الاستيطان يتربص بالفارسية

الجمعة 07 أغسطس 2020 01:06 م / بتوقيت القدس +2GMT
الاستيطان يتربص بالفارسية



الأغوار (الفارسية) - وفا- الحارث الحصني

قبل شهرين، غادرت آخر العائلات الفلسطينية في التجمع السكاني في خربة "إحمير" بالفارسية، لفترة محددة إلى طوباس، هربا من الصيف الملتهب في واحدة من أكثر بقاع العالم انخفاضا.

هذه العائلات التي ظلت تاريخيا تعتمد على اثنتين من أهم مقومات التواجد المستمر في الأغوار الشمالية (الزراعة، وتربية الماشية)، تبدأ بالرحيل من هذه المنطقة في أشهر الصيف بحثا عن أجواء أكثر لطافة.

وحتى عودة تلك العائلات إلى خيامها لبدء دورة حياة مجددا، في أيلول الذي يشهد فيه بداية فصل الخريف فلكيا، تظل المنطقة شبه خالية من الحياة البشرية فيها.

لكن هذه الفترة من هذا العام، حدث ما يمكن أن يبعث الخوف في نفوس الفلسطينيين سكان المنطقة أو غيرهم، "ظهور بوادر في الأفق لتجمع استيطاني جديد بالفارسية يفتك بالأرض".

والفارسية هي إحدى القرى الفلسطينية، التي هدمتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بشكل كلي عام 2010، حسب ما نشره مركز المعلومات الإسرائيلي في الأراضي المحتلة "بتسيلم".

عندما يتعلق الأمر بالحديث عن الاستيطان في تلك المنطقة، تظل كل الأفعال التي يقوم بها المستوطنون موضع خوف لدى الفلسطينيين.

في أواخر حزيران المنصرم عندما غادر منصور أبو عامر خيامه من المنطقة، لم يكن أعلى قمة الجبل الذي أقام خيامه على سفحه، أي شيء يلفت الانتباه، أو يدعو للخوف.

لكن، قبل نحو شهر، نشر الناشط الحقوقي عارف دراغمة، عبر صفحته في موقع الفيس بوك، خبرا مفاده أن المستوطنين وضعوا معرشا على قمة جبل في الفارسية.

من هنا بدأت المشكلة فعليا.

هذا الأسبوع شوهد خزان مياه وضعه مستوطنون على قمة جبل خلف عدد من خيام المواطنين الفارغة.

نهاية الصيف الحالي، عندما تعود العائلات إلى خيامها قادمة من قيلولتها الموسمية (لشهرين كحد أقصى) في طوباس، يكون وحش الاستيطان_ إذا ما ظل الوضع على حاله_ في انتظارهم.

ولعل ما يؤكد هذا خوف، هو إقدام المستوطنين، خلال الأسبوع الحالي، على زراعة أشجار زيتون في المنطقة.

يقول دراغمة: "في تاريخ الاستيطان، لا يغادر المستوطنون أرضا زرعوها بالأشجار". في "خلة حمد" بالحمّة، وهي على بعد مئات الأمتار شمال الفارسية، خير مثال.

فبعدما وضع المستوطنون قبل سنوات خيمة لهم في المنطقة التي تأتي خلف خيام عدد من العائلات الفلسطينية، شرعوا مباشرة بزراعة الأشجار من حولها، ثم تفرغوا للتوسع البنائي. اليوم، يمكن تصور المشهد ذاته في الفارسية.

فالعائلات الفلسطينية التي أنهت قبل شهرين تقريبا موسما زراعيا، ستعود للعيش ضمن دائرة الخطر الحقيقي.

فعليا، لا يبعد التجمع الاستيطاني عن خيام الفلسطينيين أكثر من مئات الأمتار المعدودة.

وبنسق تصاعدي، يكتمل مشهد وجود تجمع استيطاني جديد في المنطقة، فبعد أن وضع المستوطنون معرشا، ووفروا في المكان خزان مياه، وبدأوا بزراعة الأشجار بالقرب من ذلك المعرض.

قال أبو عامر الذي تواجد أمس في المنطقة: "كانت حياتنا صعبة دون وجود المستوطنين بهذا القرب، لكن اليوم أصبحت الأمور معقدة بشكل أكبر"، لا يوجد لدينا متنفس الآن.

خلال السنوات القليلة الماضية، سجلت عشرات حالات الاعتداء بحق الفلسطينيين، لكن كان ذلك على بعد أكبر من هذه الحالة.

هذه الأيام أمكن لفلسطينيين تواجدوا في المنطقة، بغية تهيئة أراضيهم للموسم الزراعي الجديد، التماس تواجد دؤوب للمستوطنين بالقرب من المعرش المبني منذ شهر تقريبا.

قال يزيد ضبابات، وهو شاب في الثلاثينيات من العمر، إنه شاهد حركة شبه يومية للمستوطنين، قبل جلبهم الخزان منتصف هذا الأسبوع.

بالنسبة لعارف دراغمة: "هذا بداية خطر جديد ينتظر الفلسطينيين بالفارسية".

قالت "بتسيلم": إن "البؤر الاستيطانية" توسّع مجال سيطرة المستوطنات وتضاعف مرّات ومرّات مساحات الأراضي الفلسطينيّة المنهوبة".

وأضافت: هذا النهب ترافقه أعمال العنف والتهديدات ومهاجمة الرّعاة وسلب الأراضي الفلسطينيّة. باستثناء الحالات النّادرة جداً، حيث تمّ إخلاء بؤر استيطانية في أعقاب إجراءات قانونيّة لا تزال جميع البؤر الاستيطانية تقريبًا قائمة على الأرض، وتكتسب بالتدريج مكانة رسميّة كجزء أساسيّ وجوهريّ من المنظومة الاستيطانيّة.

هذه الأيام يتهيأ الفلسطينيون للعودة إلى خيامهم بأقرب وقت، لكن بالنسبة لأبو عامر فإنه لا يعلم ماذا سيحصل معهم هذا العام إذا ما استمر المستوطن من التواجد بالقرب منهم.

مواطنون يسكنون المنطقة قالوا كلاما مشابها لذلك، وكلهم متخوفون من ذلك.

أمس الخميس، تظاهر عدد من سكان المنطقة ضد تواجد المستوطن فوقهم، لكن الاحتلال الذي حضر إلى المكان منعهم من إكمال احتجاجهم، وأجبرهم على الانسحاب من المنطقة.

لكن بعد ذلك، ظل المستوطنون في مكانهم، ولا تزال الشواهد القائمة تدل على احتمالية وجود بؤرة استيطانية جديدة، سيلتهم مستوطنوها مئات الدونمات من الأراضي الرعوية.

قال عارف دراغمة: "سيكملون الطوق حول أعناق الفلسطينيين في الأغوار".