تكريم الأوائل: الرؤية والرسالة..عدلي صادق

الأربعاء 29 يوليو 2020 12:30 ص / بتوقيت القدس +2GMT
تكريم الأوائل: الرؤية والرسالة..عدلي صادق




عُلم أن الذين أعلنوا عن مهرجان ضخم مُزمع، يقام في غزة لكي يؤسس للمصالحة؛ قد صرفوا النظر عن الفكرة، بعد ما يزيد عن أسبوعين من الصمت، وعدم المجيء على سيرة المهرجان. وفي الحقيقة أحسن المتعثرون صنعاً بإلغائه، لأسباب كثيرة، من بينها أن المكان الصحيح لهكذا مهرجان، هو رام الله أو "المقاطعة". ثم إن فكرة إقامته في أي مكان، قبل إنهاء الإنقسام، تنم عن إفلاس، بحكم أن التعليل الموضوعي لإقامته، هو اضطرار طرفي الخصومة، الى استدعاء أصوات وازنة من الخارج، تناشدهما أن يتصالحا، بينما كل منهما موجود في وجه الآخر، وفي مقدورهما معاً، حث الخطى لاستعادة المؤسسات الدستورية، التي ستكون جديرة بعد قيامها، بدعوة الضيوف المرموقين للحضور، وإلقاء كلمات التهنئة.
  الأمر المستجد في المحاولة الراهنة لإنجاز المصالحة، هو أن مآلاتها المتوقعة، تختلف عن مصائر ومآلات  مساعيها السابقة خلال السنين العشر الماضية. ففي السابق، كانت المقاربات تلقى من الجمهور الفلسطيني، السخرية الممزوجة بالتكذيب. هذه المرة اختلف الوضع، إذ أصبح الساخرون هم أنفسهم الذين يُفترض أنهم طرف واحد، أعلن جبريل الرجوب عن كونه ممثلاً له ولفخامة رئيسه، وكانت نبرته فيما هو يعلن، تحاكي نبرة الواثق مما يقول وكمن ملأ يده!  
  ما يحدث الآن، أن جبريل نفسه، يتعرض لحملة مبرمجة لها صفحات إلكترونية ممولة، تسخر من حماسته للمصالحة ومن توجهاته لإنهاء الإنقسام. وتتسم الحملة بالسفاهة والغرور وبانكشاف مقاصد من يقفون وراءها بتأييد من عباس ومن المناطقيين المتنفذين، المرعوبين من عودة غزة الى مساحاتهم الوظيفية والجغرافية والمالية والسياسية والاجتماعية. 
   هؤلاء، المرتعبون من المصالحة ـ مثلما كان وظل الرجوب يرتعب لسنوات طويلة ـ يرون في موضوع المصالحة، معادلاً موضوعياً لعودة المشهد الفلسطيني الى التماسك، وعودة  المعادلة الفلسطينية الى حالها الطبيعية، والاستفادة من رمزية القطاع على صعيد وحدة الكيان والمجتمع والمصير الفلسطيني. بخلاف ذلك فإن هؤلاء  يرون في إنهاء الإنقسام، نذير شؤم وإشارات حمراء أو حملة تفتيش لرجال الصحة العامة على السلع الغذائية المنتهية الصلاحية. ومثلما يفعل الغشاشون مع علب السردين عندما يزورون تاريخ الإنتاج وموعد بُطلان الإستعمال؛ فإنهم يتعمدون تزوير الوقائع واختلاق الحواديت وربما يجعلون القوارب التي اصطادت السردين أصلاً،  أسطولاً مملوكاً لدحلان. المهم هو مد الصلاحية ولا بأس من تسمم البطون وتسميم المناخات، لكي لا تُستعاد المؤسسات، ويُعاد الإعتبار للشعب ويكون التمكين لإرادته. 
نحن معنيون بتسليط الضوء على سبب الهجمة على الرجوب، لا سيما عندما يكون الدافع اليها أمراً نؤيده ونشجع عليه، كإنهاء الإنقسام، أو عندما تكون مقاصد المهاجمين، فتح المجال لأن تأخذ خطط الضم وصفقة ترامب نتنياهو مداها، في غياب أي مستوى من الوفاق الفلسطيني أو أي قدر من التمساك الوطني.
  كان جبريل الرجوب نفسه، هو أحد الذين فعلوا كل ما يستطيعون، لكي ينقسم الفتحاويون. وها هو اليوم يرى النتائج بأم عينه، وتتبدى المآلات كلها واضحة، وفي وسعه أن يستوعب ما يستيطع استيعابه من الدروس. فما قاله عن تفاهمات تيار فتح الإصلاحي مع حماس في غزة، يقال عنه الآن، وبكل السخرية، دون أن ينجز شيئاً أو يقترب من إنجاز شيء. بينما الذي أتيح لتلك التفاهمات، قَدْرٌ من المأسسة يستحق الإحترام، لأنه ركز على المصالحة المجتمعية وعلى التكافل وإغاثة الناس وتهدئة النفوس وعودة رايات فتح خفاقة تنادي بالمصالحة على أسس دستورية وقانونية. ففي هذا الإطار جرى أمس مهرجان تكريم الأوائل والنابغين، من أبناء وبنات فلسطين، في ظل العلم الوطني ورايات الحركة، وبالتنظيم المتحضر، والإحتشاد الذي يبدد اليأس،  وبالخطاب الوحدوي الواثق الذي يدعو الى الإحتكام للشعب!