ليت جبريل الرجوب، قد وفر على نفسه مشقة تطيير الرسائل، ومضي في موضوع المصالحة باقتدار، بدل محاولة اللعب على الخلافات العربية. فليس لدولة الإمارات مصلحة في إفشال جهود المصالحة، ونقول بكل وضوح واعتزاز، إن تيار فتح الإصلاحي، عندما بذل الجهود لتسهيل المصالحة وسعى الى تنقية الأجواء وتهدئة النفوس، من خلال مشروع تسوية حقوق الدم؛ كان يفعل ذلك بتمويل كريم من الشقيقة الإمارات. وقد رحب التيار بمبادرة الرجوب مع العاروي، تشجيعاً للنوايا التي عبر عنها الرجلان، إذ لم يتوقف التيار عن الإلحاح منذ سنين، على ضرورة التطبيق العملي لاتفاقات المصالحة، ودعا مؤخراً الى توحيد الرؤية واستعادة المؤسسات وعدم الإكتفاء بما يسمى "وحدة ميدانية".
هذا المنحى الوفاقي المُعتمد منذ سنوات، لم يؤثر سلباً على علاقة التيار بدولة الإمارات الشقيقة، لأن هذه الدولة معنية بالوفاق الفلسطيني، وليس هناك أدنى مبرر لتصريح الرجوب، سوى الحسبة الخاصة.
وربما يكون الرجل، بعد مرور عدة أسابيع على مؤتمرة مع العاروي دون أي خطوة عملية للشروع في إنهاء الإنقسام؛ أراد أن يناور في اتجاه آخر، لمداراة ما لا نتمناه ـ نحن ـ من فشل مسعاه. فقد أراد ـ ولدوافع شخصية ـ أن يرسل للدوحة، برقية ولاء وثناء، علماً بأن تركيا وقطر، هما الدولتان القادرتان على فرض المصالحة على الطرفين، لأن لكل منهما دالة على عباس وحماس. لكن ما ينبغي مصارحة الرجوب به، هو تذكيره بأنه كغيره من الممسكين بمقاليد الأمور الفلسطينية، ليس شخصية دولية وازنة، ولا هو شخصية، ذات إنجازات باهرة مفوضة من الشعب، لكي يمنح شهادات للدول أو يحجب شهادات عن دول. وهذا الكلام تعرفه كل من الدوحة وأبو ظبي. وعندما نؤيد بادرة حسنة من الرجوب أو غيره، فإننا لا نجامله ولا نحسب له حساباً ـ بالطبع ـ وإنما نشجعه الى التزام المنحى الوطني التوافقي المعطل منذ سنين طويلة.
الآن، يتركز الإهتمام على مهرجان في غزة. ومن بين تجليات الحديث عن هذا هذه الفعالية؛ يجري الإعلان عن أسماء المرموقين الذين سيتحدثون، ومعظمهم سيفعلون ذلك عبر وسائل الإتصال. وكأن المصالحة وإنها الإنقسام تحتاج الى مهرجان، علماً بأن زعماء دول كثيرة، تحدثوا من فوق منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، عن ضرورة توحيد الصف الفلسطيني وإنها الإنقسام. والسؤال هنا: لماذا ينعقد المهرجان في غزة تحديداً؟ إننا لا نرى سبباً لاختيار غزة، سوى أن أصحاب الفكرة يريدون الإستفادة من تعطش الناس في غزة الى الخلاص، واستعداها التلقائي للاحتشاد، علماً بأن الضم والصفقة ومركزالمعركة هو الضفة، وفاعلية التحشيد ومغزاه، ستكون أقوى في الضفة، وفي حال الإصرار على غزة، ستكون مصداقية الحديث عن المصالحة أقوى، عندما ينتقل عباس الى غزة، ويكون على رأس المهرجان!
في الحقيقة، عندما يخترع الرجوب الذي يُفترض أنه من المعنيين بإنهاء الإنقسام؛ تفريعات جانبية، ويتذرع بعراقيل لا وجود لها، ويحاول اللعب بالمواقف جلباً لمنافع ذاتية؛ فإن الأمر ينم عن إفلاس سياسي. وقد كانت الدلائل على هذا الإفلاس واضحة منذ البداية، عندما تسلم الرجوب ثلث ملف، وظل الثلثان مع عزام الأحمد وماجد فرج. وكان الأجدر بـ "أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح" ألا يخرج من الإجتماع دون أن يحمل ملفاً شاملاً برؤية مكتملة، بدل حمل برنامج لمؤتمر صحفي مشترك أعلى، يتبعه مؤتمر صحفي مشترك أدنى، ثم مهرجان شعبي في غزة، بينما غزة ليست في حاجة الى المزيد من المهرجانات والخطابات وإنما تحتاج الى الحلول والى استعادة الكيان الوطني بمؤسساته الدستورية الضامنة للحقوق وللعدالة.
ما يتمناه الناس من الرجوب وغيره من الميسورين المرتاحين هم وأسرهم، وبعد سنوات طويلة من بيع الأوهام للمعذبين المحرومين من كل شيء؛ هو الإقلاع عن الخزعبلات والكف عن اللعب على التناقضات وتطيير الرسائل وبيع الأوهام وأن يحاولوا الدخول في المفيد. فلا أحد ولا طرف من الشعب الفلسطيني ـ باستثناء طرفا الخصومة ـ مسؤول عن الإنقسام أو راغباً في استمراره أو يفكر في تعطيل المصالحة. فالمعطلون هم الممسكون بالملفات.
سيكون الرجوب بارعاً ورائعاً، عندما يمتلك ترف نقد الآخرين، فيتحدث في تصريح واحد، عن كل التنسيقات والمبادرات الإغاثية العربية، دون أن يستثني منها تنسيقاً أو مبادرة. ولا بأس عندئذٍ من وضع درجات الضرر الناجم عن كل منها، إن أراد التوسع. فمثلما يعترض على طائرة تنقل الدواء، وتتجاوز عمان والقاهرة والسلطة، لمرة واحدة أو اثنتين؛ عليه أن يعترض على طائرة تتجاوز عمان والقاهرة والسلطة مرات وبانتظام، لكي تنقل أوراقاً نقدية وتمر على نتنياهو لتأمين وصولها. نحن غير معنيين ولا نملك ترف الإعتراض على مثل هذه التفصيلات وتقدير مستويات غرابتها، كما لم يعد الطيف الفلسطيني كله، يملك ترف النقد والهجاء لعلاقات إسرائيلية عربية رسمية وعلنية.!
من جهتنا، وبدون أي مجاملة، نؤيد المؤتمرات الصحفية المشتركة على الرغم من عقمها، ونطالب بمصالحة تنهي الإنقسام، ونؤيد مهرجان غزة، على الرغم من كونه مشروعاً عجيباً لإطلاق نداءات، بينما المُنادي والمنادى حاضران، وهما قادران ــ لو أرادا ــ على إنهاء الإنقسام بدون مهاتير محمد وجيمي كارتر وغيرهم. فلا طرف عربياً يريد إفشال أي جهد وفاقي فلسطيني، أما الملومون الحصريون على استمرار الإنقسام، فهم القادرون على إلزام الطرفين بالمصالحة ولا يفعلون.