المحلل السياسي لصحيفة يديعوت احرنوت "شمعون شيفر" يكتب:
1* اعتراف صغير: في أثناء الموجة الأولى، حرصت على ألا أشاهد عروض نتنياهو في التلفزيون. فقد وفرت على نفسي الغرور في وصف زعماء العالم الذين يستشيرونه، وكذا حملة التخويف الرامية إلى تنفيذ تعليماته. ولكن بعد أن تبين لنا جميعاً بأننا في ذروة الموجة الثانية، وفي ضوء التحطم الاقتصادي لمئات آلاف الإسرائيليين، قررت أن أشاهد عرضه يوم الخميس. أردت تصديقه.
نتنياهو الذي رأيناه على الشاشات يبدو محطماً، فزعاً، وبالأساس غير مصداق على الإطلاق. بعد 14 سنة في مكتب رئيس الوزراء، اتهم البيروقراطية التي تمنع المواطنين من نيل حقنة الأكسجين لمواصلة وجودهم، ووعد بأن يعمل من أجلنا ليل نهار. ويطرح السؤال: لماذا إذن انشغلت بتشكيل لجنة تحقيق لتضارب المصالح لدى القضاة، بالفكرة العابثة عن ضم الضفة وباستردادات ضريبية بقيمة مليون شيكل؟
2* سيدي رئيس الوزراء، قلت للفلسطينيين: “إذا أعطوا سيأخذون وإذا لم يعطوا لن يأخذوا”. الإسرائيليون أعطوا، ويتوقعون منك الآن أن تعطيهم ما يستحقون. المال مالهم، ومظاهرتهم محقة، وخيبة أملهم منك محقة. اسمح لي أن أكون شخصياً: أبناء جيل، مقدم في الاحتياط، خدم في زمن الموجة الأولى من الوباء على مدى سبعة أسابيع في الاحتياط. من أجلي ومن أجل رفاقه أثبت لهم أنك تحل ضائقة عائلة واحدة كل يوم، في الفترة الصعبة التي يمر بها المجتمع الإسرائيلي.
“لن يغفر التاريخ لنا إذا ذهبنا إلى انتخابات رابعة”، حذر الأسبوع الماضي رئيس “شاس” آريه درعي. حسناً، كليشيه آخر لسياسي. ولكن في الثناء على درعي يقال بلا تهكم، إنه يمثل ناخبيه الذين لن يغفروا له إن لم يحقق وبالسرعة الممكنة الميزانيات اللازمة لوجود عالم المدارس الدينية ومؤسسات التعليم المستقل.
3* “لا يوجد مواطن، حتى وإن كان رئيساً، يقف فوق الواجب الأساس لأن يقدم لسلطات إنفاذ القانون الأدلة اللازمة لفحص الإجراءات الجنائية المتعلقة به” – هكذا علل جون روبرتس، رئيس المحكمة العليا في الولايات المتحدة، قبل بضعة أيام، القرار الذي بموجبه أمر سبعة قضاة العليا، مقابل اثنين من زملائهم، دونالد ترامب بأن يسلم سجلات مداخيله وغيرها من الوثائق للمدعي العام في نيويورك في إطار إجراء قضائي يجري ضده. أما ترامب، من جهته، فقد سارع إلى التغريد بأن هذه “ملاحقة للرئاسة وصيد ساحرات”. وخيراً كان لو أن نتنياهو ومؤيديه في الشبكات الاجتماعية استوعبوا بأن رئيس وزراء مع ثلاث لوائح اتهام لا يقف فوق القانون، وحان الوقت لأن يكف عن التهجم على المؤسسات المسؤولة عن إنفاذ القانون وعلى السلطة التشريعية.
4* إن نية نتنياهو بسط السيادة على غور الأردن ومناطق واسعة من الضفة قبل حسم انتخابات الرئاسة الأمريكية، عللها نتنياهو بأن هناك تخوفاً من ألا ينتخب ترامب لولاية أخرى في البيت الأبيض. غير أن رئيس الوزراء نسي بأن كل شيء قابل للتراجع: هو نفسه كان شريكاً في قرار ترامب للانسحاب من الاتفاق مع إيران، الذي استهدف إبطاء السباق من جانب نظام آيات الله للوصول إلى سلاح نووي، وهكذا خلق سابقة بأن من شأن الرئيس التالي أن يلغي قرارات سلفه. جو بادين، المرشح الديمقراطي للرئاسة، الذي يتصدر الاستطلاعات الحالية بفارق كبير، أعلن –إذا جرى انتخابه رئيساً- بإعادة أمريكا إلى منظمة الصحة العالمية التي انسحب منها ترامب. وهذا ما قد يحصل لتلك القرارات التي أشرف عليها الرئيس الجمهوري في موضوع ضم هضبة الجولان، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وبالطبع أيضاً بسط السيادة على يهودا والسامرة.
5* “عيشوا حياتكم”، هكذا طلب منا نتنياهو في نهاية الموجة الأولى من الوباء. بعد أشهر طويلة من الإغلاق، وتخزين الأغذية، ومحاولات لا تنتهي لملء الحياة التي قيدت في إطار عشرات أمتار من الشقق المكتظة، امتلأنا إحساساً بالخروج إلى مجالات جديدة. والآن نجدنا مطالبين بأن نعود فندخل إلى المجالات المحصنة من الشقق التي تمر فيها حياتنا.
عدت إلى مكتبتي. في كتاب “وداع برلين” يكتب القاص البريطاني كريستوفر ايشروود عن دور الكاتب: “أنا كاميرا عدستها مفتوحة، تلتقط وتسجل دون أن تفكر. تسجل الرجل الذي يظهر في النافذة المقابلة والمرأة التي تصفف شعرها. ذات يوم ستكون حاجة لفتح السجلات وطباعتها بعناية، لتثبيتها”. ذات يوم، سننظر إلى هذه الأشهر، ولعلنا نفهم ما حصل لنا. لعلنا نفهم شيئاً عن الأفق الذي أخفى عن فهمنا في هذه اللحظة.