فيما يؤيد 70% من اليهود في الولايات المتحدة الحزب الديمقراطي ومن المتوقع أن يدلوا بـ أصواتهم لـ مرشحه جو بايدن فإن نسبة مماثلة من اليهود في إسرائيل يؤيدون الحزب الجمهوري ويتمنون نجاح دونالد ترامب. ويظهر استطلاع رأي جديد أن 63% من الإسرائيليين يرون أن انتخاب ترامب مجددا سيكون لصالح إسرائيل مقابل 17% يرون بذلك بحال انتخاب المرشح الديمقراطي، جو بايدن.
وكشف استطلاع المعهد الإسرائيلي للديمقراطية اليوم أن 42% من اليهود في إسرائيل يعتقدون أن انتخاب بايدن رئيسا سيضعف العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية، فيما اعتبر 31% منهم أن انتخابه سيعزز العلاقات بين الولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية.
وحسب الاستطلاع يعبر 82% من اليهود في إسرائيل عن تأييدهم لانتخاب ترامب، كما عبر 62% من ناخبي أحزاب الوسط – يمين عن تأييدهم لانتخابه. يشار إلى أن هناك 300 ألف إسرائيلي يحملون الجنسية الأمريكية أيضا هم أصحاب حق الاقتراع في الانتخابات الأمريكية ويظهر الاستطلاع أن أغلبيتهم يتجهون للمشاركة في الانتخابات لصالح ترامب.
النهوض فقط بعد هزيمة ترامب
وفيما تتمنى حكومة الاحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو فوز صديقه وحليفه دونالد ترامب تتفاوت آراء المعلقين والباحثين حيال ذلك، ويتمنى المحامي الناشط الإسرائيلي من أجل حقوق الإنسان ميخائيل سفارد أن يهزم ترامب ويقول إنه “فقط في غيابه ربما تستطيع إسرائيل أن تبدأ في الطريق الطويلة والصعبة لإعادة إصلاح حياتها التي خربها”.
في مقال نشرته صحيفة “هآرتس” قال: “ليهزم ترامب ويذهب إلى أحد أبراجه ويتركنا لحالنا ويخلصنا منه. هو وتغريداته، ليهزم، لأن كل يوم يشغل فيه وظيفته يذكرنا كم أن البشر يمكن أن يكونوا سيئين وأن بإمكانهم أن يكونوا سيئين جداً. ليهزم، لأن وجوده في حياتنا يخرج الشر أيضاً منا – العدوانية، الكراهية، القبلية، والغضب من الصنف الخطير والمسموم. ليخسر لأنه طالما أنه هناك يصعب جداً التصديق بأن الإنسان صالح منذ شبابه. ليخسر ويختفي من أجل أن نستطيع البدء بتضميد جراح الكراهية التي تركها خلفه”. ويعلل سفارد أمنيته بالإشارة إلى كون ترامب “الشخص الذي يستهزئ بالأشخاص ذوي الإعاقة، ويستهين بالنساء، ويمارس العنصرية على السود وعلى ذوي الأصول الإسبانية، والذي يحب فقط نفسه، ويستغل كل من هو حوله”.
ويضيف: “أربع سنوات اضطررنا فيها للعيش معه، وسماع أفكاره الحقيرة، والخوف من أفعاله الخطيرة. أربع سنوات من المعاناة التي تتجاوز انعدام الاتفاق الأيديولوجي أو السياسي لأن وجوده هو ضرر ضد الأمل، الديمقراطية والرحمة. طوال أربع سنوات وهو ممسك بكلتا يديه بالقصبة الهوائية للاعتقاد بأنه يمكن أن يكون الحال أفضل، ولكنه خنقها بدون رحمة”.
عالم كئيب شرير
ويرى المحامي الإسرائيلي أن العالم الذي اقترحه والعالم الذي تجول فيه ورسمه لنا جميعاً هو عالم كئيب، شرير، عالم ما قبل العقد الاجتماعي عالم يعتبر علاقة الإنسان بالإنسان كعلاقة الذئاب ببعضها.
ويقول إن ترامب أعطى دعماً للفاشية العنصرية البيضاء، أعطى احتراماً للدكتاتوريين السيئين جداً واستهان بضحاياهم وأيد التنمر كوجهة نظر، لأنه في داروينيته الاجتماعية القوي هو المحق بسبب قوته والضعيف هو قمامة معدة للاستغلال والرمي.
ويتابع سفارد: “يصعب التصديق، ولكن الرجل الأقوى في العالم هو نسخة غريبة، تقريباً هي محاكاة ساخرة، ولكنها مخيفة لـ دارت فيدر، الخادم المخلص للجانب المظلم من القوة”. ويؤكد سفارد هو الآخر أن فترة ولاية ترامب كانت عملية تخريبية كثيرة المصابين وأن المتضررين المباشرين هم عشرات الملايين وربما مئات الملايين في الولايات المتحدة وخارجها: أقليات عرقية مجموعات نسائية، طبقات متدنية ومعسكرات سياسية. عالم اليوم مرقط بـ جثث آمالهم، خانق من دخان الازدراء. فترة ولايته كانت أيضاً عملية إرهابية متواصلة، تستهدف تخريب قدرتنا على إجراء حوار. لقد أشعل ساحة مدينتنا بآلاف بؤر الكذب وبمئات نظريات المؤامرة التي لا أساس لها من الصحة، وبقوته الهائلة كرئيس أقوى دولة في العالم، قام بـ طي الأرضية التي نقف عليها بهجماته الوحشية على العلم والصحافة”.
كذلك يؤكد سفارد أن قدرة ترامب على إجراء حوارات ونقاشات حرقت خطوط الاتصالات، وخلقت انقطاعات تحتاج لسنوات من أجل إصلاحها. ويخلص للقول في هجومه هذا: “ليهزم ترامب ليهزم ويذهب لضيعاته، التي زيّنها وطلاها بـ الذهب. فقط في غيابه نستطيع ربما أن نبدأ الطريق الطويل والصعب من إعادة الإصلاح. خطوات محسوبة من إعادة الأسس التي بدونها لا يكون لدينا مجتمع إنساني بل مجموعة من التفاصيل ذات الأهمية: كرامة إنسانية، تضامن اجتماعي، إنصاف أساسي”.
الشراكة الإسرائيلية – الأمريكية كانت وستبقى
في المقابل يرى المحاضر في جامعة حيفا البروفيسور دان شيفتان في مقال نشرته “يسرائيل هيوم” أن ترامب هو الأفضل لـ إسرائيل رغم أن الشراكة الإسرائيلية – الأمريكية باقية كما كانت بكل الأحوال. ويقول شيفتان إن رؤساء يأتون ويرحلون، بعضهم يعمل بالتشاور مع إسرائيل، وآخرون منصتون أقل بكثير لاحتياجاتها. فضلا عن الفوارق الهامة هذه، توجد بنية تحتية متينة، قيمية واستراتيجية لشراكة عميقة، بقيت في الماضي ونجت حتى من إدارات غير ودية لنا”. ويقول إنه إلى جانب الأهمية المعروفة لـ نتائج الانتخابات القريبة من المهم فهم البنية التحتية العميقة لعلاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة فضلا عن سؤال هوية الرئيس وتشكيلة الكونغرس، ويرى أن هذه شراكة في الفكرة الأساس، والتي تنعكس بمواقف منتخبي الشعب، وبتطابق واضح للمصالح يؤثر على اعتبارات الإدارة. ويتابع شيفتان المعروف بمواقفه المتشددة: “يوجد شبه عظيم في جانب هام من الفكرة الأساس المقبولة في التيار المركزي للشعب الأمريكي وللجمهور في إسرائيل. فضلا عن الالتزام الأساسي بالنظام الديمقراطي وبالحريات الفردية يدور الحديث عن فكرة أساسها احترام الفرد والجماعة التي تكافح في سبيل البقاء والنجاح حتى في ظروف صعبة ومحيط عنيف، فهؤلاء لا يخافون عندما لا يكون بديل آخر وفي خدمة هدف عادل، من استخدام القوة لفرض إرادتهم”. ويضيف: “بسبب التأثير البارز لوسيلة السينما لعله مسموح لنا أن نسمي، بتبسيط مغتفر، الصيغة الأمريكية لهذا الموقف “فكرة جون واين وبروس ويلس”.
فكرة الكاوبوي
“هذه ليست مقبولة في أوروبا، وهي تصنف أحيانا بـ نفور كـ “فكرة الكاوبوي”. وهي تعتبر مرفوضة ومتخلفة في الجامعات الأمريكية، في وسائل الإعلام، في الدوائر “التقدمية” وفي أوساط الأغلبية الليبرالية ليهود الولايات المتحدة. غير أنه بدونها لا يمكن أن نفسر العطف العميق لـ إسرائيل في أوساط نحو ثلثي الجمهور الأمريكي، ولا سيما الجمهوري، ولكن أيضا في أوساط الديمقراطيين الذين لم يتأثروا بـ تقليعة الراديكالية. إسرائيل تعتبر في نظرهم عنصر ديمقراطية بناء ومهددا، ومصمما على أن يفعل “ما ينبغي” بما في ذلك استخدام القوة، للدفاع عن نفسه. وهم يحترمون ذلك”.
وبرأيه، يكاد يكون كل العرب المهمين بالنسبة للولايات المتحدة يعملون بالتشاور مع إسرائيل ويثقون بها ويؤكد أنه حتى الرؤساء “غير العاطفين، بل واللاساميين”، اتخذوا سياسة ساعدت إسرائيل (نيكسون مثلا) وكذلك رؤساء كانوا، في نظر أنفسهم، عاطفين حيال إسرائيل، كانوا أحيانا مصممين “على إنقاذها من نفسها” (أوباما مثلا).
وفي سبيل التدليل على رؤيته يرى شيفتان أيضا أن لوبي إيباك هو وكيل مبيعات فاخر، ذكي ومتفانٍ لإسرائيل ولكن لو كانت “البضاعة” الإسرائيلية مضروبة، لما كان يمكن حتى للوكيل الأكثر كفاءة أن يبيعها على مدى ثلاثة أجيال: قوة اللوبي في الكونغرس تقوم أساس على عمق التأييد الجماهيري. ويزعم شيفتان أن اليهود هم أقل من 2 % من الناخبين، وأغلبيتهم الساحقة تؤيد تلقائيا المرشحين الديمقراطيين وإسرائيل ليست اعتبارا بارزا في تصويتهم.
وفي المقابل يقول شفتان إنه من ناحية الولايات المتحدة فإن إسرائيل مهمة في منطقة مهمة وتشمل ست خصال، لا يشملها أي حليف آخر كلها: إسرائيل قوية، مستقرة، مسؤولة، مصممة، دوما مؤيدة لأمريكا. إسرائيل هي الوحيدة بين كل الحلفاء لا تطلب أن يقاتل جنود أمريكيون للدفاع عنها، هي قوية عسكريا، اقتصاديا وتكنولوجيا، هي ديمقراطية أثبتت استقرارها حتى في أوقات الأزمة، مدعيا أن إسرائيل لا تزال شريكا صغيرا للقوة العظمى الأمريكية، ولكن ليس شريكا بائسا حيث تضطر الولايات المتحدة لأن تقلص تواجدها المادي في الشرق الأوسط كي تركز اهتمامها العالمي في آسيا، ولا سيما في بحر الصين الجنوبي، يمكنها أن تسمح لنفسها بأن تتصرف هكذا، فقط إذا ما تركت في المنطقة تحالفا لدول مؤيدة لأمريكا معنية بالحفاظ على استقرار نسبي في المنطقة: إسرائيل، القوية، المستقرة والمصداقة هي مدماك حيوي في هذا التحالف”. ويخلص شيفتان للقول بما استهل به مقاله: “الرؤساء يأتون ويرحلون. بعضهم يعمل بالتشاور مع إسرائيل، وآخرون منصتون أقل بكثير لاحتياجاتها. فضلا عن الفوارق الهامة هذه، توجد بنية تحتية متينة، قيمية واستراتيجية لشراكة عميقة. وقد بقيت في الماضي ونجت حتى من إدارات غير ودية”.
فوضوي وشعبي وسطحي
من جهته يعتبر السفير الإسرائيلي الأسبق في واشنطن المحاضر الجامعي إيتمار روبينشطاين أنه من المهم لـ أمريكا وللعالم أن تكون هي بحالة صحية جيدة وكذلك لـ إسرائيل لأن ترامب خطير على العالم. وردا على سؤال الإذاعة العبرية العامة قال روبينشطاين إن ترامب فعل أشياء إيجابية لنا لكنه غير متوقع وله علاقات مريبة مع أنظمة ظلامية في العالم ومن شأنه إشعال حرب كونية. وتابع في حديث هاتفي من أبو ظبي: “فشل ترامب في سوريا وفي مواجهة الكورونا وهو شخص شعبوي وسطحي وفوضوي”.
وردا على سؤال أوضح روبينشطاين أن الإسرائيليين يساندون ترامب بعكس يهود أمريكا المؤيدين لـ بايدن لأنه اعترف بالقدس عاصمة لـ إسرائيل وبسيادتها على الجولان ودفع دولا عربية نحو التطبيع وبسبب التعامل مع الفلسطينيين بسلبية والفيتو في الأمم المتحدة بينما اليهود العلمانيون في أمريكا هم الأغلبية وهم دائما مع الديمقراطيين بعكس اليهود الأورثوذوكس مع الجمهوريين ومع ترامب الآن”.
الطريق لـ سلام حقيقي
وشدد على أن شق الطريق نحو سلام حقيقي مع العرب مثل شعبي مصر والأردن ودولتي سوريا ولبنان والشعب الفلسطيني ليس كالتطبيع مع الإمارات والبحرين، وأضاف بأن صراع الفلسطيني يتأتى عند ملتقى رئيس حكومة إسرائيلي راغب وقادر على السلام وكذلك رئيس فلسطيني وأيضا ورئيس أمريكي مستعد لبذل جهد كبير وصعب كما فعل بيل كلينتون”. وتابع: “عندما تلتقي هذه العوامل الثلاثة ربما يكون هناك سلام مع الفلسطينيين”، منوها أن تصريحات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو حول دعم الدولتين يقصد منها دعمه لـ دويلة فلسطينية محدودة فقط، وعندما لا تلتقي فلن يكون سلام. وردا على سؤال أخير قال روبينشطاين: “أعتقد أنه لا يمكن التنبؤ من هو رئيس الولايات المتحدة الجديد لكنني أعبر عن رغبتي برحيله”.