حمل رئيس حكومة الاحتلال السابق إيهود أولمرت على خليفته بنيامين نتنياهو واتهمه بقيادة عصابة تهدم كل ما يعترضه من مؤسسات وقيم ديموقراطية، مؤكدا أن إسرائيل تعاني من فقدان كوابح تحد من استفراد حكومتها بالقوة، ويعترف أنها تغيب خمس سكانها، المواطنين العرب الفلسطينيين.
ويقول أولمرت إن نظام الحكم في إسرائيل عام 2020 موجود بيد قيادة فوضوية مدفوعة بحوافز منفلتة لهدم كل مراسي وقواعد الديموقراطية فيها، لافتا إلى أن حملة التحريض والتهويش على محكمة العدل العليا تجاوزت كل حد معقول. في مقال نشرته صحيفة “معاريف” يحذر أولمرت من تفاقم الجدل الجماهيري المتزايد سخونة ومن اقترابه من نقطة الغليان ويقدم تفسيرات لهذه الحالة الراهنة في إسرائيل اليوم.
ويقول أولمرت إن هناك من يرى بالأجواء السائدة تعبيرا عن التشظي والفوارق الآخذة بالاتساع بين اليمين واليسار، بين الشرقيين والغربيين، بين “إسرائيل الأولى” وبين “إسرائيل الثانية”، بين من يريدها “أرض إسرائيل الكبرى”، وبين من يعتقد أن السلام مع الفلسطينيين يلزم بانسحاب من قسم كبير من الضفة الغربية المحتلة ومن الجزء العربي من القدس.
ويتابع أولمرت: “بالطبع يمكن طرح انشقاقات إضافية: الأطراف مقابل المركز، المتدينون المتزمتون مقابل العلمانيين، اليهود مقابل العرب. كل هذه المعاينات تقف واقعا قائما ولكن هناك مركب حاسم واحد يؤثر جدا وأكثر من كل بقية العوامل على حالة الاستقطاب والتشظي الملازمة للمجتمع الإسرائيلي: طمع النظام الحاكم بقوة سياسية لا حدود لها- مقابل فهم مفاده أن العيش داخل نظام ديموقراطي يلزم تقييد صلاحيات السلطة الحاكمة وكبحها كشرط حيوي لصيانة الاستقرار، الموازنة والتكافل للمجتمع كافته”، موضحا أن كل الديموقراطيات مبنية على مفهوم تحديد قوة السلطة كشرط أساس لبقائها، منبها أن الحديث يدور هنا ليس عن مركب واحد بل عن عدة قواعد مركبة ومنظمات ومؤسسات.
ويعتبر أن الكنيست مركب حيوي في توزيع القوى السلطوية ولا حاجة بالتوسع في تبيان مدى حيوية النظام القضائي المستتب- خاصة في دولة كإسرائيل تخلو من الدستور بعكس الولايات المتحدة على سبيل المثال.
قيادة منفلتة وفوضوية
ويضيف: “بالتأكيد محقون من يرون بضرورة حظر وجود قوة زائدة لدى المحكمة تتجاوز ما رسم لها أصلا. مبدئيا هذه مقولة صحيحة لكن حملة التحريض على الجهاز القضائي خاصة المحكمة العليا وتصويرها كأنها عدوة النظام الديموقراطي تجاوزت منذ زمن بعيد الحد المنطقي. كانت هناك قرارات خاطئة للمحكمة العليا بيد أن الزعم أن المحاكم قررت بالتعاون مع النيابة العامة القيام بانقلاب سلطوي هو زعم كاذب لا أساس له وينبغي مكافحته بقوة ومرد مثل هذه المزاعم يعود للمرض الخطير الذي تكابده إسرائيل اليوم وهذا المرض ليس الكورونا مهما كانت جائحة خطيرة ومخيفة، إنما هو فقدان السلطة المركزية كوابح قوتها وصلاحياتها ومساعيها لاستغلال هذه الصلاحيات لتحقيق أهداف بعيدة كل البعد عن مصالح الإسرائيليين”.
في السطر الأخير يرى أولمرت أن أي نظام ديموقراطي حتى لو توفرت به المركبات المذكورة لا يستطيع أن يكون مستقرا بحال كانت الصلاحية السياسية بيد من هم غير معنيين وليس لديهم فهم أو التزام بتعريف حدود واضحة لممارسة القوة السلطوية. ويؤكد أولمرت أنه في إسرائيل اليوم فإن السلطة موجودة بأيد منفلتة فوضوية ويقودها شخص غير راغب وغير قادر للقيام بأي تمييز بين احتياجات الدولة والقيم الأساسية التي ينبغي أن تقوم عليها وبين احتياجاته ورغباته وطموحاته ومصالحه هو وزوجته وولديه.
وينبه أولمرت للآتي ويقول: “صحيح أن الدعامات والأسس الديموقراطية الخاصة بإسرائيل كدولة ما زالت قائمة ونشطة لكن الافتراض بأنها قادرة على مواجهة استغلال سيئ للصلاحيات من قبل قيادة سياسية هو ليس وهما يتبدد في الأيام الأخيرة”.
خلية تصفية
ويشير أولمرت إلى أن أغلبية الأنظمة الديموقراطية التي انهارت كانت تشمل كل المركبات الحيوية الخاصة بالدفاع عن ذاتها: حق الانتخاب المتساوي لكل المواطنين، برلمان تمثيلي، محاكم، صحف حرة، حياة أكاديمية فعالة وموروث ديموقراطي غني، ومع ذلك فقد انهارت بعد قيام قياداتها السياسية بقضم تدريجي لقدرة المؤسسات هذه على أداء وظائفها.
ويضيف في تلميح خفي لألمانيا النازية: “سأمتنع عن خيار تعداد الدول التي شهدت انهيار الديموقراطية كي لا أتيح للثلة الحقيرة المحيطة برئيس الحكومة وأسرته فرصة إضافية للتحريض الذي يمارسونه حاليا بمنهجية وبشكل مثابر وبشكل لا يمكن تجاهله. مثل هذه الأمور حدثت في الماضي ونحن نتقدم في هذا المسار السريع الذي يثير شعورا بالقشعريرة”.
ويذكر أولمرت بأن القاعدة الأساسية جدا للحياة الديموقراطية تكمن بالحق المتساوي لكل المواطنين بالترشح وبالانتخاب وبدونه ليس هناك أي احتمال بوجود مجتمع مبني على تكافل واحترام متبادلين وعلى قدرة مكونات هذا المجتمع على التعاون والتطور والازدهار وصياغة جودة حياة جديرة.
ويتابع أولمرت مشيرا لإقصاء المواطنين العرب الفلسطينيين من صناعة القرارات رغم أنهم يشكلون 18% من السكان في إسرائيل: “صحيح أنه في إسرائيل تمت حراسة هذه القاعدة لكن خمس مواطنيها لا يؤخذون بالحسبان عند احتساب وصياغة علاقات القوى السياسية، والنتيجة تكون أن من يعارض اليمين الفاشي الذي يقوده نتنياهو عليه أن يستجمع قوة هي في الواقع وبشكل جوهري أكثر من نصف المصوتين في إسرائيل”.
وينبه أولمرت بالقول إنه صحيح حتى الآن لم يتم تقييد حق المواطنين العرب بالتصويت لكن التحريض غير المتوقف عليهم واتهام نوابهم في الكنيست بالخونة الراغبين بتدمير إسرائيل من الداخل ويدعمون الإرهاب العنيف- كل ذلك ينتج جوا من التحفظ والابتعاد عنهم من قبل قسم من الأحزاب اليهودية بشكل يشوش توزيع موارد القوة السياسية.
ويضيف: “تحول البرلمان (الكنيست) في أحسن الأحوال إلى عرض مسرحي يثير الاشمئزاز والاغتراب لدى الكثير من المواطنين الذين بدأوا يتساءلون خاصة في منتديات التواصل الاجتماعي ما الحاجة للبرلمان؟ والحكومة تكاد لا تلتئم في جلسات ثابتة والهيئة القيادية الخاصة بمكافحة الكورونا ليست جدية وفاشلة وعاجزة عن مواجهة الفايروس المتفشي بسرعة فائقة في إسرائيل، أما المحاكم والنيابة العامة ومؤسسات حفظ القانون فتبدي ضعفا مقلقا مقابل هجمات غير متوقفة تتعرض لها من قبل سياسيين”.
قوانين الطوارئ الانتدابية
ويضيف أولمرت الذي تتميز علاقاته الشخصية بنتنياهو بالخصومة والكراهية: “ولولا ذلك لكانت الشرطة قد استعجلت التحقيق في ملفات وشبهات تدور حول تور ط نتنياهو بمنح ألمانيا ضوءا أخضر لبيع غواصات لمصر والكشف عن وثائق تثبت جني نتنياهو أرباحا تقدر بـ16 مليون يورو من خلال صفقة تدخل فيها من وراء الكواليس عندما كان نائبا في الكنيست. لو لم تكن النيابة العامة مستضعفة لبادرت لاتخاذ خطوات قاسية ضد نتنياهو الذي ينتهك قرارات المحاكم في مواضيع شتى. ولو لم تكن المحكمة العليا مستضعفة وخائفة من القيام بواجباتها لبادرت لمداولات فورية وتتخذ قرارات جوهرية مقابل السلوك الإجرامي لرئيس الحكومة وعصابة مساعديه”.
ويتابع: “هذا لا يحدث لوجود عصابة بدون أي كوابح تقودها خلية تصفيات ثلاثية: رئيس الحكومة وزوجته وابنهما وهم يبدون يوميا محفزا لهدم كل ما يعترض طريقهم بما في ذلك دعامات وقواعد يرتهن بها استقرار دولة إسرائيل”. يشار إلى أن نتنياهو والوزراء المقربين منه باتوا يجاهرون بأن الهدف من الإغلاق الذي فرض ويستمر لمدة أسبوعين على الأقل هو منع المظاهرات ضده وتطالبه بالاستقالة على خلفية تهم الفساد والفشل بمواجهة استشراء عدوى الكورونا.
وبهذا السياق قال رئيس الائتلاف الحاكم في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) ميكي زوهر بأن الحكومة ربما تقوم بتفعيل قوانين الطوارئ الموروثة من الانتداب البريطاني وذلك لحظر المظاهرات “كونها تؤدي لتفشي الفايروس” مثلها مثل الصلوات في دور العبادة. ويشكل هذا الموضوع محط خلاف كبير بين الحزبين الكبيرين في الحكومة “الليكود” و”أزرق- أبيض” مما يزيد من احتمالات سقوط هذه الحكومة ذات الرأسين المتخاصمين.