حنا أبو حنا والفلسطينيون المنسيون..عادل الأسطة

الأحد 01 نوفمبر 2020 10:38 ص / بتوقيت القدس +2GMT



"الفلسطينيون المنسيون" عنوان كتاب لـ (إيلان بابيه) الذي عرف أكثر من خلال كتابه "التطهير العرقي".
تذكرت الكتاب وأنا أفكر في الكتابة عن الأديب حنا أبو حنا الذي نعت بـ "أستاذ الشعراء"، وسبب نطق هذه العبارة، في حفل أقامته مؤسسة الأسوار لتكريمه، سبب للمرحوم حنا إبراهيم مشكلة مع رفاقه في الحزب الشيوعي (راكاح) نجم عنها فصله، وكان أبو حنا نفسه فصل أيضاً من الحزب، لأنه أراد المشاركة في مؤتمر اعترض الحزب على عقده، لاختلاف الحزب مع الجهة المنظمة للمؤتمر ولمكان عقده، وكان اميل حبيبي الذي شارك في اتخاذ قرار الفصل ترك الحزب في فترة لاحقة، ما دفع توفيق زياد إلى كتابة قصيدة "المرتد" التي ظهرت في ديوانه "أنا من هذي المدينة".
الصورة التي تشكلت في العالم العربي لأدباء المقاومة، من خلال نصوصهم الإبداعية، كانت إيجابية عموماً، والأربعة المذكورون درسوا حين درس أدب المقاومة، وإن بنسب متفاوتة، فقد شاع اسما حبيبي وزياد أكثر.
قياساً على عنوان كتاب (بابيه) يمكن الكتابة عن "الأدباء المنسيين" في فلسطين التاريخية، ومنهم أبو حنا وإبراهيم، علما بأن لهما دوراً تأسيسياً كبيراً، ويخيل إلي أن الأسماء التي لمعت، مثل درويش والقاسم وحبيبي وزياد، قد غطت على بقية الأسماء، وقد يكون هناك سبب آخر يعود إلى أنهما حين فصلا من الحزب لم يجدا في العالم العربي من يحفل بنتاجهما، فالأحزاب الشيوعية كانت تشكل حلقة مترابطة يدعم بعضها بعضاً وكان أدباؤها يحتفلون بنتاج رفاقهم فيكتبون عنه ويعيدون نشره، وأن صحف الحزب التي أسهمت في نشر الأدب في فلسطين وفي خارجها غالباً ما عزفت عن نشر كتابات كتاب اختلف الحزب معهم، وعلاوة على ما سبق فإن أكثر نتاجهما الأدبي ظل توزيعه مقتصراً على فلسطين.
وعلى الرغم من أن حنا أبو حنا حصل على جائزة فلسطين عن سيرته "ظل الغيمة"، ومن أنه حصل لاحقاً على جائزة محمود درويش، إلا أن نتاجه لم يحتفل به احتفالاً لافتاً، وليس أدل على ذلك من عدم الالتفات إلى الجزأين الثاني والثالث وهما "مهر البومة" و"خميرة الرماد" اللذان صدرا، في العام ٢٠٠٤، في حيفا، ولم يعد نشرهما في طبعات متتالية ولم يحتفل بهما احتفالاً يليق بكاتب نال الجائزتين المذكورتين.
حنا أبو حنا كاتب من الكتاب المؤسسين للأدب الفلسطيني المقاوم في فلسطين، وقد كتب دارسو هذا الأدب، ومنهم غسان كنفاني وعبد الرحمن ياغي، عنه، وأقر محمود درويش بأنه تعلم منه "ترابية القصيدة"، ولكن حنا لم يصدر قبل العام ٢٠٠٠ الكثير من نتاجه، فـ ١٣ كتاباً من كتبه الـ٢١ صدرت في الألفية الجديدة.
تعرفت إلى أبو حنا في منتصف ٩٠ ق ٢٠ حين شارك في مؤتمر عقدته جامعة النجاح عن الشاعر عبد الرحيم محمود، والتقيت به ثانية، في العام ٢٠٠٦ في مؤتمر جامعة بيت لحم، ويومها أهداني سيرته الذاتية وديوانه "عراف الكرمل" وكتابيه "أوراق خضراء" و"فستق أدبي"، وعندما كرمني نادي حيفا الثقافي قبل سنتين حضر، وكان في الحادية والتسعين من عمره، وألقى بألق وذهن صافٍ يغبط عليهما، مداخلة عما قلته عن ظاهرة الحذف والتغيير في أشعار درويش.
مؤخراً أتيت على ذكر أبو حنا وأنا أكتب عن حنا إبراهيم، وقد وجب أن أعود إلى ملاحظاتي التي دونتها على سيرة أبو حنا، لأفيد منها ولأوثق بعض المعلومات، وقد تساءلت عن سبب عدم كتابتي عنها، فسيرته وسيرة إبراهيم تأتيان على علاقتهما بالحزب وسبب فصلهما منه، وتفضيان في هذا الجانب إلى بعضهما، فسيرتهما مهمتان جداً لدارس الأدب في فلسطين بين ١٩٤٨ و١٩٦٧ من حيث موضوعاته وشكله الفني وعلاقته بالأدب العربي والأدب الفلسطيني قبل النكبة، وأيضاً لدراسة المجتمع العربي هناك، والأهم أنهما تلقيان الضوء على ملامح شخصيات فلسطينية سياسية وأدبية وفكرية من أبرزها اميل حبيبي وإميل توما وصليبا خميس وغيرهم.
خذ مثلاً ما كتبه عن حبيبي أديباً وسياسياً. إنه شهادة أديب في أديب عرفه وعمل معه في "الاتحاد" وكان رفيقاً له في الحزب لعقدين وأكثر، وهنا أشير إلى أن كليهما انتمى إلى عصبة التحرر الوطني وأسهم في نشاطها.

كافر سبت:
عندما قرأت سيرة حنا لم تكن رواية عارف الحسيني "كافر سبت" (٢٠١٢) صدرت، وعندما عدت إلى السيرة بعد قراءة رواية الحسيني، قرأت قصة طريفة حدثت مع حنا في القدس أوردها في "مهر البومة"، وكان دونها في مفكرته في صيف ١٩٤٦، تأتي على حكاية "شاباس غوي" - أي كافر سبت - فقد كان يسير في الشارع مع ثلاثة أصدقاء والتقوا بيهودي متدين طلب منهم خدمة جليلة تتمثل في الذهاب معه إلى بيته فقد "دخل السبت ولم نفتح مفتاح النور الكهربائي في البيت ولا يحق لي دينياً أن أفعل ذلك الآن" واستغرب حنا الأمر وقال لليهودي:
"- لا نفهم. نزلت الدرج من البيت وجئت إلى الشارع ثم ستعود معنا ليحرك أحدنا زر الكهرباء؟ هل كل ذلك الجهد مسموح وتحريك الزر ممنوع؟" (ص٦٤).
ولا تخلو السيرة من طرائف تبعث على الابتسام ومثلها الرواية، ولا أعرف إن كان الحسيني قرأ السيرة، ولكني متأكد من أنه كتب عن تجارب مر بها كما كتب حنا عن تجاربه.
(شاباس غوي) ترد في رواية الحسيني (غوي شبات) . (ص١٣١)، ومرة كتبت إن تشابه التجربة يؤدي إلى تشابه الكتابة.