محاولة للفهم ،،، محمد سالم

الإثنين 03 أغسطس 2020 01:34 م / بتوقيت القدس +2GMT
محاولة للفهم ،،، محمد سالم



قيل "إن أعلى نشاط يمكن للإنسان تحقيقه هو تعلم الفهم، لأن الفهم يعني أن تكون حر". وهذا أمر جميل فالرغبة في المعرفة والفهم هي من مميزات الشعوب المتقدمة. ومن اجل المعرفة والفهم ، لم يترك المثل العربي ، ولا المؤرخ العربي أية مساحة في السلوك البشرى إلا و غطاها  بحكمته و توصيفه  المدهش، في إيجاز وتركيز وكلمات قليلة جعلنا نتعرف بوضوح على الدوافع الحقيقية عند البعض .

ويصدق المثل العربي " المليح يبطئ " ومعناه أن الحصان الجيد لا يتقدم في أول الشوط . هذا في حالة وجود حصان ، لكن في مسرحية المصالحة واسمها الحركي  " في انتظار جودو " ينتظر اثنان من التعساء - او شعب من البؤساء ، شخصا اسمه جودو, سيأتي لتخليصهما من  بؤسهما ، هما على يقين من أنه سيأتي ولكنه لا يأتي لسبب بسيط ، هو أنه لا وجود له سوى في مخيلتهما ؟!

الواجب والصراحة والمصالحة تكون بين ابناء الشعب الواحد؛ لأنهم إخوة لا أعداء ، إخوة وأهل وأصدقاء فى خندق وأحد  ، وبالتالي يجب ان تكون المصلحة العامة هي المحور الذي تدور حوله عملية المصالحة ،  فالمصلحة العامة شأنٌ شعبي يخص الجميع، وليس مصلحة لجماعة أو لفريق من الشعب دون فريق آخر.

لكن لم يبقى من مفهوم الوحدة الوطنيةوالمصالحة، فيما تم طرحه حتى الآن، سوى عملية إشراك وهمي للناس، ولم تتحقق شيء حتى الان ، غير تكريس وهْم سار مسرى الحقائق ، وقبل هذا وذاك نحن بحاجة لفكِّ أسْر الرأي العام وإطلاقه حرٍّا، بأن توضع أمامه خيارات وبدائل أخرى يمكنه المقارنة بينها والمفاضلة قبل الاختيار. لأن الرأي العام للشعب قد تم استئناسه واستبعاده  لسنوات.

فلا احد بارعا في الإفصاح عن الألم العام سوى الموطن ذي الألم الخاص ، ولأنه صاحب خبرة طويلة في السياسة ويتمتع بحس تاريخي قوى وقت المحن و الشدائد، ولا الجبرتي حين قال : " في ايام الحوادث الجسيمة ، والوقائع النازلة ، والنوازل الهائلة ، وتضاعف الشرور ، وترادف الأمور ، وتوالي المحن ، واختلال الزمن، وانعكاس المطبوع ، وانقلاب الموضوع ، وتتابع الأهوال ، واختلاف الاحوال ، وفساد التدبير ، وحصول التدمير ،وعموم الخراب ، وتوتر الاسباب:
(وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)

ويعلم علم المؤرخ ايضا ، من كان بالفعل حريصاً على المصلحة العامة ، ومَن كان يستخدم وقت فراغه في إتحافنا بآراء غير معتوب عليها.. لأنه في مساحة الأفكار غير المتفق عليها يمكن لأي شيء أن يكون أي شيء.

واعتقد انه  قد وجد أن افضل ما يفعله بعد الذي حدث ، هو ان تسكن حركته بدافع اليأس ، ففي وجود المغامرين  الكبار لا داعي للمغامرات الصغيرة ، ولا جلسات ولا انتخابات ولا وحدة ولا مصالحة  ولا يحزنون ، كذلك الأمر في  وجود اصحاب الجماعات والحركات الكبرى ، لابد من الامتناع عن الحركة والتحرك، وفى وجود القيادة التاريخية والملهمين العظام الذين لا ينطقون الا الحق والصواب ، واجبا على الشعب أن يعزف كلمة " نعم " بكل النغمات و أعذبها.

وفى وجود هؤلاء , لا داعى لأن تظهر انك صاحب قضية ولا تعاني اليأس ولألم.. على الاطلاق ، انهم يعملون على  ان لا يكون للشعب  شأن على الإطلاق ، يريدون ان يغلق على نفسه الأبواب وبذلك يخلوا الميدان من الناس ، فيتاح لهم الاستمرار في هذا العبث الى ما لا نهاية .

فعندما تكون وظيفة الشعب الوحيدة هي الفرجة من بعيد في مواسم ومهرجانات الوحدة ، ثم يرجع السادة ، مرة اخرى الى المربع الاول ويتحولوا  إلى مصارعين كلام ، وملاكمين خطابات - فالكلمات البليغة واللقاءات المعقدة يكون الهدف منها عادة هو تفادى ذكر الحقيقة او العجز المفتعل لعدم اتمام الأمر .. في الواقع ان الكلمات عن  الوحدة والمصالحة حتى الآن - من المستحيل أن يأخذه أي عاقلا على محمل الجد - من فضلك راقب كل الكلمات او الاجتماعات للذين لا عمل حقيقيا لهم  ستلاحظ على الفور أنهم تجمعوا حول الفراغ .

وأعتقد انه في عهد قادم ، عندما يقرأ المؤرخ بعد مائة عام عن هذا الوضع المؤسف  فمن المستحيل أن يشعر بتقدير أو تعاطف مع هؤلاء ، وكل من ارتكب هذه الافعال بحق الشعب وقضيته الشريفة العادلة،  وبلا مبرر واضح غير الذي تعلمون ويعرفه السادة حق المعرفة. فالرحمة للراي العام و للمؤرخ والمواطن.