على قاعدة أن السياسة مصالح يعود التطبيع العربي مع إسرائيل وبرغبة الولايات المتحدة بالفائدة على الدول المطبعة كونها دول تفتقر للمقومات والتي من الممكن أن تجعلها في غنى عن التطبيع , فمثلاً مصر والتي فتحت باب السلام مع إسرائيل في نهاية السبعينيات إعتبرت أن التطبيع مع إسرائيل سيخرجها من قمقم الفقر والجهل , أما الأردن في التسعينيات كانت تعتبر دولة ضعيفة نسبياً وبحاجة الى دعم عسكري وأمني وإقتصادي يؤهلها أن تكون ذات وزن وتأثير وقرار , وأما بالنسبة للإمارات والبحرين فهم ليس بحاجة للمال , إنما بحاجة للحماية الأمريكية وبصفتها راعية لمصالح إسرائيل من مخططات إيران العقائدية والسياسية لفرض الهيمنة على دول الخليج كافة , وخاصة السعودية والمؤهلة للتطبيع في القريب العاجل , فهي تعتبر منارة أهل السنة وحاضنة الفكر الوهابي السلفي والمتناقض تماماً مع التيار الشيعي , ولذلك فهي الأكثر عرضة للهجمة الإيرانية الشيعية , وأخيراً وليس بالآخر , السودان فهي دولة ضعيفة وفقيرة ومهددة بالعقوبات الأمريكية كونها تحمل تهمة رعاية الإرهاب الدولي , فهي الأقرب والأكثر حجة للتطبيع مع إسرائيل بسبب ما ذكرت , وحتى فلسطين ممثلة بمنظمة التحرير عقدت إتفاق سلام مع إسرائيل بسبب العجز والتخاذل العربي , ومغادرة العرب لمربع القومية العربية بإتجاه العولمة والإنفتاح والتمييع والمآمرات , ورغم أن سلام منظمة التحرير مع إسرائيل كان حذراً وقائماً على فلسفة أن تجتمع القيادة والشعب والأرض سوياً بعدما تشتت بين مزاجات الأنظمة العربية , ومن هنا فكل إتفاقيات السلام العربية مع إسرائيل ومن ضمنها فلسطين وبرعاية أمريكية , كانت مبررة سياسياً وإقتصاديا وعسكرياً , بسبب عدم وجود قومية عربية حقيقية تشكل قوة مستقلة وصامدة أمام القوى العالمية , وبسبب عدم إمتلاك أي دولة عربية لمقومات تغنيها عن الرعاية الأمريكية .
أما السؤال الذي يدور في فلك الغضب الفلسطيني , وهو "لماذا يطبعون" فهو بحاجة الى إجابة فلسطينية وليس عربية , لأننا كفلسطينيين الأقدر على الإجابة على هذا السؤال , فالإنقسام الفلسطيني الفلسطيني كسر كل حواجز الخجل العربي من قضية التطبيع , فمن السهل عندما نتوجه كفلسطينيين الى أي دولة عربية ونلومها على التطبيع أن تقول لنا "لماذا أنتم منقسمون أليس الإنقسام خيانة كما تعتبرون أن التطبيع خيانة" , هذه الجملة بين قوسين والحاضرة على لسان العرب جميعاً كفيلة أن تكون مبرراً لكل دولة مطبعة مع إسرائيل , وكفيلة أن تحرج كل سياسي فلسطيني يوجه إنتقاد أو يهاجم أي دولة مطبعة مع إسرائيل .
الخائن والثائر والفاسد والصالح والعاقل والمجنون , كلهم سوياً يعتبرون أن الإنقسام أكثر خيانة من التطبيع , ولذلك إختلط الحابل بالنابل , وإختلط الضار بالنافع , وإختلط الخائن بالثائر , إختلطوا تحت مسمى الذنوب الخفيفة نسبة للكبائر , فالإنقسام الفلسطيني هو الكبيرة التي تعطي مبرراً للذنوب الخفيفة عند العرب والمتمثلة بالتطبع كما نراها كفلسطينيين .