أفشل "المحور الإماراتي" في جامعة الدول العربية، إصدار مشروع قرار فلسطيني رافض للاتفاق الثلاثي الأميركي - الإسرائيلي - الإماراتي، في اجتماع وزراء الخارجية العرب، الأربعاء، بسبب عدم توافق الدول العربية عليه؛ ما اعتبر فلسطينيًا دعوة للتطبيع مع إسرائيل وانقلابا على مبادرة السلام العربية.
وعملت الإمارات جاهدة، بالتعاون مع الدول العربية الداعمة لاتفاق التحالف الإماراتي - الإسرائيلي، مثل السعودية والبحرين ومصر، على إسقاط مشروع القرار الذي يُدين الاتفاق، على الرغم من تخفيف من حدة اللهجة الفلسطينية.
تفاصيل إسقاط مشروع فلسطيني يُدين "التطبيع"
وأكد السفير المناوب لفلسطين في جامعة الدول العربية، مهند العكلوك، أنه "كان هناك إصرار من دولة فلسطين على نقطة واحدة وهي: إدانة الخروج على مبادرة السلام العربية"، ونقلت صحيفة "العربي الجديد"، عن مصادر دبلوماسية رفيعة أنه "كان واضحا أن وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، لديه تعليمات صارمة من الرئيس محمود عباس، بأن لا يتنازل عن هذه النقطة".
وأوضح العكلوك أن "الدول العربية، وعلى رأسها الإمارات والبحرين ومصر، سعت جاهدة على مدار ساعتين لإسقاط هذه النقطة، مما دفع المالكي للقول أمام رؤساء الخارجية المجتمعين لديكم اقتراحان؛ إما تعليق الاجتماع لساعات أو أيام حتى يتم التوافق، أو تسقطوا البند من جدول الأعمال، وبالتالي عندما رفضوا التعليق تم إسقاط البند، أي أن مشروع القرار الفلسطيني قد سقط".
وأضاف أنه "كان هناك بند فرعي على جدول أعمال المجلس سيبحث تحته البيان الثلاثي الإماراتي الإسرائيلي الأميركي". وأوضح أن فلسطين طلبت بأن تكون مناقشة البند تحت عنوان "بحث تداعيات اتفاق التطبيع على القضية الفلسطينية، ومبادرة السلام العربية".
وفي تصريحاته عن الإمارات خلال اجتماع جامعة الدول العربية بالقاهرة، أطلق وزير الخارجية الفلسطيني، المالكي، أوصافا على الاتفاق من قبيل "المفاجأة" و"التطبيع" و"الزلزال" الذي أصاب الإجماع العربي؛ لكنه تجنب استخدام تعبيرات قوية على غرار "الخيانة" التي استخدمها الزعماء الفلسطينيون في أعقاب الإعلان عن الاتفاق.
وأعرب المالكي عن استيائه لغياب الإجماع العربي الذي منع انعقاد قمة طارئة بناء على طلب الفلسطينيين عقب إعلان 13 آب/ أغسطس. علما بأن البحرين والإمارات حاولتا عرقلة انعقاد الجلسة أكثر من مرّة، ورحّلت إلى الأربعاء بعد أكثر من شهر على إعلان التحالف، وهدّدت الإمارات، بحسب "العربي الجديد"، بالانسحاب من اجتماع الجامعة بعد تقديم السلطة الفلسطينية مشروع قانون يرفض التطبيع الإماراتي الإسرائيلي.
ودعا المالكي إلى الرفض الفوري لاتفاق التطبيع قبل حفل التوقيع المقرر في البيت الأبيض الأسبوع المقبل. من جانبه، كما طالب المالكي، نظراءه العرب بـ"موقف رافض لهذا الخطوة، وإلّا سيعتبر اجتماعنا هذا مباركة للخطوة أو تواطوءًا معها، أو غطاء لها، وهذا ما لن تقبله دولة فلسطين".
ممارسة الضغط على الجانب الفلسطيني
وأشار السفير الفلسطيني المناوب في الجامعة العربية، العكلوك، إلى أن فلسطين تعرضت خلال الأيام الماضية لـ "ضغوط كبيرة" من دول لم يسمها بشأن العنوان السابق حول بند مناقشة التحالف الإماراتي - الإسرائيلي، بهدف تحويله إلى "التطورات السياسية للقضية الفلسطينية"؛ واستطرد "ومن باب أن يصدر قرار توافقي من الجامعة العربية على البيان الثلاثي وافقنا على تبديل عنوان مناقشة البند".
واستدرك أنه "لكن قدمنا مشروع قرار يفند اتفاق التطبيع ويخرجه عن الشرعية العربية، بكونه يتخلى عن الأرض مقابل السلام وينتقص من الحقوق الفلسطينية، بما فيها حق السيادة وعاصمتها القدس الشرقية"، وأوضح أن مشروع القرار تضمن "فقرة ترفض المضامين التي جاءت في البيان التطبيعي"، لكنها لاقت اعتراضا من قبل بعض الدول العربية التي لم يسمها.
وأضاف العكلوك: "بتعليمات من الرئيس عباس، قلنا: نوافق بالحد الأدنى على صدور قرار من الجامعة العربية يتضمن تأكيد التمسك بالمبادرة العربية للسلام، وإدانة الخروج عنها (أي إدانة التطبيع)". واستدرك: "لكن واجهتنا مجموعة من الدول العربية (لم يسمها) ورفضت هذه الإضافة".
وأضح أن ممثلي الدول العربية آثروا عدم تعليق الاجتماع، وإسقاط مشروع الإدانة تلقائيا، بعد اقتراح المالكي تعليق الجلسة "ساعات أو أيام أو إسقاط بند إدانة التطبيع كليا".
الجامعة العربية : مواقفنا ثابتة
من جانبه، ادعى الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، حسام زكي، خلال مؤتمر صحافي، أن "الاجتماع شهد حوارا جادا وشاملا أخذ بعض الوقت، ولكن لم يؤدِ إلى توافق حول مشروع القرار الذي كان مطروحا من الجانب الفلسطيني".
وأضاف أنه "حدث تعديلات من الجانب الفلسطيني على المشروع المقدم من جانبه، ثم تعديلات مقابلة (..) الجانب الفلسطيني فضّل ألا يخرج مشروع القرار دون تضمين المفاهيم التي كان يتحدث عنها"، وتابع أن "بقية القرارات الخاصة بفلسطين لم يحدث بها أي تغيير في المفاهيم الأساسية الثابتة (..) مثل رفض ما يسمى خطة السلام الأميركية ورفض الاعتراف بنقل السفارة الأميركية للقدس وحقوق اللاجئين الفلسطينيين".
وتناقضت مواقف الدول العربية خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب، مع تأكيدات الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، خلال افتتاح الجلسة، أن المبادرة العربية لا تزال "الأساس لتحقيق سلام عادل وشامل"، في كلمة بدت وكأنها مستنسخة عن التصريحات العربية الإنشائية، وكان لافتًا فيها تجنّب الحديث عن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، مع الحرص في المقابل على التحذير من التدخلات التركية والإيرانية في المنطقة العربية.
وفي دعم ضمني للموقف الإماراتي، شدد أبو الغيط في كلمته على "حق كل دولة السيادي في مباشرة سياستها الخارجية بالصورة التي تراها"، وأضاف "هو حق لا جدال فيه، وهذا أمرٌ يحترمه هذا المجلس ويقرّه"، مؤكدا في الوقت نفسه على "الثوابت محل الإجماع، والتي لا تنال منها متغيرات سياسية أو قرارات سيادية".
إسقاط مشروع القرار الفلسطيني "تشريع عربي للتطبيع"
من جانبه، قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أحمد مجدلاني، الأربعاء، إن إسقاط مشروع القرار الذي قدمته فلسطين، بشأن إدانة العلاقات الإماراتية الإسرائيلية "تشريع عربي رسمي للتطبيع"؛ وشدد على أن "ما جرى واضح ومتوقع، فالتحالف الداعم للإمارات هو الأقوى في جامعة الدول العربية والأكثر تأثيرا".
وأوضح مجدلاني أن "الإمارات قدمت مشروعا موازيا (لم يكشف تفاصيله) للمشروع الفلسطيني، وحاولنا إدخال تعديلات عليه، حتى التعديلات لم تقبل". واستطرد مجدلاني "واضح أن التحالف في الجامعة العربية لا يريد إدانة الإمارات".
وشدد على أن "عدم إدانة الإمارات يعني عمليا ترسيخ سابقة وسياسة جديدة في الجامعة العربية تشرع لأي طرف عربي إقامة علاقات مع إسرائيل، وتجاوز مبادرة السلام العربية". ومضى بالقول "الدول العربية التي أيدت اتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي (في إشارة إلى مصر والسعودية والبحرين) كانت خلال الاجتماع رأس حربة في الدفاع عن الإمارات".
بدوره، قال عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" حسين الشيخ، في تغريدة على توتير: "تمخضت الجامعة العربية ولم تلد شيئا، أشبعت الجميع في المنطقة والإقليم إدانات إلا إسرائيل". وأضاف "السقوط المدوي تحت شعار السيادة الوطنية لتبرير الانبطاح. سقطوا إلا فلسطين بقيت كما كانت وستبقى سيدة نفسها وحامية لتاريخها، انتصر المال على الكرامة".
بدورها، أعربت حركة "حماس"، الأربعاء، عن أسفها لإسقاط مشروع قرار فلسطيني بالجامعة العربية يُدين التحالف بين الإماراتي - الإسرائيلي. وقال الناطق باسم الحركة، حازم قاسم، إنه "من المؤسف إسقاط الجامعة العربية مشروع قرار يدين اتفاق التطبيع بين الإمارات والكيان الصهيوني".
اقرأ/ي أيضًا | القيادة الفلسطينية تسعى للحشد ضد التطبيع وتتجنب المواجهة مع الإمارات
وأضاف أن "عدم قدرة الجامعة على إصدار هذا القرار يغري حكومة الاحتلال، والإدارة الأميركية على استمرار تطبيق مخطط تصفية للقضية الفلسطينية". ولفت قاسم، إلى أنه "يجب على الجامعة العربية، أن تعبر عن ضمير الأمة العربية الرافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني".