أعلن الصهاينة يوم 28/تموز/2020 عن معركة تجري ضد حزب الله الذي هاجم مواقع جيشهم في جنوب لبنان. وعلى الفور استنفرت وسائل الإعلام الصهيونية وكذلك العربية المؤيدة للمقاومة لمتابعة مجريات المعركة وتفاصيلها. وتواترت الأخبار عن قصف متبادل وخسائر متبادلة. أشارت وسائل الإعلام الصهيونية إلى استهداف دبابة من نوع مركباه بصاروخ كورنيت دون أن تذكر تفاصيل عن الخسائر، ونقلت أنباء عن خلية تابعة لحزب الله تسللت إلى فلسطين المحتلة وتمت تصفية أفرادها من قبل جيشهم. وسائل الإعلام العربية لم تتعجل الأمور وبقيت تنتظر بيان حزب الله حول هذه المعركة.
وقبل أن يصدر حزب الله بيانه أشارت بعض وسائل الإعلام الصهيونية إلى شكوكها في الأخبار التي تناقلتها وسائل الصهاينة نقلا عن أقوال عسكرية ووصفتها بغير الواضحة واستهزأت بمحتواها. ويبدو أن عسكريين في المنطقة لم يختلفوا عن هذا التقييم من حيث التناقضات التي برزت، وعدم تقديم معلومات واضحة عما يجري على الحدود الافتراضية الاستعمارية بين فلسطين ولبنان.
وصدر بيان حزب الله ليحول كل الادعاءات والتقارير الإعلامية الصهيونية إلى أضحوكة يتندر بها الصهاينة أنفسهم على أنفسهم قبل أن يتندر عليهم العالم. لقد وجه الصهاينة لأنفسهم لكمة قوية شكلت هزيمة معنوية كبيرة ستتضح آثارها مع الأيام قريبا على معنويات الجيش الصهيوني، وعلى ثقة الناس بجيشهم وقياداتهم العسكرية والسياسية.
تصرف الصهاينة كخائف من عتمة الليل والظلام، ودخل دهليزا تخيله مليئا بالكائنات الغريبة المتفوقة ذكاء وجسدا فهاجمته وأمسكت برقبته فارتمى أرضا ترتجف أطرافه وكل جسده وبالكاد يستطيع أن يتنفس ليصحو منهكا جسديا ومعنويا وليتسلل موليا الأدبار من أوهام تجسدت له من شدة رعبه.
وتقديري أن غرفة عمليات شمال فلسطين قد تخيلت معركة يفتتحها حزب الله بهجوم كونيتيا على دبابة صهيونية ويدمره، ويدفع بعد ذلك بمجموعات قتالية تجتاح المواقع العسكرية فيسقط جنودهم قتلى وجرحى وفارين. وهذا تخيل ليس بعيدا لأن حزب الله صنع لهم بحربه النفسية ظلاما تتجول في ثناياه كل أوهام الصهاينة وتخيلاتهم حول المعارك الدموية القاسية التي سيخوضها الحزب ضدهم. انزوى جنود الصهاينة وقادتهم في الشمال إلى تخيلاتهم حول الطريقة التي سيقتلون فيها، فتخيلوا حزب الله أشباحا ينقضون عليهم ففتحوا النار يواجهون الأشباح وتدخلت مواقع عسكرية عدة في الشمال وأخذت توجه نيرانها نحو الأشباح، فظن العالم أن الحزب قد انتقم لشهيده في سوريا. فجاء بيان الحزب ليؤكد أن المعركة كانت ضد أشباح صنعها رعب الصهاينة مما سيحصل.
الدروس والعبر التي يمكن أن نستخلصها من هذا التصرف الصهيوني الذي يعبر عن الإرباك الشديد لدى قادتهم كثيرة وعلى رأسها أن جيش الصهاينة مذعور من حزب الله وأن معركة وادي الحجير عام 2006 لا تغادر مخيلة القادة والجنود. أي أن معنويات الجيش منخفضة، وهو منهزم داخليا ولم يعد واثقا من قدراته وآلياته حتى لو تفوقت على ما يمتلكه حزب الله من معدات وأدوات قتالية. والعبرة الثانية أن المعركة القادمة ضد الصهاينة ستكون من أسهل المعارك من حيث أن المقاتل الصهيوني أصبح مهزوما من الداخل وتفكيره منصب بالأساس على المحافظة على الحياة وليس على إنقاذ كيانه.
والعبر قوية جدا لإيران وسوريا وسلطة أوسلو الفلسطينية. دائما نقول إن الرد على الاعتداءات الصهيونية ولو بخسارة أفضل من عدم الرد إذ أن الرد مهما كان بسيطا يردع الصهاينة ويدفعهم إلى التفكير بالثمن الذي سيدفعونه إن اعتدوا. وسبق أن شرحت كيف كان الشهيدان سليماني والمهندس ضحيتا عدم الرد. اعتاد الصهاينة على رد حزب الله، ولهذا يرتجفون كلما قاموا بمغامرة تلحق أذى بحزب الله وبيئته ومحيطه. الصهاينة لم يعتادوا ردودا من قبل سوريا وإيران، ولهذا يستمرون في العدوان عليهما. لسوريا وإيران تفسيراتهما حول هذه المسألة، لكن من المهم أن يدرك الجميع أن عدم الرد يبعث الهزيمة في نفوس الناس ويهز المعنويات بقوة.
وأما السلطة الفلسطينية عليها أن تفكر جيدا بالمصائب التي سببتها للشعب الفلسطيني على مدى سبعة وعشرين عاما من المفاوضات الفاشلة. لو كرست منظمة التحرير جهودها لإعادة بناء نفسها، وبث روح جديدة في الشعب الفلسطيني لما استمر التطاول الصهيوني على شعب فلسطين. أهل أوسلو ألحقوا العار بالشعب الفلسطيني، وإن شاء الله هم إلى زوال.
كاتب واكاديمي فلسطيني