تصريح ترامب حول سد النهضة يسخن الجدل حوله ..صادق الشافعي

السبت 31 أكتوبر 2020 11:31 ص / بتوقيت القدس +2GMT



تصريح الرئيس ترامب حول سد النهضة الإثيوبي وتبرعه بالإعلان نيابة عن مصر أنها قد تقوم بتفجيره ساهم بقوة في فرض السد والخلاف العميق حوله على جدول الأعمال الدولي والإفريقي بالذات، إضافة الى وجوده المستقر منذ سنوات على جدول أعمال دولتي مصر والسودان.
والتصريح بدا واضحا في انحيازه للموقف المحق لمصر.. ثم للسودان تجاه قضية السد.
يمكن قراءة وتفسير تصريح الرئيس ترامب بأي خلفية ولأي سبب، وكلها تبقى على علاقة مباشرة بالانتخابات الرئاسية الأميركية.
يمكن قراءة التصريح مثلا بأنه يستدعي أصوات الجالية المصرية الأميركية لتصوت له.
ويمكن قراءته بأن الرئيس ترامب يريد استعراض نفسه وتقديمها، كرجل سياسي دولي، يهتم ويتابع أمور وقضايا العالم، المعقدة والقابلة للانفجار بالذات.
ويمكن القول، انه يرد التحية للنظام المصري الذي كان من المؤيدين لسياساته ومواقفه الدولية، وبالذات تلك المتعلقة بالمنطقة.
ويمكن القول، انه يرد، وفي التوقيت المناسب له، على تجرؤ إثيوبيا على رفضها لمشروع اتفاق حل لمشكلة السد كانت قد رعته الولايات المتحدة وقبلته كل من مصر والسودان مبدئيا.
لكن هذا التصريح وما يظهره من انحياز، يبدو، ولو على السطح، على خلاف مع الموقف الإسرائيلي المؤيد للموقف الإثيوبي.
فقد ظل الدور الإسرائيلي حاضرا في التوافق مع إثيوبيا حول فكرة ومشروع إقامة السد. ثم الأهداف الإثيوبية من وراء إقامته، المحلية الوطنية منها والقارية. إضافة الى الحديث عن الدعم في مجال الخبرة والتكنولوجيا.
والتصريح أعاد تسليط الضوء على الموقف المتوافق لدولتي مصر والسودان الذي يرى في السد وانفراد إثيوبيا التام بفكرته وتصميمه وملئه ثم تشغيله مسألة أمن قومي.
والدولتان تتمسكان بقوة بضرورة ضمان مصالحهما الحيوية في مياه النيل، وعدم الحاق أي ضرر بها بالتوصل الى اتفاق قانوني ملزم معتمد ومضمون من الاتحاد الإفريقي ومن المجتمع الدولي يتعلق أساسا بملء خزان السد ثم تشغيله وإدارته، ويؤمن لهما الحضور والدور المناسب في ذلك.
إذ دون هذا الاتفاق فإن السد يبقى حكرا خالصا لإثيوبيا في الإدارة والتشغيل، وأيضا في الاستثمار سواء داخل إثيوبيا او على امتداد القارة الإفريقية، وفي تجاوز او انتهاك لحقوق ومصالح طبيعية لمصر والسودان تجاهل لأخطار حقيقية تهددها.
ودون الاتفاق المذكور فإن السد الإثيوبي يلحق أضرارا في السودان وبالذات في بعض السدود المقامة على فروع النيل فيها ومن ثم على الزراعة وعلى مجالات استثمارية أخرى.
اما بالنسبة لمصر فإن الأضرار تقترب كثيرا من أن تكون حياتية ومصيرية.
فمصر كما ظلت تعرّف منذ قرون سحيقة هي «هبة النيل» وتأثير ضرر السد الإثيوبي عليها هو ضرر وجودي يطال أكثر من منحى للحياة فيها ويؤثر مباشرة على الحياة اليومية للناس، ناهيك عن تأثيره على قدرة الدولة على التطور والتقدم، وبما يقود بالنتيجة الى أضعافها وأضعاف دورها في إفريقيا وفي عموم الإقليم المحيط.
رغم جدية كل المخاوف المشار لها، فإن مصر ومعها السودان، لم تهدد يوما بتفجير السد كما تبرع الرئيس ترامب للقول، ولم تلوح حتى، الآن، بعمل عسكري من أي نوع ومستوى، ولا تزال تنتهج العمل السياسي والدبلوماسي الإقليمي والدولي.
وإذا كانت هناك من ملامة فإنها تقع على التحرك المتأخر - وربما جدا - في التعامل مع السد الإثيوبي منذ بدايته والتفاعل مع الأطراف المعنية لضمان ان تتحقق فكرة ومشروع السد دون ان تتعارض او تشكل خطرا او تهديدا لحقوق أي من دول حوض النيل وبالذات مصر.
لقد تعامل نظام مبارك مع الفكرة من بدايتها بنوع من الاستهتار وعدم الملاحقة والتدخل في تفاصيلها التي تتعارض مع المصالح الوطنية المصرية، وترك التخطيط وبدايات التنفيذ تجري على راحتها. ثم جاء نظام الإخوان ليضيف الى الاستهتار التهريج. وفضح التهريج التسريب التلفزيوني لاحد اجتماعات قيادة النظام حين لم يجد أحد المشاركين افضل من اقتراح مسخرة بإرسال فرق رقص الى القيادة الإثيوبية تغريهم بالتراجع عن طموحهم. هذا التعامل من النظامين المذكورين هو ما أعطى الوقت الكافي والتشجيع غير المباشر الذي تحتاجه القيادة الإثيوبية للمضي في مشروعها من الوضع المرتاح وعلى اتساع طموحاتها وتجاوبها مع المغريات والتشجيعات الخارجية.
وهذا ما أوجد حقائق أمر واقع تراكمت واتسعت عبر السنين ليصبح التعامل معها والرجوع عنها أصعب بكثير مما لو تم الانتباه والتعامل المبكر مع المشروع.
ان التعامل يتم، الآن، من واقع ان السد أصبح حقيقة قائمة. ولا أحد يجادل في حق إثيوبيا بالاستفادة منه: ان في داخل حدودها ومشاريعها للتنمية، وان على اتساع القارة الإفريقية وبالذات بمدها بالكهرباء المخطط ان ينتجها السد بكثرة.
الجدل يدور حول حماية مصالح مصر والسودان الحيوية من أخطار حقيقية وأساسية إذا تم ملء السد بداية ثم تشغيله دون أخذ تلك المصالح بالاعتبار والتقيد الضروري بتجنب أي خطر عليها.
والبلدان يطالبان بذلك سلميا، وبالتمسك الراسخ بالوصول الى الاتفاق المضمون الذي تم عرضه وشرحه.