في كتابه الجديد “نيران صديقة”، يكشِف قائد جهاز الأمن العّام الأسبق، (الشاباك الإسرائيليّ) الجنرال احتياط عامي أيالون (75 عامًا)، يكشِف النقاب عن أنّه خلال الفترة الواقِعة بين الأعوام 1996 وحتى العام 1999، حتى اقتحام شارون للمسجد الأقصى المُبارك، انخفض بشكلٍ دراماتيكيٍّ عدد الإسرائيليين-اليهود الذين قُتِلوا جرّاء العمليات الـ”إرهابيّة” (!) الفلسطينيّة من طرفيْ الخّط الأخضر، مُشدّدًا على أنّ هذا النجاح سُجِّل نتيجة الطريقة الناجعة التي انتهجها الجهاز السريّ في عمله، إلّا أنّ هذا الانتصار، يستدرِك، هو أيضًا تحصيل حاصِل للتعاون الأمنيّ بين الأجهزة الأمنيّة الإسرائيليّة مع نظيرتها التابِعة للسلطة الفلسطينيّة، وعلى نحوٍ خاصٍّ بين قائديْ جهاز الأمن الوقائيّ في تلك الفترة، محمد دحلان (قطاع غزّة) وجبريل الرجوب (الضفّة الغربيّة). “في نهاية المطاف”، أكّد أيالون، “مُقارنةً مع جهاز الشاباك قام الرجوب وجهازه باعتقال إرهابيين فلسطينيين من حركة (حماس)، أكثر من الذين قُمنا نحن باعتقالهم”.
الكتاب الجديد (FRIENDLY FIRE) صدر باللغة الإنجليزيّة وهو عبارة عن سرد سيرة أيالون الذاتيّة، الذي تبوّأ مناصب عديدةٍ خلال مسيرته العسكريّة من قيادة وحدة النخبة شاييطت13، (الكوماندوز البحريّ) ومُشاركته شخصيًا بتنفيذ اغتيالات قادةٍ فلسطينيين في جميع أرجاء الوطن العربيّ، منهم الشهيد خليل الوزير (أبو إياد)، الذي كان يُعتبَر نائب ياسر عرفات، وحتى اليوم.
في العام 1996 انتقل أيالون من قيادة سلاح البحريّة بجيش الاحتلال، وهو برتبة جنرال، إلى قيادة جهاز (الشاباك)، بموجب طلبٍ من رئيس الوزراء في تلك الفترة، شيمعون بيريس، حيثُ حارب “الإرهاب” الفلسطينيّ كما يقول في كتابه، بدون هوادةٍ وبدعمٍ وتنسيقٍ كامليْن ووثيقيْن مع الأجهزة الأمنيّة الفلسطينيّة.
وبعد انتهاء خدمته في جهاز الشباك، في نيسان (أبريل) من العام 2000) انخرط في السياسة وانضمّ لحزب (العمل) الإسرائيليّ وانتُخِب لعضوية الكنيست، كما تمّ تعيينه وزيرًا، حيثُ تحوّل لـ”داعية” سلامٍ، كما يؤكِّد مُحلِّل الشؤون الأمنيّة بصحيفة (هآرتس) العبريّة، يوسي ميلمان.
أيالون، الذي يتفاخر ويتباهى في سجلّه الأمنيّ والعسكريّ أصدر مع البروفيسور الفلسطينيّ سري نُسيبة، في العام 2003 خطّة السلام التي باتت معروفةً إعلاميًا بـ”مُبادرة أيالون- نسيبة”، وعلى الرغم من مزاعمه بأنّه تحوّل إلى رجلٍ يؤمن بالسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فلم يتراجع عن أقواله لصحيفة (Sunday TIMES) البريطانيّة ولوسائل إعلامٍ أخرى بأنّه “قتل إرهابيين من حماس أكثر ممّا قتلت حركة حماس يهودًا”.
بالإضافة إلى ما ذُكِر أعلاه، يُقِّر أيالون في كتابه الجديد، الذي قدّم له دنيس روس، الدبلوماسيّ الأمريكيّ-اليهوديّ، الذي شغل منصب مبعوث إدارة بيل كلينتون للسلام في الشرق الأوسط، يُقِّر أيالون بأنّ الهدف من إقامة جهاز (الشاباك) هو المُحافظة على الديمقراطيّة وقيمها، إلّا أنّه عمليًا، يؤكِّد، فإنّ (الشاباك) يعمل على تنفيذ هدفه عن طريق المسّ السافِر والصارخ والمنهجيّ بأهم مبدأيْن اثنيْن في الديمقراطيّة وهما الخصوصيّة ومنح الإنسان الحقّ في محاكمة عادلةٍ ونزيهةٍ، وفق تعبيره. كما يدّعي أيالون في كتابه أنّه وَجَدَ أوجه شبهٍ بين كلٍّ من الراحِل عرفات ونتنياهو، حيث يقول: “الاثنان مُمثّلان ممتازان، ويتمتعان بقدرةٍ مسرحيّةٍ كبيرةٍ”، وفق توصيفه.
وعلى الرغم من ماضيه الأمنيّ الحافِل المُلطّخ بالدّماء الفلسطينيّة، يعترِف قائد جهاز الشاباك الأسبق أنّه في نظرةٍ للوراء فإنّ رئيس الوزراء الأسبق، يتسحاق رابين، قد أخطأ لأنّه لم يُهدِّد عرفات بالتوقّف عن غضّ الطرف في كلّ ما يتعلّق بـ”الإرهاب” الفلسطينيّ، مُشيرًا في الوقت ذاته إلى أنّ إيهود باراك ونتنياهو ارتكبا خطأً لأنّهما لم يفهما قوّة الضغط التي كان يُواجهها عرفات بسبب استمرار الاحتلال وبناء المُستوطنات في الأراضي الفلسطينيّة المُحتلّة، مُختتِمًا حديثه في هذه المسألة بالقول إنّه فيما يتعلّق بالقضيّة الفلسطينيّة فإنّه يتحتّم ويتعيّن على إسرائيل، من مُنطلق مسؤوليتها أنْ تقوم بالخطوة الأولى، وهي الخطوة التي لم تقُم بها حتى اليوم، كما أكّد أيالون.
بالإضافة إلى ما ورد أعلاه، يقول أيالون مُعقبًا على اتفاقية السلام مع الإمارات العربيّة المُتحدّة، إنّ كلّ اتفاقٍ يفتح الطريق أمام عملية السلام هو إيجابيّ، لأنّه أيضًا يُساهِم في تقوية الاقتصاد الإسرائيليّ، وما من شكٍّ بأنّ الاتفاق الإسرائيليّ-الإماراتيّ هو إنجاز سياسيّ مُهّم، ولكن استدرك قائلاً إنّ إسرائيل لم تكُن في حالة حربٍ مع هذه الدولة الخليجيّة، والاتفاق يختلِف جوهريًا عن اتفاقيتيْ السلام اللتين وقعتهما إسرائيل مع مصر والأردن، وكلّ مقارنةٍ بينهما وبين الاتفاق مع الإمارات ليست موضوعيّةً وتهدِف لتحقيق مصالح سياسيّة داخليّة في تل أبيب، طبقًا لأقواله.
جديرٌ بالذكر أنّ أيالون في حديثه لصحيفة (هآرتس) حول كتابه الجديد يُلخِّص أيديولوجيته عندما يقول: “حتى لو توصلّت إسرائيل لاتفاقيات سلامٍ مع جميع الدول العربيّة والإسلاميّة على حدِّ سواء، فهذا لن يُجدي نفعًا، لأنّه إذا لم تصِل الدولة العبريّة لاتفاقٍ مع الفلسطينيين، فلن تكون إسرائيل دولةً ديمقراطيّةً- يهوديّةً وآمنةً”، بحسب أقواله.