من المتوقع أن تنظر المحكمة الإسرائيلية العليا في التماس قدمته جهات حقوقية لفتح ملف تحقيق جنائي بحق مسؤولين إسرائيليين ساعدوا في تنفيذ جرائم ضد البشرية وإبادة شعب في رواندا بسلاح إسرائيلي.
وهذه هي المرة الأولى التي تتداول فيها المحكمة الإسرائيلية العليا المسؤولية الجنائية المتعلقة بتصدير معدات أمنية وأسلحة لدول كثيرة وذلك رغم معارضة إسرائيل للتداول بهذا الموضوع لـ”حساسيته”. وفي مايو/أيار تم تقديم التماس للمحكمة الإسرائيلية العليا يطالب المستشار القضائي للحكومة آفيحاي مندلبيلت بفتح تحقيق جنائي حول تقديم مساعدة لجرائم ضد البشرية وإبادة شعب ضد تجار سلاح إسرائيليين كانوا مسؤولين عن تصدير أمني لرواندا في الفترة التي شهدت البلاد مذابح.
كما طالب الالتماس بفتح تحقيق ضد جهات حكومية إسرائيلية صادقت على التصدير الأمني وقتذاك. ومن هؤلاء المشتبه بهم بتقديم المساعدة للمسؤولين عن المذابح في رواندا المدير العام السابق لوزارة الأمن دافيد عبري، نائب وزير الخارجية الأسبق يوسي بيلين، مدير عام وزارة الخارجية الأسبق أوري سفير، والمستشار القضائي السابق للحكومة المحامي ميخائيل بن يائير.
وللتذكير شهدت رواندا في مثل هذا الشهر عام 1990 حربا أهلية بعد دخول المتمردين التابعين لقبيلة التوستي البلاد من أوغندا. وبعد ثلاث سنوات ونصف السنة من الحرب الأهلية المروعة تم في الرابع من أبريل/نيسان 1994 إطلاق صاروخ نحو طائرة عادت من تنزانيا لعاصمة رواندا كيغالي فتحطمت الطائرة وقتل من كان على متنها من بينهم طاغية رواندا وطاغية جارتها بوروندي.
بدء عمليات الإبادة
على الفور أقامت قوات الأمن والميليشيات التابعة للأحزاب الحاكمة في رواندا الحواجز وقتذاك وبدأوا بتنفيذ جرائم، قتل خلالها في المئة يوم الأول نحو مليون شخص رواندي معظمهم أبناء قبيلة التوتسي وقلة من قبيلة الهوتو، وقد تمت أغلبية الجرائم بالسواطير والبلطات والسكاكين وبأسلحة وقنابل وبنادق رشاشة من طراز “عوزي” الإسرائيلية. وكانت وتيرة إبادة أبناء قبيلة التوتسي الأسرع في العالم مقارنة مع مذابح مشابهة.
ويرى الملتمسون للمحكمة الإسرائيلية العليا أن حكومة رابين الثانية والمدعى عليهم المذكورين أعلاه علاوة على تجار سلاح إسرائيليين مجهولي الهوية صمتوا على الفظائع المروعة في رواندا، بل وكانوا مسؤولين عن تصدير سلاح لرواندا خلال فترة الحرب الأهلية فيها رغم أن كل العالم كان مطلعا عليها وعلى قيام نظام حكم “الهوتو” العنصري بملاحقة قبيلة التوتسي وقتلهم.
وحتى بعد تفجير الطائرة في 1994 وبدء عمليات الإبادة في رواندا استمرت عمليات تصدير السلاح الإسرائيلي لجهات في رواندا التي شهدت مذابح موثقة وقتها. ومن بين هذه الجرائم ضد البشرية شهدت رواندا جرائم قتل جماعية وعمليات إرهابية نفذها النظام الحاكم وقوات الأمن والميليشيات التي قتلت واعتقلت وعذبت واغتصبت. كما ينوه الملتمسون أنه بعد اجتياح المتمردين من أوغندا عام 1990 بدأت “خلايا الموت” التابعة لنظام “الهوتو” تنفذ جرائم قتل على غرار “خلايا الموت” في أمريكا الجنوبية.
استمرار بيع السلاح الإسرائيلي بعد بدء المذابح
من طرفها بعثت المحامية راحيل مطار من النيابة العامة الإسرائيلية مذكرة للجهات الحقوقية مقدمة الالتماس، كشفت فيه أنه فقط في 12 أبريل/نيسان 1994 أي ستة شهور بعد بدء الإبادة في رواندا أمر دافيد عبري مدير عام وزارة الأمن الإسرائيلية وقتها بتجميد التصدير الأمني لرواندا وبورندي. ولكن هذا التجميد لم يكن متأخرا قليلا فحسب، فقد تبين من تقارير ومصادر مختلفة بعضها إسرائيلي أن عمليات بيع السلاح الإسرائيلي استمرت حتى انتهاء أعمال الإبادة في يوليو/ تموز 1994 رغم التجميد المعلن.
ورغم ذلك فقد قررت مطار عدم فتح تحقيق جنائي حول الجهات الإسرائيلية المتورطة بمد منفذي جرائم ضد البشرية بالسلاح. في محاولة لتبرير قرارها قدمت مطار تسلسلا كاذبا للأحداث في رواندا كما يؤكد الحقوقي الإسرائيلي ميخائيل سفارد المعروف بنشاطه الحقوقي والذي أوضح لقناة 13 أن مطار اتخذت قرارها المذكور دون أن تقوم بالتحقيق مع مسؤول أو تاجر سلاح، زاعمة أنه لا يوجد أي إسرائيلي قد علم وقتها ببدء مذابح إبادة في رواندا.
انتهاك القوانين والمواثيق الدولية
في التماسهم يؤكد الملتمسون أنه ليس من وظيفة المدعى عليهم ولا من وظيفة مطار أن يصلوا لرواندا مع جهاز قياس لاتخاذ قرارات بناء على ارتفاع أكوام جثث قتلى قبيلة التوتسي. ويؤكدون أنه كان على إسرائيل وقف بيع السلاح لرواندا وقتا طويلا قبل بدء تنفيذ جرائم الإبادة حينما قتل “فقط” آلاف من التوتسي.
ويتابع الالتماس: “هؤلاء لم يوقفوا بيع السلاح لرواندا، وينبغي فتح ملف تحقيق معهم اليوم ومقاضاتهم اليوم”. ويؤكد الملتمسون أيضا أن قرار مطار لا يستوي مع معايير القوانين المحلية والدولية ويخالف الواجبات الملقاة على إسرائيل حسب ميثاق دولي لمنع جرائم الإبادة من 1948 والقاضي بمحاكمة من يقترف مثل هذه الجرائم. أكثر من ذلك يؤكد مقدمو الالتماس أنه من الناحية الأخلاقية فإن عمليات التغطية والتهرب في هذه القضية الخطيرة لا تقل خطورة عن بيع السلاح للقتلة في رواندا.
ناشطون وأكاديميون
ومقدمو للالتماس هم باحث في عمليات الإبادة بروفيسور يائير أورون والناشطون في مجال حقوق الإنسان بروفيسور فارونيكا كوهن، دكتور روحاما مورتون، ونحو عشرين من الناشطين الحقوقيين والأكاديميين الإسرائيليين الذين تمثلهم المحامية إيتي ماك. ومن المنتظر أن تصدر المحكمة الإسرائيلية العليا قرارا إذا ما كان هناك مجال للنظر في هذا الالتماس لفتح ملف تحقيق حول مسؤولين وتجار سلاح إسرائيليين شاركوا بمد قتلة رواندا بالسلاح قبل ثلاثين عاما.
يشار إلى أن المستشار القضائي للحكومة قد أوصى برفض الالتماس وعدم فتح ملف تحقيق وسبق أن تحاشى جهاز القضاء الإسرائيلي التداول بدعاوى مشابهة بسبب “حساسية الموضوع بالنسبة لإسرائيل”. من جهتها قالت المحامية إيتي ماك لصحيفة “معاريف” إن مجرد تداول المحكمة العليا ونظرها بالالتماس يعطي الأمل بأن ترى العدالة في واحدة من الفضائح الكبرى التي تتم محاولة التستر عليها.
أمنستي: إسرائيل تصدر السلاح وأجهزة تجسس وتعقب لــ130 دولة من بينها الإمارات
يشار إلى أن منظمة العفو الدولية (أمنستي) كشفت في تقريرها في العام الماضي معلومات جديدة عن تورط إسرائيل بصفقات بيع أسلحة وأجهزة تجسس لدول وأنظمة استبدادية في العالم تستخدم في ارتكاب جرائم قتل وفي الملاحقة والاضطهاد من بينها الإمارات العربية المتحدة.
العفو الدولية التي توجه إصبع الاتهام لإسرائيل تقول إنها ما زالت تصدر الأسلحة إلى دول تنتهك حقوق الإنسان بشكل منهجي. وتحت عنوان “صورة مرعبة” قالت صحيفة “هآرتس” التي نشرت حصريا معظم ما جاء في تقرير أمنستي في 16.05.2019: “إن الأحداث المتلاحقة في الشهور الأخيرة كتبادل النار مع غزة والانتخابات للكنيست والتوتر بين الولايات المتحدة وإيران تحجب الرؤية ولا تترك وقتا للانشغال بقضية تصدير دولة الاحتلال للسلاح وأجهزة التجسس لدول كثيرة، كثير منها محكومة من قبل أنظمة ظلامية”، منوهة أن السلاح الإسرائيلي يصدر إلى 130 دولة.