كتب الخبير بشؤون السودان أليكس دي وال مقالا حلل فيه الدوافع التي تقف وراء دفع إدارة الرئيس دونالد ترامب للسودان كي يطبع علاقاته مع إسرائيل ونشره موقع "بي بي سي".
وقال إن السودان تخلص من حكم عمر البشير قبل عام ونصف تقريبا ولو طبع علاقاته مع إسرائيل فسترد واشنطن بشطب اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب مما يفتح الباب أمام الدعم الاقتصادي.
ويرى الكاتب أن القصة معقدة وتعود إلى 30 عاما وللأيام الأولى لحكم البشير للسودان. حينما قررت الإدارة الأمريكية وضع السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب بعد أول عملية للقاعدة ضد أمريكا.
واضطر السودان بعد ثلاثة أعوام للطلب من زعيم القاعدة أسامة بن لادن مغادرة أراضيه وذلك بعد ضغوط من الدول الجارة التي تدعم المتمردين السودانيين. وبعد هجمات أيلول/ سبتمبر 2001 تحول السودان لرصيد مهم للمخابرات الأمريكية وكان تعاونه معها كافيا لرفعه عن قائمة الدول الراعية للإرهاب.
ولكن أعضاء الكونغرس كانوا معادين للخرطوم لعدد من الأسباب منها انتهاكات حقوق الإنسان في دارفور ولهذا ظل التصنيف في مكانه. وظلت حكومة البشير تعمل في الظل حيث فتحت علاقات مع إيران وحماس. وقام الطيران الإسرائيلي في مناسبتين بضرب قوافل عسكرية كانت تسافر من ساحل السودان على البحر الأحمر بزعم أنها تحمل أسلحة لحماس.
وفي عام 2016 وبناء على ضغوط من الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة أوقفت الخرطوم علاقاتها مع طهران. وبعد التحول في العام الماضي كانت الإدارة بطيئة بالتحرك ورغبت بالحفاظ على ورقة الضغط لخوفها من عدم استمرار النظام الجديد. والمشكلة هي أن الإبقاء على العقوبات كانت تعني جعل السودان في حالة من الفشل الدائم.
فبدون رفع السودان عن القائمة ستظل التجارة السودانية الحقيقية مقيدة وبدون فرصة للحصول على استثمارات أجنبية مباشرة فيما لا يمكن لصندوق النقد الدولي التدخل وتقديم حزمة مساعدة في الدين العام الذي يصل إلى 72 مليار دولار وفي تزايد مستمر. ووصل مستوى الجوع في السودان لمستويات غير مسبوقة.
وزاد الوضع سوءا فيضانات يشهدها البلد بالإضافة إلى انتشار فيروس كورونا. وهذه أزمة لا يمكن حلها من خلال مساعدات بل بحزمة إنقاذ واسعة. وفي الأشهر الماضية تم التقدم لتشريع في الكونغرس لرفع السودان عن قائمة الدول الراعية للإرهاب. وعرقله مطالب عائلات ضحايا تفجيرات نيروبي ودار السلام في عام 1998 بالتعويضات. ووافق السودان على دفع 335 مليون دولار.
وفي أيلول/سبتمبر عطل النائبان الديمقراطيان تشاك تشومر وبوب ميننديز المشروع من أجل السماح لعائلات ضحايا 9/11 بالمطالبة بتعويضات.
وكمخرج قدمت إدارة ترامب حلا للخرطوم، ففي آب/أغسطس زار وزير الخارجية مايك بومبيو الخرطوم واجتمع مع رئيس الوزراء الانتقالي عبد الله حمدوك وعرض اعتراف السودان بإسرائيل حتى يستطيع ترامب التحايل على عقبة الكونغرس. وكان قرار السودان سيمثل دفعة للإدارة خاصة أنه سيحدث بعد قرار الإمارات العربية والبحرين التطبيع مع إسرائيل.
وبالنسبة للسودان فسيكون القرار خطوة كبيرة. ومن أشد المعارضين للخطوة هم الإسلاميون الذين خسروا السلطة ولكن داخل الائتلاف الحاكم هناك أصوات معارضة وتؤكد على أهمية السلام مع الفلسطينيين أولا. ويعرف حمدوك أن ائتلافه سيتمزق لو اتخذ القرار. ورغم إدارة المدنيين للسلطة إلا أن القوة الحقيقية هي للجنرالات.
فبدعم من مصر والسعودية والإمارات يقود الجنرال عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو "حميدتي" الجيش والمال. وهؤلاء هم أنفسهم الجنرالات الذين يتعاملون مع إسرائيل. والتقى البرهان مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في كمبالا، العاصمة الأوغندية في شهر شباط/فبراير بدون إخبار حمدوك. وبالنسبة للبرهان وحميدتي فالصفقة الأمريكية- الإسرائيلية تعطيهم الاعتراف الدولي الذي يبحثان عنه بدون الحاجة إلى الديمقراطية.
لهذا السبب يطالب الديمقراطيون في السودان بالتدقيق في الخطوة. وعندما أطيح بالبشير العام الماضي سيطر البرهان وحميدتي على السلطة. وبعد شهرين قتلت قوات الجيش 100 من المتظاهرين. وهو ما قاد إلى حالة شجب واسعة. وتم لاحقا الاتفاق على صفقة مشاركة في السلطة بين المدنيين والعسكريين رعته الولايات المتحدة وساعدت به السعودية والإمارات.
والقضية هنا أن الجنرالات قبلوا بالمشاركة مع المدنيين لأن هؤلاء يعطونهم الشرعية والاحترام الدولي، فيما لم يغفر الناس لهم الوحشية التي مارسوها مع المتظاهرين. وتسيطر مجموعة من الضباط- رجال الأعمال على إمبراطورية مالية في الظل أنشئت في عهد البشير أصبحت قوية مع مرور الوقت.
وعندما تنفد الأموال لدى المصرف المركزي ولا يستطيع دفع رواتب الموظفين، يستجدي هؤلاء الجنرالات لتقديم الدعم. وبالنسبة لإسرائيل فالاعتراف بها ستكون هدية كبيرة لكن بالنسبة للأمريكيين والإسرائيليين الذين احتجوا ضد الانتهاكات في دارفور فمكافأة الجنرالات الذين ارتكبوها ومنحهم الشرعية ستكون خطوة لا أخلاقية.
وموقف حمدوك منطقي فهو يفرق بين رفع السودان عن قائمة الدول الراعية للإرهاب والاعتراف بإسرائيل. وهو يقول إنه يجب رفع السودان عن قائمة الإرهاب لأنه طرد الإرهابيين من أراضيه وإنقاذ ديمقراطيته هدف يستحق الدعم.