قبل أن تقول إنك عربي! د. سناء أبو شرار

الخميس 05 نوفمبر 2020 01:43 م / بتوقيت القدس +2GMT
قبل أن تقول إنك عربي! د. سناء أبو شرار



يقول ابن المقفّع:
( أعقل الأمم العرب، إن العرب حكمت على غير مثالٍ لها، ولا آثار أُثِرَت، أصحابُ إبل وغنم، وسكان شعر وأدم، يجود أحدهم بقُوته، ويتفضل بمجهوده، ويشارك في ميسوره ومعسوره، ويصف الشيء بعقله فيكون قدوه، ويفعله فيصير حجّة، ويحسّن ما شاء فَيحسُن، ويقبّح ما شاء فيقبح، أدَّبتهم أنفسهم ورفعت هممهم، وأعلتهم قلوبهم وألسنتهم، فلم يزل حِباء الله فيهم، وحِباؤُهم في أنفسهم حتى رفعَ لهم الفخر، وبلغ بهم أشرف الذكر، وختَّم لهم بمُلكهم الدنيا على الدهر، وافتتح دينه وخلافته بهم إلى الحشر ولهم قال سبحانه وتعالى: “إن الأرض لله يُورِثُها من يشاء من عابدهِ والعاقبةُ للمتقين”.
فمن وضع حقهم خسر، ومن أنكر فضلهم خُصم، ودفع الحق باللسان أكبت للجنان) *
ويقول لسان الدين الخطيب:
(العربُ لم تفتخر قطُّ بذهب يُجمع، ولا ذُخر يُرْفع، ولا قصر يبنى، ولا غرس يجنى. إنّما فخرها عدو يُغلب، وثناءٌ يُجلب، وجُزُر تنحر، وحديث يُذكر، وجود على الفاقة، وسماحة بحسب الطاقة، فلقد ذهب الذهب، وفني النشب، وتمزقت الأثواب، وهلكت الخيل العِراب، وكل الذي فوق التراب تراب، وبقيت المحاسنُ تروى وتنُقل، والأعراض تُجلى وتصقل) *
في زمن التطبيع نحتاج للعودة إلى التاريخ لمعرفة التعريف الحقيقي للأشياء وللشعوب، فما قاله الفقهاء والفلاسفة والحكماء لم يأتِ من فراغ ولا صدفة، فها هم يقولون لنا عبر صفحات التاريخ التي نسيناها والتي حتى البعض منا يخجل منها ويعتبرها تخلف، ها هي تصف لنا من هو العربي الأصيل الشريف صاحب المروءة والشجاعة، صاحب العطاء والكرم والنخوة والفضيلة.
لنفهم التطبيع لابد أن نقرأ جيداً هذه الأقوال المأثورة ونتمعن بها، وندرسها لا بناءنا، لابد أن يستيقظ التاريخ في أرواحنا وإلا ستجرفه نجاسة الخيانة في طريقها الذي لا يتوقف، لابد لنا من أن نتذكر ونذكر أبنائنا واصدقائنا بأننا لم نكن حثالة بين الشعوب، لم نكن حقبة عابرة تُلصق بها الافتراءات وكل ما يفوح منه رائحة الكرة والحقد.
لن يستطيع أي منا فهم ما يجرى دون العودة إلى التاريخ وأن نسمي الأشياء والأشخاص بأسمائهم الحقيقية وأن هناك من يقول إنه  عربي ولكنه لا ينتمي للعرب لا في صفاتهم ولا في عقيدتهم ولا في أخلاقهم.
أولئك الذي يلهثون وراء المصالح والأموال والقصور ويشترون بعهد الله وإيمانهم ثمناً قليلاً ما هو ثمنهم عند رب العالمين؟ أولئك الذي يبيعون انتمائهم وأوطانهم وشرف الأرض والنفس ما هو ثمنهم أمام أولادهم حين يكبرون ولا يجدون حولهم سوى الذل والمهانة؟ أولئك الذين يعتقدون أن فلسطين كرت ربح أو خسارة ماذا سيربحون حتى ولو تكدست الأموال في خزائنهم؟ ألم يروا بأم أعينهم أولئك الذين ماتوا أو قُتلوا وتركوا ورائهم أطنان من الذهب؟ ألم يروا بأن ذكراهم ليست سوى سحابة صفراء يمقت أهل الأرض حتى مرورها في ذاكرتهم؟
لا تقل إنك عربي إن لم تحمل تلك الصفات التي تم وصفهم بها كما سبق، قل إنك  أي شيء، أنك تنتمي لأي بنك أو بورصة أو شركات مساهمة أو أي جهة تدفع أموال أكثر، ولكن لا تقل أنك عربي. لقد تم نعت العرب بكل الصفات السيئة، حتى أن عدد غير قليل من العرب يحتقرون كونهم عرب، من يريد أن يكون عربي وأن يقول عن نفسه عربي لابد أن يتجمل بتلك الصفات وإلا فهو ليس عربي بل لقيط بين الحضارات والشعوب والبلاد. التطبيع لا يخص فلسطين فقط، التطبيع هو أزمة هوية وعقيدة وانتماء، وقبل أن نلوم من يطبع أو نعاديه لابد من تحديد هويته وصفته وانتماءه كي لا نهدر الكلمات في بئرٍ عقيم.
*عبد الله بن المقفع من أبناء الفرس الذين نشئوا بين العرب. (من كتاب قصص العرب. ص 40 – محمد تحمد جاد المولى بك- الهيئة العامة للقصور – القاهرة)
*محمد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن علي بن أحمد السلماني، لثقب بذو الوزارتين وذو العمرين وذو الميتين. علامة وكاتب وفقيه ومؤرخ وطبيب وفيلسوف).
كاتبة فلسطينية