بينما تحل في هذه الايام الذكرى الرابعة عشرة لحرب لبنان الثانية وللهزيمة الصهيونية الساحقة فيها، فإن الانظار الصهيونية تتجه الى الامام الى مستقبل”اسرائيل: وفي صميم هواجسهم: هل ستتحقق نبوءة”خراب اسرائيل” التي كان اطلقها عدد من كبار محلليهم الذين يطلق عليهم”انبياء خراب اسرائيل….؟!.
وفي الحسابات الصهيونية وفي صميم مخططاتهم ونواياهم واهدافهم فان الحرب الثالثة آتية لا محالة، حيث يجمعون كمؤسسة امنية وسياسية صهيونية على ان حزب الله بات التهديد الوحيد في المشهد العربي للكيان، كما يجمعون على عدم امكانية التعايش مع هكذا تهديد يعتبرونه وجوديا لهم، ولذلك تتزايد المؤشرات باتجاه حرب ثالثة اخرى في الافق، برغم استخلاصات الكثيرين بان الطرفين اليوم في حالة ردع متبادل، وان الحرب الثالثة ستكون نتائجها مختلفة عن كل التوقعات.
وفي هذا السياق-الحربي-ينطوي التحذير الذي اطلقه دبلوماسيون غربيون من احتمالية اندلاع حرب وشيكة بين إسرائيل وحزب الله، خلال أشهر الصيف الجاري على منتهى الجدية- قناة كان العبرية-الخميس 25 يونيو 2020″، فهناك الى جانب ذلك جملة كبيرة من المؤشرات الاسرائيلية ايضا تؤكد ما ذهب اليه الديبلوماسيون الغربيون، فالذي يتابع الافكار والتصريحات والوقائع والخطط والمناورات والقرارات ومختلف الاجراءات الاسرائيلية اليومية يستخلص بان الامور باتجاه حرب اخرى، بل وكأن الحرب آتية واقعة غدا لا محالة…!.
والحرب الآتية تستهدف من وجهة نظرهم لبنان دولة وجيشا ومقاومة، والمسالة بالنسبة لهم مسالة وقت وتوقيت فقط، فالدولة الصهيونية لا تنام، والمؤسسة الامنية الصهيونية تترصد وتنتظر…؟!
لذلك فالحرب ان وقعت ستكون هناك على لبنان، مع ان التقديرات الاستراتيجية تتحدث عن احتمالية قوية جدا بان تتدحرج هذه الحرب الى مستوى حرب اقليمية، والتطورات على مختلف الجبهات اللبنانية والسورية والعراقية والايرانية النووية والغزية اصبحت متشابكة…!
غير ان النوايا الصهيونية المبيتة تجاه لبنان تختلف عنها تجاه اي جبهة اخرى، فهي نتاج تفاعلات الهزيمة امام حزب الله عام/2006، لذلك يتبارى جنرالاتهم وساستهم ومحللوهم في ابتداع المزيد والمزيد من النظريات والعقائد العسكرية التدميرية ضد لبنان، كلها في المحصلة تجمع في الواقع على استراتيجية جديدة ملخصها: ليس هناك المزيد من الفصل بين حكومة ودولة لبنان وحزب الله، كل حادثة مع حزب الله في اسرائيل او في الخارج هي تحت مسؤولية لبنان كدولة، ولان حزب الله هو جزء من حكومة لبنان، فكل حرب ضد حزب الله تعني الحرب مع دولة لبنان، ليس هناك شك ان سخونة تموز حزيران قد دفعتنا الى الصعود فوق شجرة عالية”.
وفي هذا السياق الحربجي وفي الذكرى العشرين للإنسحاب الذليل والمهين للجيش الصهيوني من جنوب لبنان، وايضا في الذكرى الرابعة عشرة للهزيمة الصهيونية عام 2006، أطل علينا وزير خارجيتهم الجديد الجنرال غابي اشكنازي-قائد الجبهة الشمالية في حينه ورئيس اركان الجيش الصهيوني لاحقا بتصريح حربي ملغوم قال فيه:” إن المواجهة مع لبنان لم تنته-24 /5/ 2020/”، فهل يمكن اعتبار هذا التصريح تحذيرا حربيا لحزب الله مثلا….!؟، ام يمكن اعتباره هاجسا لمدارك الرعب التي ألمت بهم في اعقاب الهزيمتين الساحقتين المتتاليتين/2000 – 2006….!؟.
فالاسرائيلي عموما، من الرئيس، الى رئيس الوزراء، الى الوزراء، الى كبار الجنرالات والضباط،الى الجنود في كل مكان، الى رجال الدين-الحاخامات، الى رجال الاعلام والاكاديميا، الى عصابات المستوطنين في انحاء الضفة، كلهم بالاجماع اصبحوا ينتظرون اندلاع الحرب، وهم يرون حرب الصواريخ القادمة مع حزب الله آتية لا محالة، ومن هذا المنطلق تأتي تصريحات أشكنازي وكبار قادة الجيش الصهيوني بين آونة واخرى، فهم تنتابهم نوبات من هواجس الخوف والرعب من سيناريوهات الحرب ونتائجها غير المتوقعة على لارجح بالنسبة لهم…؟!.
وقد بدأت تتراكم المسألة سيكولوجيا لديهم في اعقاب هزيمة 2006 على وجه التحديد، ولذلك سارعوا الى تشكيل اكثر من خمسين طاقم تحقيق من كبار الجنرالات والخبراء للتحقيق باسباب وعوامل الهزيمة والاخفاق في تلك المواجهة.
وكان من اهم الدروس التي خرجوا بها هي”ان يواصل الجيش الاسرائيلي القيام بالتدريبات والمناورات المتصلة على مواجهة شاملة مع المقاومة اللبنانية، وقد اطلقوا على تلك المناورات في البدايات اسم”نقطة تحول….”، وهي مستمرة حتى يومنا هذا بتسميات متغيرة….!
وقد بدأت”نقطة تحول” بالرقم-1- ثم تسلسلت لتصل الى الرقم-5-…فقد بدأت الاحد 2011-6-19 اضخم عملية مناورات وتدريبات عسكربية حربية صهيونية تحت اسم:”نقطة تحول”.
هذا ما اطلقوه عليها..
فالماثل امامنا انهم على مستوى المؤسسة العسكرية والسياسية والاعلامية، وكذلك على مستوى الراي العام الاسرائيلي، يربطون ربطا جدليا ما بين هذه التدريبات والمناورات”المتحولة..المتسلسلة من 1-5-5-7-8-9-10 حتى الآن …” وما بين حرب الصواريخ القادمة التي باتت تهيمن على الخطط والقناعات والمناخات والسيكولوجيا الاسرائيلية..!.
وتعتبر هذه التدريبات العسكرية الاوسع والاشمل في تاريخ تلك الدولة الصهيونية..!.
فنقطة التحول، في مضمونها العسكري، تشكل نقطة تحول ليس على مستوى التدريبات والاستعدادات الحربية لديهم فقط، وانما اخذت تتكرس كنقطة تحول استراتيجي في المواجهات العسكرية الحربية منذ الهزيمة الحارقة التي لحقت بجيشهم الذي لا يقهر في تموز/2006، وشكلت بالتالي نقطة تحول سيكولوجي في استعداداتهم النفسية لمواجة حروب اخرى مع حزب الله وعلى الجبهات الاخرى..!
بل يبدو ان المشهد الاسرائيلي بات مثقلا ب”نقاط التحول” المقترنة بسيكولوجيا الرعب والقلق، وهواجس الوجود، من الحرب ومن الخسائر ومن الهزيمة المحتملة، ومن المستقبل الغامض، ومن احتمالات الانهيار الشامل..!.
الى كل ذلك، ففي الحسابات الاسرائيلية، فان حزب الله هو الاخطر، وهو الذي يشكل رادعا استراتيجيا بفضل المخزون الصاروخي الهائل الذي بحوزته، الى جانب جملة من العوامل الاخرى التي يتمتع بها حزب الله مثل العقيدة والايمان والتنظيم الفولاذي ووضوح الرؤيا والهدف وغير ذلك، والمؤسسة الامنية العسكرية السياسية الاسرائيلية تدخل في حساباتها الحربية ضد سورية او طهران على سبيل المثال، الوزن العسكري لحزب الله وما يمكن ان تحدثه صواريخ حزب الله من دمار وخسائر في الارواح والمعنويات، لذلك تجمع جملة من الاعترافات والشهادات الصهيونية المتتابعة في الآونة الاخيرة على تفاقم حالة القلق والرعب مما يطلقون عليه”انكشاف الجبهة الداخلية للصواريخ”، التي اصبحوا يطلقون عليها البطن الاسرائيلي الرخو”…!.
ففي حربها على لبنان عام 2006 اعتمدت المؤسسة الحربية الاسرائيلية ذات المفاهيم المستندة الى بلطجة القوة والعربدة العسكرية بكافة تطبيقاتها وترجماتها على الارض على شكل عمليات القصف الجوي التدميري المكثف، ما تسبّب في تدمير قرى لبنانية كاملة ومحوها عن وجه الارض، وتدمير أحياء كاملة في العاصمة بيروت، إضافة الى استهداف كافة عناوين البنية التحتية اللبنانية من طرق وجسور وشبكات مياه وكهرباء وغيرها، وكأنّ الجبروت الإسرائيلي اراد أن يقول للبنانيين وللشعوب العربية أيضاً: “هذا مصير مَن يحاول المس بإسرائيل… هذا هو الثمن …”..
ولكن – عمليا على الارض وفي ميادين المواجهة والقتال هناك، لم تسر الرياح كما تشتهي المؤسسة الحربية الصهيونية على الرغم من ان”اسرائيل “رمت بثقلها الحربي المعروف في تلك المعارك المتدحرجة، وانقلبت الامور رأسا على عقب، وسقطت نظريات ومفاهيم حربية، كما سقطت اهداف وآمال وتطلعات سياسية واستراتيجية اسرائيلية، لم تأت في حساباتهم على الاطلاق، فغصّت الصحف الاسرائيلية آنذاك بكم كبير من المقالات والتحليلات التي أجمعت على”أن إسرائيل لم تتوقع هزيمة كهذه ابدا”، وفي صحيفة معاريف كتب يونتان شم –اور يقول معلقا على تأثير الصواريخ التي ضربت العمق الاسرائيلي: يعرفون الآن ما الذي يفعلونه، يعرفون الآن كيف يهزموننا”.
وما بين ذلك الامس المثقل بالهزيمة الساحقة بالنسبة لهم، وما بين المشهد الرهان، فإن وقعت الحرب الثالثة كما هو متوقع ومبيت صهيونيا وامريكيا، فان هواجس الهزيمة تسيطر على المؤسسة الامنية العسكرية الاستخبارية الصهيونية، وسيناريوهات هزيمة اخرى حارقة وخراب جديد للكيان هي التي تسيطر عمليا على عقولهم ونفسياتهم ومعنوياتهم التي يواصل حزب الله والسيد في خطاباته توجيه الصواريخ العابرة اليها في الصميم….!
كاتب فلسطيني