هآرتس - بقلم: عميره هاس "في العام 2019 ازدادت قوة الحمائل في الضفة الغربية كبديل عن سلطة القانون ومؤسسات الدولة، وكدليل على ضعف سلطة القانون. هذا الحكم الانتقادي يظهر في التقرير السنوي الـ 12 لـ “أمان”، وهي منظمة هدفها تشجيع الشفافية، وتحمل المسؤولية الشخصية والاستقامة في سلوك مؤسسات السلطة الفلسطينية ونظام الحكم الفعلي في قطاع غزة (أي حكم حماس).
وثمة وصف لوضع تحذير من خطر زيادة التفكك الداخلي، بسبب الاحتلال، وبسبب أخطاء وإخفاقات متخذي القرارات. لذلك، يعدّ التقرير دليلاً على أهمية المجتمع الفلسطيني الذي يجد طرقاً لإسماع انتقاده الداخلي والمطالبة بالإصلاحات، رغم نهج الحكم المستقل والمستبد والقمعي الذي تطور في ظل حكم حركة فتح في جيوب الضفة الغربية، وفي ظل حكم حماس في قطاع غزة.
المجتمع الذي تسوده فرضية أساسية بأن النظام المؤسساتي الرسمي غارق في الفساد، فان “أمان” التي تناضل ضد الفساد، سمحت لنفسها باتخاذ موقف غير سياسي. المثال الذي أورده في تطرقه الانتقادي لقوة “الحمائل” (العائلات الكبيرة والمحافظة) يتعلق بإسقاط قانون الضمان الاجتماعي، حيث خرج آلاف الفلسطينيين في السنة الماضية للتظاهر ضده.
وجدت هذه الحمائلية تعبيرها الفظ في الربط بين عائلات كبيرة وقوية في الخليل، وتحديداً مع حزب التحرير الإسلامي الذي عارض القانون. لا يذكر التقرير هذه التفاصيل بصورة صريحة، إنما يشير إلى تقوية تأثير جماعات دينية تسيست، وإلى “النمو الذي لا ينكره أي أحد للحمائل المرتبطة بها”. القانون الذي اقتُرح في 2016 استهدف ضمان تخصيص مبالغ للتقاعد وإجازة ولادة ومخصصات في حالة حوادث العمل للعاملين في القطاع الخاص.
عارض القطاع التجاري هذا القانون. وكثير من العائلات الموسعة والكبيرة في الخليل لديها مصالح تجارية، ومؤيدة لحزب التحرير. يذكر تقرير “أمان” أن “الحمائل وحلفاءها يدعمها أشخاص متنفذون في القطاع الخاص، رغم أن القانون وعد بمواصلة الحوار بين جميع السلطات ذات العلاقة للتوصل إلى اتفاق وطني حول توجيهاته”. معارضتهم للقانون وجدت آذاناً مصغية: لم يصدق الجمهور أن السلطة الفلسطينية لن تسرق الأموال لتلبية مصالحها ومصالح حركة فتح. وبضغط المظاهرات وقوة الحمائل الكبيرة، أمر محمود عباس بإلغاء القانون.
يشير التقرير إلى نقطة تدهور أخرى في 2019، عندما قام الرئيس عباس بحل المجلس التشريعي الفلسطيني دون تحديد موعد للانتخابات الجديدة. المجلس لم يقم فعلياً بعمله كمجلس تشريعي منذ انتخابه في العام 2006، ورسمياً انتهت صلاحيته في العام 2010 – لكن النواب، على الأقل بعضهم، حاولوا الإشراف ما على الحكومة الفلسطينية. ويوحي التقرير بعلاقة بين شلل السلطة التشريعية وتعزيز قوة الحمائل كجماعات ضغط من خلال سلوك المجالس المحلية. إلى ذلك، يمكن أن نضيف ضعف الجهاز القضائي الذي تتدخل “قوى سياسية” (عباس وحركة فتح) في تشكيله وتعييناته.
التقرير المطول الأخير (136 صفحة بالإنجليزية و134 بالعربية) صدر في الأسبوع الماضي. ويستعرض بالتفصيل الثغرات التي تسمح بالفساد: في السياسة (“قرارات تتركز في أيدي أشخاص قلائل”، واستمرار تعيين المقربين في وظائف رفيعة وخاصة، رغم الإعلان عن خفض النفقات الحكومية)، وفي المؤسسات الرسمية والقطاع الخاص، وبشروط تشغيل منظمات دولية (التي تسمح لموظفيها الفلسطينيين بالتهرب من دفع الضرائب) وفي قطاع غزة.
ولإظهار الروح الإيجابية، يشير التقرير إلى عدة نقاط حدث فيها تقدم في العام 2019، فعلى سبيل المثال، قررت الحكومة تشكيل نظام يمنع إعطاء هدايا ورشوة للموظفين في القطاع العام، ونظام يدافع عن مقدمي المعلومات عن الفساد في القطاع العام ويشجع المواطنين على تقديم الشكاوى؛ وزادت هيئة محاربة الفساد عدد الشكاوى التي حولتها للنيابة العامة بهدف تقديم لوائح اتهام، وقد زادت ثقة الجمهور بهذه الهيئة أيضاً بسبب استبدال من ترأسها، كذلك قامت المجالس المحلية بتحسين تقديم المعلومات عن نشاطاتها للجمهور.
مقابل ذلك، ينتقد التقرير بصورة عامة عدم الشفافية كوضع معطى: تتباطأ الحكومة في الموافقة على قانون حرية المعلومات، وتعطى القرارات للجمهور على شكل عناوين دون تفاصيل، وتتأخر زارة المالية كثيراً في تقديم تقارير سنوية، وجمعية “أمان” لم تجب على طلباتها للحصول على المعلومات في مجالات مختلفة، كذلك، كل ما هو مرتبط بالأموال التي يقوم الاحتلال (إسرائيل) باقتطاعها من ضرائب الجمهور الفلسطيني، يكتنفه الضباب.
“أمان” – الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة – تم تأسيسها في العام 2000 بمبادرة عدد من المنظمات غير الحكومية التي عملت في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان والحوكمة. وتم الاعتراف بـها في 2006 كفرع فلسطيني في المنظمة الدولية “ترانسبرنسي انترناشيونال”. وهي تدعو الناس في هذه الأيام إلى التوصية بمرشحهم من أجل الحصول على الجائزة السنوية التي تمنحها لمن يكشفون عن الفساد في مناطق القطاع والضفة الغربية.