ألغى مجلس الدولة في تركيا (أعلى محكمة إدارية) قرار الحكومة التركية الصادر عام 1934 الخاص بتحويل كاتدرائية آيا صوفيا إلى متحف. ويسمح هذا القرار بتحويل الكاتدرائية إلى مسجد.
وتعتبر آيا صوفيا، معلما معماريا وتاريخيا ذا أهمية عالمية، كانت سابقا كاتدرائية مسيحية، بنيت في زمن الإمبراطورية البيزنطية، حولت بعدها إلى مسجد في زمن الامبراطورية العثمانية.
ويعرف هذا المبنى باسمه الأصلي -كاتدرائية القديسة صوفيا في اسطنبول (وكلمة صوفيا باليونانية تعني الحكمة والمعرفة) وكذلك تعني كاتدرائية حكمة الله، والكنيسة العظمى، وآيا صوفيا.
وقد بنيت الكاتدرائية أعوام 532-537 بأمر من الإمبراطور يوستينيان لتكون الكاتدرائية الرئيسية في شرق الإمبراطورية الرومانية. وضع تصاميم المبنى المعماري إيسيدور من ميليتا والمعماري أنفيمي من ترال، وشيدت على أنقاض معابد مسيحية احترقت في القرنين الرابع والخامس، في عهد الأباطرة قسطنطين الأول وفيودوسي الثاني. وأصبحت الكاتدرائية رمزا لجبروت الإمبراطورية البيزنطية، وكانت تجري فيها مراسم تتويج الأباطرة، وتعد مقرا لبطريركية القسطنطينية. ولكن بعد انقسام الكنيسة المسيحية عام 1054 إلى كاثوليكية وأرثوذكسية، أصبحت كاتدرائية آيا صوفيا الكنسية الرئيسية ليس فقط للإمبراطورية البيزنطية، بل ولجميع الأرثوذوكس في العالم.
وبعد أن استولى الصليبيون على القسطنطينية في عام 1204 سرقت ونهبت التحف الفنية والأثرية العديدة. من ضمنها وفقا لبعض الروايات، (قطعة القماش التي كفن بها السيد المسيح بعد وفاته، وتسمى "كفن تورينو"). وأصبحت آيا صوفيا تحت تصرف الكنيسة الكاثوليكية الرومانية لغاية استعادة المدينة من الصليبيين في عام 1261.
وبعد سقوط الامبراطورية البيزنطية وغزو القسطنطينية من قبل الأتراك العثمانيين عام 1453، أمر السلطان محمد الثاني بتحويل الكاتدرائية إلى مسجد، وبقيت كذلك على مدى 500 سنة كأحد المزارات الإسلامية الرئيسية.
ولكن في عام 1934 وقع كمال أتاتورك مؤسس الدولة التركية الحديثة، الذي دعا إلى علمانية المجتمع، مرسوما رئاسيا، أصبحت الكاتدرائية بموجبه متحفا.
الفن المعماري والديكور الداخلي للكاتدرائية
يعتبر متحف آيا صوفيا مجمعا معماريا فريدا يحتفظ بعناصر العمارة المسيحية والإسلامية. وقد بقي المبنى على مدى ما يقارب من ألف سنة أكبر مبنى ديني للعالم المسيحي، (لغاية تشييد كاتدرائية إشبيليا في بداية القرن السادس عشر). يبلغ طول المبنى 100 متر وعرضه 69.5 متر وارتفاع قبته 55.6 متر وقطرها 32 مترا، وقد صرف في بناء الكاتدرائية نحو 130 طنا من الذهب، لذلك يعتبر أغلى مبنى للإمبراطورية البيزنطية.
وقد استخدم في بناء الكاتدرائية المرمر والآجر وبقي قائما على الرغم من تعرضه لعدة هزات أرضية وحرائق، حيث كانت تجري فيه عمليات الترميم والصيانة بصورة مستمرة. واستمرت عمليات الزخرفة والنقوش الداخلية التي تتميز بروعتها وفخامتها عدة قرون. وفي عهد الامبراطورية العثمانية، أضيفت إلى المبنى أربع مآذن ومحراب (يشير إلى اتجاه مكة) ومنبر من المرمر .
وقد اكتشفت، خلال عمليات الترميم والصيانة التي جرت في الثلاثينيات والخمسينيات من القرن الماضي، تحت طبقة الجص، فسيفساء ولوحات جدارية كانت تعتبر مفقودة، تعود لعهد الإمبراطورية البيزنطية. أي يمكن حاليا رؤية لوحة يسوع المسيح وآيات قرآنية على ثماني لوحات ضخمة معلقة على أقواس داخل المبنى.
وأدرجت منظمة اليونسكو عام 1985 متحف آيا صوفيا وعددا من المعالم الأثرية الأخرى الموجودة في القسم التاريخي من مدينة اسطنبول في قائمة التراث العالمي
مقترحات لتغيير صفة الكاتدرائية
لقد طالبت منظمات دينية وبعض السياسيين، منذ قرار تحويل المبنى إلى متحف عام 1934، بإعادته إلى مسجد عدة مرات، وقدمت طلبات رسمية إلى مجلس الدولة. ولكن المجلس باعتباره أعلى محكمة إدارية في البلاد كان يرفضها كلها، منعا للعواقب السياسية ولأهمية هذا الموقع التاريخي السياحية.
ولكن في شهر مارس 2019، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أنه من المحتمل تغيير صفة الكاتدرائية، ردا على اعتراف الولايات المتحدة في ديسمبر عام 2017 بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وكذلك اعترافها في مارس 2019 بسيادتها على مرتفعات الجولان التي تحتلها. واستنادا إلى هذا وافق مجلس الدولة على إعادة النظر في قرار عام 1934 بناء على طلب مقدم من إحدى المنظمات الدينية.
المصدر: تاس