يقول المؤرخ البغدادي عن ايام مجاعة الشدة المستنصرية :
" ارتفعت الاسعار واقحطت البلاد وهرج اهلها من خوف الجوع ، وباع المستنصر كل ما في قصره وجلس على الحصير ، وطلع الفقراء الجوعى الى القلعة وصاحوا ضد الجوع ، فلم يرد احد فرجموها بالأحجار ، ونزل وزير المستنصر على حماره ، الى الناس ليهدئهم فأكلوا الحمار ثم أكلوا جنوده "
وسأل احدهم مولانا الامام الشافعي, عن الطريق لإصلاح ما افسده البعض ، فأجاب: اذا لم تكن الكلمة سدادة فليكن السيف .
قلنا في مقال سابق : المشكلة أن الموكل اليهم حل مشكل الناس هم أنفسهم المشكلة ، هل عندي ما اقوله ؟ ربما ! ولكن هل هذا الذي اقوله يستحق ان يكتب في مقال واحد ؟ وهل المكتوب يعبر عن الظرف الراهن ، وانت لا تستطيع ان تسكت ، ولا تستطيع ان تصدق .. فانت تكره ما تقول ، والمسؤول يكره ما يسمع ، وأنت تكره أن تظل تقول ولا احد يستجيب ، وهو يكره ان يسمع ولا احد يسكت عن الكلام ، ومهما ترفع صوتك فلن يسمعك احد ، لا غزة ولا الضفة ، وانما يكفي ان تكتب ، لربما يقرا احد ولكن الاشارة تكفي وبعدها الندم !
فالواقع يقرع الباب وهذا حالنا مع سلطة او اثنان او خمسة !! والكل مسؤول عن استغلال التحديات الخارجية والانقسام المدمر ، للتهرب من استحقاقات الاصلاح الداخلي ، ورفض تبني إي شكل من اشكال العمل الفعلي على ارض الواقع من الناحية السياسية او الاقتصادية ، وتزداد الفجوة بين الشعارات والممارسات الحقيقية ، الى ان اصبحنا في وضع سياسي واقتصادي في منتهي الفوضة ، بل أقرب الى السرك وان لم تظهر فيه الخيول و الأسود والكلاب.
ويمكن رؤية مدى التأثير المدمر لسياسة العقاب الجماعي الإسرائيلية بشكل لافت للنظر في إغلاقها المستمر منذ اكثرمن13 عاما لقطاع غزة الذي يعاني الآن من انهيار الاقتصاد التام وبنية تحتية مدمرة، حتى ابواب الوطن اليوم مغلقة على من فيها ، لا تفلت من جدرانها نملة إلا بإذن من المجرم والسيطرة في يد هذا السرطان الصهيوني ، وبدون حماية المدنيين المحاصرين المحرومين من المنشآت الصحية والمياه النظيفة والكهرباء ونظام خدمة اجتماعية .
انه الوقت الذي يئن قطاع غزة من وجع الفقر والجوع والقهر والعوز وغلاء المعيشة ، وارتفاع معدلات البطالة ، وتكدس عشرات آلاف الشباب والخريجين في طوابير الانتظار على برامج التوظيف ، او التشغيل المؤقت و يرى حملة الشهادات حيارى ضائعين بشهاداتهم لا يجدون وظيفة فالبطالة ، مصيبة أصبحت كارثية فهل اعتدنا على هذه المصيبة ؟ وبهذه الزيادة المفزعة المروعة ، فلا يوجد برنامج او سياسة واضحة لتوظيف كل هؤلاء الشباب فالزيادة اكبر من ان نتحملها ولابد من وقفه وتوقف من اجل هؤلاء الشباب ومستقبلهم وحقوقهم وحريتهم وانسانيتهم.
عشرات الالاف من الشبان وجوههم تشع املا و ذوو توجه مستقبلي ،مطالبين سلميا بحقوقهم و ليس بوصفهم موطنين فحسب بل ايضا ككائنات بشرية تتمتع بحقوق غير قابلة للتصرف ومعارضين لهذا الاعتداء الصارخ على مجهوداتهم وعلى ذكائهم. وقبل ذلك على انسانيتهم.
ونحن نتفهم في البداية مشاعر أي شخص عاطل عن العمل وخصوصا ان ظروفه الاجتماعية الصعبة وحالته النفسية الهشة ، وهو يبحث عن عمل ، الامر الذي يقوده الى اللجوء الي حلول يائسة بغية لفت الانتباه الى وضعه والنظر الى تلك المأساة ، فطموح كل رجل ان يصل الي القبر دون لحظة احراج واحدة ، و إن لم يكن العمل فما قيمة حياة الإنسان؟
وبعد ان تم التضييق علينا اقتصاديا، واجتماعيا، و إنسانيا ، حتى ان أصحاب العمل وابواب الرزق والتي تحفظ توازن البلد كانوا يمتلكون طاقة رهيبة للتعايش مع الظروف الصعبة والمواربة على الازمات لامتصاص قسوتها ، لكن نهشهم الافلاس بأنيابه الحادة ، وفي الازمات بيوت تغفر لآنها كريمة ، وتكرم لآنها تعرف اننا في مركب واحد ، ولكن للصبر حدود وكتر الضغط يولد الانفجار.
يجب النظر الي مطالب الشعب بالإسراع في محاصرة البطالة وتحسين مستوى المعيشة ومكافحة الفقر والتصدي بكل حزم للفساد . وبدون تجاهل ان الشعب مثل كل الشعوب التي تريد الحرية والاستقلال والكرامة ويقاوم الاحتلال والجبروت و لا يطالب بالإصلاحات من اجل الاصلاحات ذاتها ، بل ومحاسبة كل من تسبب في الوصول لهذا الحالة ومن لم يستطع ذلك فالوجب أن يرحل ، ولتكون قدوة مادامت لم تستطع ان تكون سلطة كن قدوة.. يا أخي اعمل شيئا , تقدم الصفوف أو امش في أخرها ، ولكن لا تقف في طريق المستقبل ، ويبدو ان غالبية الناس سئمت اللعبة وادركها اليأس من صلاح الحال ، ولذلك فهل ستشهد الفترة القادمة اول ثورة تصحيح شعبية في تاريخ شعبنا ؟ فكل الثورات ممكنة ، وحتى المحتَمَلَة.
والامام الشافعي رضوان الله عليه ، كان الناس يلجؤون اليه يطلبون الشورى ، فكان يردد دائما على مسامعهم : لا يصلح امور الناس الا عزائمهم ولا يقبل الظلم الا ميت ، اما الحي فهو اذا لم يقاتل ، فهو على الاقل قادر على ان يصرخ ، وكانت هذه فتوة شرعية من مولانا.