دعا خبراء بارزون الحكومة الإسرائيلية إلى الامتناع عن فرض إغلاقات وقيود في إطار مواجهة فيروس كورونا المستجد، وفندوا ادعاءات سائدة حول انتشار الفيروس، وشددوا على وجوب الاهتمام والحفاظ على السكان في خطر، مثل المسنين والمرضى المزمنين، فيما بمقدور أكثر من 80% من السكان تطوير مناعة طبيعية ضد كورونا. كذلك دعوا إلى تبني النموذج الذي اتبعته السويد خلال أزمة كورونا.
"رغم دُور المسنين الكبيرة هناك، ورغم الخلل في حمايتهم في بداية الوباء، وبخلاف مطلق للتوقعات السوداوية، فقد توفي في السويد حوالي 6% من هذه التوقعات، أي قرابة 6 آلاف شخص، ومعدل أعمارهم 81 عاما، ونصفهم من سكان دور المسنين التي معدل الأعمار فيها ليس طويلا"، بحسب مقال مشترك نشره في صحيفة "هآرتس"، الأسبوع الحالي، خبراء إسرائيليون، وهم: رئيس دائرة الميكروبولوجيا وعلم المناعة السريرية في كلية الطب في جامعة تل أبيب، البروفيسور أودي كيمرون؛ الخبير في الأوبئة في جامعة أريزونا، البروفيسور أيال شاحَر؛ وعالم البيولوجيا من جامعة ستانفورد، البروفيسور مايكل ليفيت، الحائز على جائزة نوبل للكيمياء؛ الخبير في فحص الخوارزميات، البروفيسور أوري غبيش.
ورأى الخبراء أنه في حال تبنت إسرائيل النموذج السويدي، فإن الحد الأقصى للوفيات سيصل إلى 3 آلاف، لأن السكان المسنين في السويد يزيد عن ضعف عددهم في إسرائيل. ولفتوا إلى أنه يتوفى أكثر من 4 آلاف شخص في إسرائيل سنويا بسبب التهاب الرئة، أي أكثر من 10 وفيات يوميا. ولم تتجاوز وفيات كورونا هذه العدد اليومي سوى في حالات نادرة للغاية.
وفند الخبراء ثلاثة ادعاءات رائجة: الأول، أن الإصابة بالفيروس لا تؤدي إلى مناعة طبيعية (يطورها جهاز المناعة) ضده لفترة طويلة ولذلك لا يمكن تطوير مناعة استنادا إلى ذلك؛ الادعاء الثاني يستند إلى الاعتقاد أنه من أجل التسبب بتلاشي الوباء، ينبغي أن يصاب 60% من السكان بالفيروس، وهذه نسبة عالية جدا وغير محتملة؛ والادعاء الثالث هو أن عدد الوفيات من جراء سياسة كهذه سيكون أعلى من البديل المقرون بفرض قيود على نشاط المرافق الاقتصادية ثم إزالتها حسب انتشار الفيروس.
وشدد الخبراء على "أننا نرفض بشكل قاطع هذه الادعاءات الثلاثة، لأن الأدلة العلمية تثبت العكس تماما. ومصدر هذه الادعاءات بمفهوم خاطئ، وأولئك الذين وضعوا هذا المفهون يواصلون التمسك به وتضليل عدد كبير من الدول".
مناعة طبيعية
فيما يتعلق بالادعاء الأول حول المناعة الطبيعية، فإن مصدره "قصص خيالية بأن أفرادا أصيبوا بالعدوى مرة ثانية... لكن تبين أن الادعاءات بالإصابة بعدوى ثانية ليست حقيقية ومردها إلى أخطاء في الفحص. ومن بين أكثر من 14 مليون مصاب مؤكد بالفيروس (في العالم)، نكاد لا نعرف عن حالات عدوى متكررة. وهذا يثبت أن المناعة ناجعة لثمانية أشهر على الأقل (الفترة منذ بداية الوباء). ولا نرى أنه يمكن أن تتلاشى هذه المناعة بسرعة، لأن طبيعة المناعة في معظم الحالات أن تبقى لسنوات، ولا يوجد سبب للاعتقاد أنها ستتلاشى في هذه الحالة".
حسابات خاطئة
بالنسبة للادعاء الثاني، بأن تلاشي المناعة يتم بعد إصابة 60% من السكان بالفيروس وعندها يطورون مناعة، فإنه "يستند إلى حسابات رياضية خاطئة تفترض فرضيتين مركزيتين: الأولى أن مستوى مخالطة أي شخص لباقي السكان متشابه؛ والثانية هي أن فيروس كورونا جديد، ولذلك لا توجد مناعة ضده وأي انكشاف له سيقود إلى تلقي العدوى".
لكن دراسة نشرتها مجلة Science العلمية المرموقة، مؤخرا، أكدت أن الأفراد ليسوا متشابهين في مخالطهم للسكان، إذ أن عامل على الصندوق في سوبرماركت وسائق سيارة أجرة يخالطون السكان أكثر من غيرهم، وخصوصا قياسا بمتقاعدين ومسنين. "وبما أن الأفراد الذين يخالطون أشخاصا آخرين بشكل كبير هم مسببون مركزيون لتناقل الفيروس، فإن مناعتهم ستسهم في وقف انتشار الفيروس أكثر من الأفراد الذين لا يخالطون آخرين. ورغم أنهم يتلقون العدوى ويطورون مناعة بسرعة أكبر من الذين يخالطون السكان بشكل أقل، فإن انتشار الفيروس يصل إلى درجة التشبع بأعداد متدنية بشكل كبير قياسا بالفرضية المفندة حول تشابه المخالطات الاجتماعية".
وأضاف الخبراء أن المعطى الأكثر أهمية الذي يفند ضرورة إصابة 60% من السكان بالفيروس، هو "حقيقة أن لفيروس كورونا أقارب (من عائلة هذا الفيروس) منحوا قسما كبيرا من السكان مناعة منه، وذلك قبل الانكشاف لفيروس كورونا. وذكرت دراسة نشرتها مجلة Cell العلمية المرموقة، أنه لدى 60% من سكان كاليفورنيا الذين لم يصابوا بالفيروس أبدا، توجد خلايا الذاكرة المناعية التي تشخص الفيروس، وعلى ما يبدو أنها قادرة على تطوير مناعة ضده".
كذلك أظهر بحث أجري في ألمانيا أن مناعة كهذه يمكن أن تصل إلى 81% من السكان. وكتب الخبراء "أننا نتوقع أن الوضع في إسرائيل افضل، بسبب معدل الأعمار الشاب وكثرة الأولاد على سبيل المثال. ويعني هذا أن أقل من 20% من سكان إسرائيل يمكن أن يصابوا بالفيروس، بينما الغالبية العظمى من السكان لديها مناعة ضده".
وأضافوا أن "نسبة تناقل العدوى المحدودة هذه تبقى كما هي من دون علاقة بإجراءات الإبعاد الاجتماعي - مثل الحجر الصحي، إغلاقات محلية، إغلاقات عامة أو وضع كمامات. ففي السويد، لم يرتفع تناقل العدوى عن 20% ونسبة الأشخاص الذين نجوا من كورونا يزيد عن 99.9%. وكذلك الأمر في بلجيكا التي توفي فيها عددا كبيرا قياسا بعدد سكانها".
وانطلاقا من أن 80% من سكان إسرائيل لديهم مناعة طبيعية، "فإننا نقدر أن تلاشي الوباء سيحدث بعد انتقال العدوى إلى 5% - 15% من السكان فقط. وتبعات هذه النتائج تستوجب رفع كافة القيود على المرافق الاقتصادية فورا، عودة فورية إلى الحياة الطبيعية للسكان غير المعرضين للخطر، والاستجابة لمتطلبات السكان الذين يمكن أن يتضرروا من الفيروس وتقليص مخالطتهم مع باقي السكان".
أضرار الإغلاقات والقيود
أكد الخبراء على خطأ الادعاء الثالث، بأن رفع القيود سيؤدي إلى عدد وفيات مرتفع أكثر من سياسة الإغلاقات والقيود. "ينتشر الفيروس بين السكان حتى تنتقل العدوى إلى عدد كاف منهم، ويطورون مناعة أو يتم تطوير تطعيم. والإغلاقات والقيود تبطئ وحسب انتشاره ولكن لا تخفض عدد المصابين بالعدوى أو إجمالي الوفيات. كما أن الحفاظ على السكان في خطر ممكن لفترة محدودة فقط. وكلما طال الوقت، يصبح منع انكشافهم للفيروس أصعب. ولذلك فإن الإغلاقات والقيود، التي تؤخر بناء الطبقة المناعية المطلوبة لوقف الوباء، قد تؤدي إلى وفيات زائدة في الأمد الطويل. وسبب آخر لتغيير السياسة بشكل ملح، هو أن نسبة الوفيات في إسرائيل من المرض، في الصيف، متدنية عنها في الشتاء".
ووفقا للخبراء، فإن "الدليل الأكثر وضوحا على أن الإغلاق يرجئ تناقل العدوى ولا يمنعه، يتمثل بحقيقة أنه لدى فتح الإغلاق، يُستأنف تناقل العدوى، مثلما يحدث الآن. بينما في السويد لا توجد ’موجة ثانية’ لأنه لم يكن هناك إغلاقا. ولا يتوقع موجة ثانية لأن الفيروس انتشر بشكل كامل. وسياسة فرض القيود ورفعها إنما تطيل الأزمة وحسب، وتدمر الاقتصاد وتؤدي في نهاية الأمر إلى عدد كبير من الضحايا. وحتى أنها قد تمتد لسنوات إذا تبددت الآمال بتطوير سريع لتطعيم".
ورأى الخبراء أن سياسة الإغلاقات والقيود ستلحق اضرارا فادحة بالاقتصاد، وسينجم عنها اتساع دائرة الفقر. "والفقر هو مسبب موت أخطر بكثير من كورونا، وهو يستهدف الأولاد مثلما يستهدف المسنين... ونحن في مرحلة الفرصة الأخيرة لكي تتدارك القيادة في إسرائيل نفسها وتعلن أنها لن تفرض إغلاقا آخر، جزئيا أو كاملا". ولفتوا إلى أنه "يوجد في الشرق الأوسط، على ما يبدو، مناعة طبيعية عالية، ربما نتيجة التعرض أكثر لفيروسات من دول أوروبا الغربية".