بخلاف التيار السائد في الشارع والإعلام المحلي استهجن بعض المراقبين الإسرائيليين انحياز نصف أصحاب حق الاقتراع الأمريكيين لدونالد ترامب رغم كونه مهرجا وكاذبا ومتحرشا ومستخفا بكورونا. وبالتزامن قالت رئيسة فرع الحزب الديموقراطي في إسرائيل إن بايدن صهيوني وسيعزز “الإنجازات مع الخليج”.
وأعلنت رئيسة فرع الحزب الديمقراطي في إسرائيل هدار ستون أن “جو بايدن صديق حقيقي لإسرائيل وسيساعد في إبقاء رؤية حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهو صهيوني منذ نشأته في البيت”. يشار إلى أن عدد مزدوجي الجنسية (الأمريكية والإسرائيلية) المقيمين في إسرائيل يقدر بنحو 300 ألف، ينقسمون بين دونالد ترامب الجمهوري، وجو بايدن الديمقراطي.
وقالت ستون: “لا داعي للقلق”، منوهة إلى أن جو بايدن “هو صديق حقيقي لإسرائيل، إنه صهيوني من نشأته مع مقولة مفادها أنه إذا لم تكن إسرائيل موجودة لكان يجب إيجادها”. وتعتقد ستون أن بايدن ليس الصديق الوحيد فقط إنما بيئته ستكون كذلك في إشارة إلى قرب بيرني ساندرز من بايدن.
وأشارت ستون إلى أن بايدن كان من بين المرحبين باتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والإمارات والبحرين وبالتالي من المتوقع أن يستمر على نفس الخط السياسي الذي بدأه ترامب في الشرق الأوسط. وأضافت: “نأمل أن تتوسع هذه الاتفاقيات وتكون هناك فرصة للاستفادة منها لصالح إسرائيل وجيرانها”.
الاحتلال لا يهمه من يجلس في البيت الأبيض
وبعيدا عن السرب الصهيوني المركزي يؤكد المعلق غدعون ليفي في “هآرتس” أن الاحتلال لا يهمه من سينتخب في نهاية الأمر رئيسا للولايات المتحدة، دونالد ترامب أو جو بايدن، كلاهما نفس الشيء، معتبرا أن الاحتلال فاز فوزا كبيرا، حتى قبل أن تغلق صناديق الاقتراع، ويعلل ذلك بالقول: “هذا وضع غير معقول حتى بين رجلين متناقضين جدا مثل ترامب وبايدن، يسود هنالك اتفاق راسخ، يقف فوق كل اختلاف في الآراء: استمرار التأييد الأمريكي للاحتلال الإسرائيلي. يبدو أنه لا يوجد موضوع آخر يتفق عليه الاثنان بهذا القدر. لهذا ليس مهما من منهما سينتخب. صحيح أن ترامب هو صديق المستوطنين ويعترف باحتلال الجولان ولكن بايدن لن يفعل شيئا يؤدي إلى إخلائهم أو على الأقل إلى تجميد مشروعهم. صحيح أن ترامب يحتقر الضعفاء، ومن بينهم أضعف الضعفاء الفلسطينيون. حقوق الإنسان هي آخر المواضيع التي تهمه، القانون الدولي لم يطرح في يوم من الأيام على مكتبه. بايدن يعرف أمرا أو اثنين عن حقوق الإنسان وعن الضعفاء المضطهدين والمقموعين، العبودية يتردد صداها لديه، وربما أيضا أن معاناة الشعب الفلسطيني تمس قلبه بتأثير رئيسه باراك أوباما، الذي قارنها بالعبودية السوداء”.
كما يؤكد ليفي أنه لدى بايدن أيضا سيختفي الفريدمانيون والكوشناريون وسيأتي بدلا منهم فريدمانيون أكثر اعتدالا وجدية، ومع ذلك فإن بايدن لن يفعل شيئا من أجل إنقاذ الفلسطينيين والعدالة وتطبيق القانون الدولي ولن يدخل يده إلى النار، باستثناء دفع ضريبة كلامية جوفاء، ويتابع: “هكذا فعل أيضا الرئيس الأكبر منه أوباما. بايدن سيقود مجموعة مختلفة من المحيطين به، أقل ازدراء للفلسطينيين وأكثر اعترافا بوجودهم. وعندما سيطلق خطته للسلام -خطة القرن، بعد مئة خطة سلام أمريكية لم يتم تطبيقها- سيشارك في الاحتفال ليس فقط حاخامات أرثوذوكسيون وقساوسة أفنجلستيون مثلما لدى ترامب، بل أيضا فلسطينيون. ولكن ما سيتبعه لن يكون مختلفا جدا: فرص لالتقاط الصور، مبعوث خاص، وفي أحسن الأحوال ربما يكون هنالك مؤتمر، رؤساء ورياح ولكن لن يهطل المطر. الفلسطينيون سيواصلون نزف دمائهم على جانب الطريق، الجزمة الإسرائيلية تجثم على رقابهم وتخنقهم، والأصفاد تقيد أيديهم، في حين أن عُمان سيتم ضمها أيضا لـ”عملية السلام”.
ويقول المعلق الإسرائيلي حول تجدد “الأوهام الفلسطينية” مع انتخاب بايدن المحتمل: “حتى الآن لم يأتِ رئيس فكر بأن يضع له حدا، ربما حتى لم يولد بعد مثل هذا الرئيس. لا تكفي كل الادعاءات المنطقية من أجل تفسير هذه الظاهرة، كل خرائط المصالح، الداخلية الأمريكية والدولية، غير مقنعة بما فيه الكفاية لأن تشرح أنه في موضوع واضح جدا وحاسم تماما –وهو انعدام شرعية الاحتلال وغياب أحقيته، والسير الحثيث باتجاه تشكيل دولة أبرتهايد ومعاناة الشعب الفلسطيني، والذي الملايين من أبنائه هم الوحيدون على الكرة الأرضية ليسوا مواطنين لأي دولة، في هذا الموضوع ليس هنالك أي فرق بين إدارة وأخرى، عشرة رؤساء و53 عاما: والاحتلال في أوج قوته، واحتمالية إنهائه هي أقل من أي وقت مضى، فليكن بايدن أو ترامب”.
أيادي أمريكا أيضا ملطخة بدماء الفلسطينيين
ويرى أن الولايات المتحدة الدولة العظمى التي تمول وتسلح وتؤيد وتحمي بؤبؤ عينها إسرائيل، وتغطي على جرائمها ولا تنوي استغلال قوتها من أجل محاولة التأثير عليها والعمل على إلغاء الاحتلال، ويقول إنها أيضا لم تنوِ في يوم من الأيام فعل ذلك. ومن ضمن استنتاجاته يقول: “ليس هذا لأن أمريكا ملزمة بفعل ذلك؛ إسرائيل هي التي تتحمل بالأساس الذنب والمسؤولية، ولكن عندما تواصل دولة عظمى تأييدها بصور أوتوماتيكية وبدون أي اشتراطات للدولة المسؤولة عن ذلك، إدارة بعد أخرى، ولم يهب رئيس واحد يسأل لماذا وإلى متى- عندها تكون هي أيضا ملطخة ومذنبة في ذلك”. ويخلص للقول: “اليمين الإسرائيلي يمكنه أن يزيل القلق من قلبه: عن طاولة من سيدخل في كانون الثاني إلى الغرفة البيضاوية سيختفي موضوع مصيري واحد”.
قطيع المصوتين.. نصف أمريكا
ويذكر زميله المعلق البارز في صحيفة “يديعوت أحرونوت” سيفر بلوتسكر بالحقيقة بأن “ترامب فاز بدعم نصف الأمريكيين” ويقول إن “المهزوم بات واضحا: العلم هُزم. قوة العقل هُزمت والكذب أثبت بأن قوته عظيمة”. ويضيف: “حتى لو أُعلن هذا الصباح المرشح الديمقراطي نائب الرئيس السابق جو بايدن، كالرئيس التالي للولايات المتحدة، فإن الانتصار طفيف جدا، الاستطلاعات لم تتوقع سباقا على هذا القدر من التلاصق. كيفما حللنا نتائج التصويت، فبالصلة بوباء كورونا تبين بأن نحو 50 في المئة من ناخبي أمريكا، يفضلون الثقة بطبيب الصنم وناشر الأكاذيب الدائم دونالد ترامب وليس بأسرة العلوم والطب. يفضلون أن يطير عقلهم بإعلانات عديمة أي ذرة من أساس علمي على نمط “كورونا اختفى” و”الفيروس الصيني دمر” إلخ”.
وينوه أن “هذا يحصل في دولة توجد لها المراكز الطبية الأكثر تقدما في العالم وكليات الطب المتميزة في العالم والجامعات الرائدة في العالم ونسبة أصحاب التعليم العالي الأعلى في العالم. وفي دولة أعطت للإنسانية لينكولين وأديسون وغيتس واجترفت جوائز نوبل أكثر من كل باقي العالم معا. والآن ترامب”. ويعترف بلوتسكر أن ليس لديه تفسير منطقي لهذه الظاهرة المقلقة والمخيبة. ويتابع: “ترامب بجهله يتفوق على الجميع، من بوتين الروسي وحتى نتنياهو الإسرائيلي، وبحجوم كبيرة. بلا رتوش يحتقر النساء، الأقليات، المحتجين، العاطلين عن العمل، قادة الجيش والاستخبارات، عباقرة التكنولوجيا العليا، ومؤخرا على نحو خاص رجال العلم والأدب”. ويدحض بلوتسكر مزاعم تقول إن مصوتي ترامب تجاهلوا حماقاته بسبب نجاحاته الاقتصادية ويدلل بالأرقام على تراجع الاقتصاد الأمريكي في فترة ولايته.
ترك الشرق الأوسط مصابا بجروح أكثر مما وجده
ويتوقف المحلل للشؤون السياسية والعربية في صحيفة “هآرتس” تسفي بارئيل عند “سوقية” توجهات ترامب وقال إن “سنواته الأربع كانت مثيرة للاهتمام وإنه يعرف كيف يقدم عرضا، وكيف يجذب الجمهور في كل العالم، وأن يثير الضحك بصورة مأساوية حتى عندما يتحدث بلغة إنكليزية ركيكة، وأن يثير موجات تسونامي على شبكات التواصل الاجتماعي أكثر من أي زعيم آخر. تصادَقَ ترامب مع الحكام المستبدين، وآمن بأن معهم فقط يمكن عقد صفقات. دخل إلى الشرق الأوسط مع “صفقة” صاخبة عُرفت باسم “صفقة القرن”، وُقعت من جانب واحد، جانب ترامب. في أحلامه، رأى ترامب سلاما شاملا بين إسرائيل والعرب، عشرات مليارات الدولارات تغمر رمال الصحراء وأبراج ترامب تزدهر في غزة، والخليل، وعمان”. وخلص بارئيل للقول: “يجب أن نأمل فقط بأن تكون الفترة المقبلة مملة من دون عروض، ومن دون مهرج يدير العالم”.
استعادة موروث أوباما السياسي
ويرى عدد من المراقبين الإسرائيليين أن فوز بايدن لن يلحق أضرارا فادحة بإسرائيل لكنه يشكل ضربة موجعة لرئيس حكومتها نتنياهو، وتعتبر المحللة السياسية سيما كادمون في مقال نشرته “يديعوت أحرونوت” أن نتنياهو يخشى انتخاب بايدن، وأن تمارس إدارته قيودا وتأثيرا على الإسرائيليين. لكن المؤكد بالنسبة لها أن بايدن لن يقدم هدايا لنتنياهو كما فعل ترامب، وخاصة في الفترات المصيرية بالنسبة له على شاكلة الاعتراف بالقدس وهضبة الجولان قبل انتخابات نيسان/أبريل 2019، “صفقة القرن” قبيل انتخابات آذار/مارس 2020، أو اتفاق التطبيع مع الإمارات الذي قدم لنتنياهو لمساعدته في الخروج من أزمته الداخلية في ظل تهم الفساد وفشله في مواجهة كورونا. لكن كادمون من بين المحللين الذين يتوقعون عودة الولايات المتحدة لموروث أوباما السياسي من ناحية معارضة المستوطنات وتأييد حل الدولتين وكذلك من ناحية العودة للاتفاق مع إيران.
أبو مازن سينزل عن الشجرة
ويتفق معها زميلها محلل الشؤون الحزبية في “هآرتس” يوسي فيرطر الذي يرى بخسارة ترامب خسارة لنتنياهو ويقول إن “معركة انتخابية بوجود ترامب رئيسا كانت ستمنح نتنياهو زيارات أسبوعية في واشنطن لحضور مراسم توقيع مع دول إسلامية أو خليجية أخرى”، وتابع: “في فترة بايدن هذا لن يحدث”. ويستبعد فيرطر وقوع صدام بين نتنياهو وبايدن مثلما وقع مع أوباما لكنه يؤكد أن الحزب الديمقراطي لا ينسى ما قام به نتنياهو واتصالاته مع الكونغرس من خلف إدارة أوباما وسيذكرونه بما كان يرغب بنسيانه، ويتوقع أن “يضطر نتنياهو لاجتياز فترة تأقلم صعبة”.
بسياق متصل يعتقد محلل الشؤون العسكرية في “يديعوت أحرونوت” يوسي يهوشع أن الرئيس عباس سينزل عن الشجرة “وسيتعزز الهدوء في الضفة الغربية” بحال انتخب بايدن.
أما في حال فوز ترامب فمن المتوقع أن يصبح الوضع قريبا قابلا للانفجار خاصة في ظل اقتراب الذكرى السنوية لرحيل الرئيس ياسر عرفات والذكرى السنوية لاغتيال بهاء أبو العطا القائد الحمساوي في غزة.