هآرتس: كيف يقيس الإسرائيليون المسافة بين شاطئ تل أبيب وموسم الزيتون في الضفة الغربية؟

الخميس 15 أكتوبر 2020 08:17 م / بتوقيت القدس +2GMT
هآرتس: كيف يقيس الإسرائيليون المسافة بين شاطئ تل أبيب وموسم الزيتون في الضفة الغربية؟



القدس المحتلة /سما/

هآرتس - بقلم: الصحفي الاسرائيلي جدعون ليفي  "هاكم كل الموضوع في فيلمين قصيرين جداً. الفيديو الأول: فتاة من تل أبيب على شاطئ البحر بالمايوه. هذا ممنوع الآن حسب اللوائح. تقدم شرطي منها وطلب بلطف غير اعتيادي أن تعرف عن نفسها، من أجل إصدار مخالفة لها. لكنها رفضت التعريف عن نفسها. حاول الشرطي “عميت” إقناعها بذلك، وأنها إذا لم تعرف عن نفسها فسيضطر إلى اعتقالها. نهضت الفتاة وبدأت بالسير متجاهلة الشرطي بصورة فظة. “لن تكبلني”، قالت له. حاول الشرطي إقناعها، لكن قبل لحظة من مغادرتها باستخفاف قام بتكبيلها واعتقالها. تحولت لحظة التكبيل إلى لحظة فيروسية. فقط هي ما نشروها في الشبكات الاجتماعية. شرطي عبري يعتقل فتاة عبرية بالمايوه دون ذنب اقترفته. أصبحت الفاشية هنا. انتهى عهد الديمقراطية. المواطنون يخطفون.. اعتقالات سياسية.. ديكتاتورية.. شمولية.. استبداد.. بينوشيه على الشاطئ، وموسوليني على الرمال.

فتاة البحر هذه سرعان ما تم إطلاق سراحها. ونشرت الشرطة الفيلم الكامل عما سبق اعتقالها المقدس، وخبت العاصفة قليلاً. ربما تحجم الفاشية عن الوصول إلى شاطئ بحر تل أبيب، لكنها بالتأكيد في الطريق. الحقيقة هي أن الشرطي قام بتكبيل الفتاة بأصفاد حديدية.

الفيديو الثاني: مزارعون فلسطينيون من قرية برقة في ط ريقهم لقطف زيتون أراضيهم الخاصة التي يقومون بفلاحتها. ثمة مجموعة من زعران المستوطنين، مع عصي مخبأة تحت قمصانهم، كمنت لهم في الحقل: “هذه الأرض ملكي. الله أعطانا إياها. وعليكم أن تغادروا أرضنا. أنا ابن الله وأنت عبده”، نبح بصورة متعالية ومقرفة أحد زعران البؤرة الاستيطانية غير القانوني عوز تسيون. لا يوجدجيش أو شرطة، لكن بعد سنوات من السلوك الحائف والمستخذي، يحاول قاطفو الزيتون أخيراً الدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم. مجموعة من الشباب الفلسطينيين ينظمون “الفزعة”، الهادفة إلى الدفاع عن قاطفي الزيتون، يرافقونهم إلى الحقول، وينجحون بصورة مدهشة في طرد زعران المستوطنين من أراضيهم بالحجارة. والمستوطنون يرشقون الحجارة، بما في ذلك على أيهود حمو، مراسل “أخبار 12” الذي وثق الحادثة.

وثق حمو واقعاً يومياً في موسم قطف الزيتون. بالنسبة للفلسطينيين، تحول موسم قطف الزيتون منذ سنوات (الذي هو حدث زراعي وعائلي جميل ومؤثر) إلى حرب. وبفضل تفاني حمو، شاهد الإسرائيليون أول أمس هذا الواقع للحظة، والذي أقلق الكثير من الإسرائيليين المحترمين، الذين خجلوا من هذا المشهد. ولكن لا أحد خرج للتظاهر حاملاً الطناجر في الشوارع. وإذا كان لعاصفة صغيرة أن تندلع فبسبب إصابة حمو، وبسبب القلق على سلامته. لم يتحدث أحد عن الفاشية أو الاستبداد أو نهاية الديمقراطية. لا يدور الحديث هنا عن تكبيل فتاة يهودية على شاطئ البحر.

احتجاج مقابل احتجاج. احتجاج الفلاحين الفلسطينيين المنهوبين والمحرومين من الحقوق والذين يحاولون النضال من أجل ما تبقى من ممتلكاتهم وما تبقى من كرامتهم، واحتجاج الإسرائيليين اليهود ذوي الامتيازات، الذين يريدون لأنفسهم رئيس حكومة آخر ويتباكون على نهاية ديمقراطيتهم. أحد هذه الاحتجاجات يثير النفوس. والثاني تتجاهله إسرائيل، ولكنهما مرتبطان ببعضهما. ليس بالإمكان المطالبة بديمقراطية دون المطالبة بديمقراطية للجميع، وليس هناك ديمقراطية دون أن تكون للجميع. الفاشية الإسرائيلية تتجلى في برقة، لكنها تغيب عن شاطئ بحر تل أبيب.

لهذا، ليس بالإمكان التعامل مع الاحتجاج في بلفور بجدية كبيرة: لم يكن بالإمكان قطف الزيتون في برقة بسبب الفاشية، ولا يهم ذلك المتظاهرين في بلفور، عندها فإن بلفور ليست حركة احتجاج مناوئة للفاشية أو مؤيدة للديمقراطية، مثلما تتفاخر أن تكون، رغم كل الكلمات الجميلة. طالما يسيطر استبداد عسكري تدعمه مليشيات عنيفة منفلتة العقال في برقة، فلن تكون إسرائيل ديمقراطية حتى ولو حقق احتجاج بلفور أهدافه وتم إرسال بنيامين نتنياهو إلى السجن في ظل هتافات فرح المحتجين.

إما أن تطالبوا بديمقراطية للجميع أو أن لا تتحدثوا عن الديمقراطية.