التوجيهي والمزورون الصغار..سما حسن

الخميس 16 يوليو 2020 10:29 ص / بتوقيت القدس +2GMT



قبل سنوات، تحديداً في ثمانينيات القرن الماضي عندما تقدمت للتوجيهي، حصلت على معدل متدن، وليس كما كنت أرغب، والخطأ لم يكن فيّ ولكن في سياسة التصحيح وقتها، حيث كانت تصحح أوراق امتحانات طلاب قطاع غزة في مصر، الأمر الذي استمر حتى حلول السلطة الوطنية الفلسطينية.
يمكن تطبيق مقولة: إن الله قد أمر بالستر. وبالتالي لم تكن نتائجنا مفضوحة على وسائل الإعلام التي لم تكن تزيد على الراديو والصحف الورقية، فالنتائج كانت تصل من مصر على شكل أرقام جلوس وتعلق في المدرسة، ولم يكن أحد يعلم نتيجة الآخر إلا لو سأله، والأمانة هنا تحتل دورها، وكنا نكتشف بعد مدة طويلة الكذب والصدق، فهناك من ادعى نجاحه ولكن بعد مرور أشهر قليلة رأيناه لا يزال قابعاً في البيت ولم يلتحق بالجامعة، وهناك من فضحتهم معدلاتهم عند التحاقهم بالجامعات بالصدفة، أما الفضائح التي تحدث اليوم فحدث ولا حرج، لأن وسائل الإعلام تكشف المستور وتجرح الشعور وتفضح من أراد الستر وتتسبب بمشاكل أسرية وعائلية، والأهم من هذا كله أن الطالب يكون ضحية لهذه الإباحية وانعدام الخصوصية.
تخطئ الجهات المعنية بنشر أسماء ومعدلات الطلاب والطالبات في التوجيهي، ويجب التأكيد على عدم نشر الأسماء ومعدلات أصحابها، لأن هذا النظام الذي تتسابق وسائل الإعلام على نشره لتحظى بأكبر عدد من المتابعين، يكون وسيلة من وسائل زيادة الأزمات النفسية والمشاكل الاجتماعية في المجتمع، خصوصاً الأمهات اللواتي يجدن في معدلات أبنائهن وسيلة للتباهي والتفاخر، وفي نفس الوقت يجدن المعدلات المتدنية للأقارب أو حتى رسوب أولادهن وسيلة للشماتة والفرحة بمصائب الغير.
وقد حدثت هذا العام عدة حوادث حول قيام بعض الطلبة والطالبات بتزوير نتائجهم أمام ذويهم أو بالاتفاق مع ذويهم، والسبب هو المعدلات المكشوفة والمفضوحة وما تعطيه وسائل الإعلام من اهتمام زائد وغير محسوب لنتائج التوجيهي واللقاءات التي تصبح مثل « الرز» مع أصحاب المعدلات العالية والأوائل، وكذلك قصص النجاح، والأحضان والقبلات بين الأحبة، ما يثير ضغينة الراسبين والحاصلين على معدلات منخفضة ويحذو بهم للتفكير بتزوير معدلاتهم، وإن كان معظم القصص عن التزوير قد كشف في لحظتها ولم تزد عن كونها على سبيل الظهور بمظهر الناجحين أمام الأقارب الذين يكشفون الكاذب والمزور بالقليل من البحث عبر مواقع الإلكترونية.
مؤسف ومحزن أن تأخذ نتيجة التوجيهي كل هذا الاهتمام رغم أنها محطة في حياة الطالب، خاصة مع الأرقام الرهيبة المعلنة لما أنفق من أموال على شراء المفرقعات النارية والبلد تمر بظروف اقتصادية صعبة وحرجة هذه الأيام، والمؤسف أن ينساق الكبار وراء الصغار ويخرجون للاحتفالات في الشوارع بطريقة مضحكة وهزلية وكأن الأمر بالنسبة لهم معركة حياة أو موت.
يجب أن نقف مع أنفسنا ونعيد حساباتنا، لأن أمثال الطالبة التي زورت شهادة نجاح بتواطؤ أو غير تواطؤ مع ذويها سوف تكون ضحية جديدة للتوجيهي، ولست أظنها ستخرج سالمة نفسياً من التنمر والسخرية اللذين تعرضت لهما من الناس، وكان الأجدر بها أن تقتنع بفشلها وتكرر التجربة، ولكنها للأسف لم تنشأ في بيئة تعلمها التصالح مع نفسها وتقبل الفشل والنجاح.
من كذبوا وزوروا وادعوا كذباً وبهتاناً حصولهم على معدلات عالية هم ضحايا للأمهات والآباء، خصوصاً الأمهات اللواتي يردن التباهي ولا يردن لزوجة عم أبنائهن أن تشمت وتفرح برسوب ابنتها أو ابنها أو تدني معدلهم، وكأنها تصلح الخطأ بجريمة، وها هي تضع أبناءها على أول خطى وعتبات الكذب والتزوير.
يجب أن نفكر كثيراً ثم نقتنع بأن التوجيهي سنة مثل كل سنة، وبأن الخريجين بالآلاف وعاطلون عن العمل ولكن الحرفيين والمهنيين وخريجي التعليم التقني أحسن حالاً من حملة الشهادات العليا وخريجي جامعات القمة.