بعدما كانت إسرائيل حكومة وأفرادا يتمنون ويصلون لـ فوز ترامب، بات هؤلاء أكثر اعتدالا و توازنا في تصريحاتهم ويستذكرون أن جو بادين صديق مخضرم لهم بعدما بدا أن كفته ترجح. حيال السؤال عن تبعات انتخابات الرئاسة الأمريكية على الشرق الأوسط تتفاوت تحليلات عدد من المراقبين والخبراء الإسرائيليين حول عمق التغيير في السياسات الأمريكية تجاه الصراع مع الفلسطينيين ومع إيران.
ويرى رئيس الاستخبارات العسكرية الأسبق والرئيس الحالي لـ معهد دراسات الأمن القومي الجنرال في الاحتياط عاموس يادلين أن المفاوضات مع إيران ستتجدد بكل الأحوال بصرف النظر عن هوية الرئيس الأمريكي المنتخب “.
ويضيف في حديث لـ إذاعة جيش الاحتلال :” هناك مخاوف في إسرائيل بأن يغير بادين توجهاته الاستراتيجية بشكل واسع. هناك 3 قواسم مشتركة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري : كلاهما لا يريدان حربا جديدة بعد عدة حروب مكلفة العراق وأفغانستان لقلة الإنجازات وكثرة الخسائر البشرية ولذا بدأت أمريكا منذ أوباما تنسحب من المنطقة وسيواصل بايدن هذا الانسحاب من المنطقة وهذا ليس بالضرورة سلبيا لـ إسرائيل”.
كما يقول إن الحزبين الأمريكيين لا يريدان نفطا من الشرق الأوسط فلديهم نفط اليوم أكثر من السعودية أما القاسم المشترك الثالث برأيه فهي الرغبة بالسلام في المنطقة كما حصل في فترة أوباما وترامب متسائلا أي سلام يريدون ؟ ويشير إلى القضية الرابعة وهي إيران بالقول إن كافة الرؤساء الأمريكيين لا يريدونها نووية والسؤال لأي مدى يتناقش معهم حول السبيل لتحقيق السلام ومنع إيران من السلاح النووي؟
تغيير عميق ؟
وتابع يادلين ” أتوقع ألا يكون تغيير دراماتيكي فـ بايدن صديق لإسرائيل ومعروف بمواقفه المناصرة لها منذ سنوات ،لافتا إلى أن العلاقات بين الدول تقوم على مصالح والثقة المتبادلة وتابعه” يصعب استنساخ علاقات ترامب ونتنياهو ولكن سجل بادين ليس سيئا معنا وبنهاية المطاف سنشهد تجاذبا مع الحزب الديمقراطي لأن العلاقات تقوم بين الدول على القيم المشتركة أيضا “.
وزعم أنه في الماضي استندت علاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة على قيم مشتركة بشكل واضح كالديمقراطية وسلطة القانون وحقوق الإنسان واليوم هناك زعزعة بهذه القيم في الدولتين ولكن في الديموقراطي يرون أن إسرائيل منحرفة قليلا عن سلم القيم المشترك وسنضطر لتعزيز هذا المشترك بيننا” .
حدود 1967
كما يشير يادلين إلى أهمية السؤال أي علاقة ستكون بين الرئيس وبين مساعديه و من هم المستشارون والموظفون الكبار حول الرئيس كمستشار الأمن القومي ووزير الخارجية. ويتابع ” ترامب كان مهيمنا ويستبدل موظفيه بسرعة وأدار العلاقات مع إسرائيل بشكل مباشر مع نتنياهو “.
وحول توقعاته من وجهة بادين قال ” بشكل عام هناك تياران في الحزب الديمقراطي حيال سؤال إسرائيل : الأول يدعو لاستبدال سياساتنا الماضية بسياسة راديكالية أكثر وفي أفضل الأحوال العودة إلى 2016 إلى النقطة التي تركنا فيها أوباما وهي نقطة ليست لصالح إسرائيل من ناحية الاتفاق مع إيران ومن ناحية القرار الأممي 2334 الذي كرسّ خطوط 1967.
ولكن هناك تيار كبير في الديمقراطي لا يرى بضرورة العودة إلى موروث أوباما لأن العالم تغير ومن المرجح أن يبادر هؤلاء لاستخدام بعض مكتسبات ترامب العسكرية والاقتصادية وغيرها بطريقة مختلفة”.
كما يرى أن قادة الحزب الديمقراطي يرون بضرورة العودة لمفاوضات إيران بقوة أكبر وفي الشأن الفلسطيني يرون بـ ضرورة العودة للمفاوضات وقد تقبل الفلسطينيون التراجع عن خطة ترامب كـ محفز للعودة للمفاوضات التي قاموا بتجميدها قبل سنوات”.
أنا صهيوني
وعلى غرار عاموس يادلين استذكرت القناة الإسرائيلية الرسمية تصريحات بايدين السابقة خاصة عندما قال كـ رئيس لجنة الخارجية في الكونغرس قبل سنوات” أنا صهيوني ولست مضطرا لأن تكون يهوديا كي تكون صهيونيا “.
في المقابل تذكر أيضا أنه كان معارضا للاستيطان وقال كـ نائب رئيس في فترة باراك أوباما : إن السعي للضمّ خطير ورغم إحباطنا من سياسات إسرائيل علينا الدفاع على أمنها “. وفي حديث للقناة المذكورة يرجح عوزي أراد الذي عمل رئيسا لهيئة الأمن القومي في إسرائيل في الفترة 2009-2011 أن يبادر بادين لاستبدال ” صفقة القرن ” بـ خطة جديدة.
أما المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط سابقا دنيس روس فيقول للقناة الإسرائيلية إن كل رئيس أمريكي يحتضن إسرائيل يأتي الذي يخلفه ويمارس سياسة معاكسة كي يميز ذاته عن سواه لكنه يرجح أن يكون بادين مختلفا :” إن منظومة العلاقات العميقة بين بايدن وإسرائيل لن تدفعه لاعتماد هذه المعادلة السطحية التقليدية”.
وبشأن العلاقات مع نتنياهو فقال روس إن هناك علاقات طويلة بين بادين وبين نتنياهو وأنهما عرفا كيف يتفاهما بعد نشوب المشاكل بينهما وكان وسيطا بين نتنياهو وبين أوباما “. أما القنصل الإسرائيلي الأسبق في نيويورك ألون بينكاس فيرى أن بايدن بناء على الماضي هو صديق كبير لـ إسرائيل وقد دعمها علانية سياسا وعسكريا وهو من كبار أصدقائها”.
تداعيات كبيرة على إسرائيل
في المقابل وبشكل مختلف نسبيا عن مراقبين محليين آخرين يرى مايكل أورون، سفير إسرائيلي سابق في واشنطن أن هناك تداعيات كبيرة للانتخابات الأمريكية على إسرائيل ويمكن أيضاً أن تكون مصيرية.
ويؤكد أورون أيضا أنه يعرف نائب الرئيس السابق جو بايدن وأنه شخص مؤيد لـ إسرائيل بصورة واضحة وملتزم بالحلف الاستراتيجي بينها وبين الولايات المتحدة. كذلك السيناتور كاميلا هاريس، التي عمل معها أيضاً، هي مؤيدة لإسرائيل وهي وبايدن كانا المرشحيْن الديمقراطييْن الوحيديْن اللذين عارضا ممارسة ضغط أمريكي عليها من خلال تقليص المساعدة الأمريكية.
ومع ذلك يقول أورون إن إدارة بايدن يمكن أن تشكل تحدياً كبيراً لـ إسرائيل بسبب خلافات في الرأي إزاء موضوعيْن جوهريين : الأول، المسار السياسي الذي ستتخلى الإدارة من خلاله عن ” صفقة القرن ” ، وتعود إلى مخطط أوباما وكلينتون – أي حل الدولتين على أساس حدود 1967، والقدس الشرقية هي عاصمة فلسطين.
كما يرجح أورون أن تفتح الإدارة الأمريكية مجدداً السفارة الفلسطينية في واشنطن، التي أغلقها ترامب، وكذلك القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، التي استُخدمت قبل ترامب كـ سفارة أمريكية للفلسطينيين. مرجحا أيضا أن تجدد الإدارة المساعدة الأمريكية للأونروا ومؤسسات فلسطينية أُخرى أوقفها ترامب مثلما ستعود إلى معارضة البناء الاستيطاني، وستصبح “القدس الموحدة” في نظرها “عائقاً للسلام.
مساندة دبلوماسية
ويتابع ” في الواقع فإن الأكثر إشكاليةً في نظرنا هو نيّة بايدن المعلنة في انضمام الولايات المتحدة مجدداً إلى الاتفاق النووي مع إيران ورفع العقوبات. هذا الأمر سينقذ النظام الإيراني من انهيار اقتصادي ويساعده على العودة إلى احتلال أجزاء كبيرة في الشرق الأوسط واستخدامها كمواقع متقدمة ضد إسرائيل. المقصود تهديد استراتيجي حقيقي”.
ويستذكر أورون أنه بخلاف ذلك، إذا انتُخب الرئيس ترامب وحظي بولاية ثانية فإنه بالتأكيد سيواصل سياسته التي تُعتبر أكثر سياسة مؤيدة لإسرائيل حصلت عليها من رئيس أمريكي منذ قيامها. ويقول إن المقصود ليس فقط بادرات طيّبة رمزية، مثل نقل السفارة الأميركية إلى القدس، والاعتراف الأميركي بسيادة إسرائيل في هضبة الجولان، بل أيضاً خطوات جوهرية من نوع الوقوف بقوة إلى جانبنا في الأمم المتحدة وفي كل المؤسسات الدولية.
مصير التطبيع
ويتساءل السفير الإسرائيلي الأسبق ماذا سيكون مصير اتفاقات السلام الحديثة العهد بيننا وبين الدول العربية؟ وعن ذلك يجيب ” ثمة شك في أن بايدن سيوظف فيها، مثلما فعلت إدارة ترامب – هذا الأمر سيكون حاسماً في موضوع السودان الذي يحتاج كثيراً إلى مساعدة أمريكية.
من جهة أُخرى، انضمام الولايات المتحدة مجدداً إلى اتفاق نووي مع إيران، سيجبر دولاً عربية كثيرة على الدخول في حلف استراتيجي علني مع إسرائيل ضد إيران. على ما يبدو سنضطر إلى أن نكون أكثر مرونة، وأن نذهب نحو الدول العربية التي لا تحصل على حوافز أمريكية، واحتضان دول عربية بحاجة إلينا في موضوع إيران “.
ويخلص أورون للقول إنه لا يغيّر في مجريات الأمور مَن الفائز فهو سيضطر إلى معالجة أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية داخل الولايات المتحدة وستواصل هذه عملية الانسحاب من المسائل الخارجية والمضي بخطواتها الانفصالية. ويضيف ” سنضطر نحن الإسرائيليون إلى الوقوف على أقدامنا والمحافظة على مصالحنا الحيوية كدولة قوية وذات سيادة، يمكننا أن نفعل ذلك “.
وقال رئيس تحرير صحيفة ” يسرائيل هيوم ” بوعاز بيسماوت إنه بدلا من انتصار سريع لأحد المتنافسين تلقينا ” سيناريو يوم القيامة ” المتمثل بحالة شبه تعادل غامض. لكن بيسماوت يرى باستمرار الترامبية ” حتى لو غاب ترامب عن المشهد وأن الإدارة الجديدة لن تستطيع التراجع عن سياساته حيال الشرق الأوسط وأن واشنطن ستنشغل في قضايا داخلية حارقة.
استطلاع: غالبية اليهود الأمريكيين مع بايدن
كشف استطلاع جديدة أجرته منظمة “جي ستريت” في يوم الانتخابات أن الناخبين اليهودي في الولايات المتحدة صوتوا بغالبية ساحقة وصلت الى 77% لصالح المرشح الديمقراطي جو بايدن ، مقابل 21% للرئيس ترامب.
وبفارق كبير عن نسبة تصويتهم للمرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون عام 2016 حيث منحوها 45% من الأصوات. وفي السباق نحو مقاعد مجلس الشيوخ والنواب، أيد غالبية المصوتين اليهود مرشحين ديموقراطيين بنسبة 78% مقابل 21% للجمهوريين، الحديث عن اسوأ نتائج حققها الحزب الجمهوري بين الناخبين اليهود من عام 2008. ووفقا للاستطلاع فإن القضايا الرئيسية التي تهم الناخبين اليهود هي مكافحة فيروس كورونا (54%)، تغير المناخ (26%)، التأمين الصحي (25%)، والاقتصاد (23%)، و5% من اليهود فقط أشاروا إلى اسرائيل كأحد المواضيع الرئيسية التي تشغلهم، مقابل 9% في عام 2016.
وقال معد الاستطلاع جيم جريستان إن “انتخابات 2020 كثفت التوجهات داخل المجتمع اليهودي، والتي اشتدت بعد أربع سنوات من ولاية رئيس الكثيرين كرهه الكثيرون منهم”. وأضاف جريستان :”الناخبون اليهود يستمرون بغالبيتهم العظمي بتأييد المرشحين الديموقراطيين، والذين يقومون بالمشاركة لدفع حل الدولتين والعودة للسياسة التي اتبعت فترة اوباما مثل إبرام الاتفاق النووي مع إيران”.
من جهته قال رئيس حزب اليسار الصهيوني ” ميرتس ” النائب نيتسان هوروفيتس إن ترامب خطر على العالم فيما قال زميله النائب الشيوعي اليهودي عن المشتركة عوفرل كسيف إنه يتمنى زوال ترامب لأنه مقزز. يشار أن استطلاعات إسرائيلية أظهر أن نحو 70 % من الإسرائيليين كانوا يتمنون فوز ترامب لأنه ” صديق كبير ” لـ إسرائيل مقابل قلة قليلة ترى أنه يكرس الاحتلال ويساهم بتحول إسرائيل لدولة ثنائية القومية تنتهي في نهاية المطاف لدولة عربية.