تستثمر هذا الحال السوري من وضع المرتاح في التعدي على سورية سواء عسكريا أو بأي شكل آخر متى اقتضت مصالحها وضروراتها ذلك.
وإذا كان إعلان الاعتراف الأميركي بضمها للجولان قد أصبح بالنسبة لها حقيقة متقادمة، فإن القرار الأميركي الأخير برفع الحظر عن التعامل مع مستوطنات الجولان - كما مع مستوطنات الضفة الغربية - من مدخل التعاون العلمي.
هذا القرار جاء ليؤكد اعتبار أميركا لهذه المستوطنات أراضي غير محتلة. ولا يهم بعد ذلك ان يكون هذا القرار متعاكسا تماما مع رؤية المجتمع الدولي وهيئاته وقراراته وكلها تؤكد كونها أرضا محتلة وتمنع أي تعامل معها إلا بهذه الصفة.
الى متى يستمر هذا الحال ومعه عذابات المواطن السوري.