قال موظف في القنصلية السعودية في إسطنبول لمحكمة تركية، يوم الجمعة، إنه طُلب منه إشعال فرن تنور بعد أقل من ساعة على دخول الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، إلى المبنى الذي قُتل فيه في 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2018، لتُصبح قضيته من بين الأبرز والأكثر تداولا في الأجندة الدولية منذ ذلك الحين.
وقال زكي دمير، وهو فني محلي عمل لدى القنصلية، خلال الإدلاء بشهادته في اليوم الأول من محاكمة 20 مسؤولا سعوديا غيابيا في قضية مقتل خاشقجي، إنه استدعي لمقر سكن القنصل بعد أن دخل خاشقجي مبنى القنصلية المجاور للحصول على أوراق خاصة به.
وأضاف: "كان هناك خمسة أو ستة أشخاص. طلبوا مني إشعال فرن تنور. كانت هناك أجواء من الذعر"، بحسب ما أفادت وكالة "رويترز" للأنباء.
ووفقا للائحة الاتهام، قال دمير إنه شاهد العديد من أسياخ اللحم، ولاحظ أن بلاطات الرخام حول الفرن تغير لونها في ما يبدو كما لو أنه تم تنظيفها بمادة كيماوية.
وقال سائق القنصل في إفادة منفصلة بلائحة الاتهام إن القنصل أمر بشراء لحم الكباب النيء من أحد المطاعم.
وأضافت لائحة الاتهام أن دمير عرض المساعدة في فتح باب المرأب عندما وصلت سيارة نوافذها معتمة لكن طُلب منه مغادرة الحديقة بسرعة.
انتهت الجلسة الأولى من محاكمة المتهمين بقتل خاشقجي، والتي عُقدت في محكمة العقوبات المشددة الـ11 في القصر العدلي بمنطقة "تشاغليان" في إسطنبول بعد أن وافقت على لائحة الاتهام في نيسان/ أبريل الماضي.
وقالت خديجة جنكيز، خطيبة جمال خاشقجي، في إفادتها بصفتها الطرف المشتكي، إن الأخير تعرض لعملية خداع وخيانة كبيرين عبر استدعائه إلى القنصلية.
وأضافت: "أنا أشتكي ضد كل شخص دبر لهذا الأمر وأعطى التعليمات"، بحسب ما أفادت وكالة "الأناضول" للأنباء.
وأشارت جنكيز إلى أن خاشقجي كان يشعر ببعض القلق قبيل ذهابه إلى قنصلية بلاده، لطلب أوراق رسمية بخصوص إجراءات الزواج.
وأوضحت أنه يوم 2 تشرين/ أكتوبر الأول 2018، اتصل خاشقجي بالقنصلية، وتحدث مع شخص يدعى سلطان، الذي عاد وإتصل به بعد قرابة 20 دقيقة، وأخبره بأن وثائقه جاهزة.
وأضافت أنها لم تشعر بأي قلق على سلامة خاشقجي عندما دخل قنصلية بلاده، مبينة أن القلق بدأ يساورها بعدما طال انتظارها، ثم اتصلت بأختها.
وتابعت: "عندما أخبرتني شقيقتي بأن الدوام الرسمي انتهى بالقنصلية سارعت على الفور إلى الشرطة (حراس القنصلية) وعندما علمت بأن الشرطة لا دراية لها به، اتصلت بالقنصلية، وسألت عن جمال وقلت لهم إنني خطيبته، ولكن بعدها جاء إلي شاب سعودي في عمر الـ 25 تقريبا وقال لي بأنه تفقد كافة غرف القنصلية ولم يجد جمال، عندها أدركت أن شيئا ما حل بجمال، فاتصلت بالسيد ياسين أقطاي (مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية)".
بدوره قال ياسين أقطاي بصفته شاهدا بالقضية، إن صداقته تمتد إلى سنوات مع جمال خاشقجي.
وبعد الاستماع إلى شهادتي جنكيز وأقطاي، منحت المحكمة حق الاستماع إلى محامي المتهمين، الذين بدورهم قالوا إنهم لم يستطيعوا التواصل مع موكليهم، وأنهم سيقدمون دفاعهم عن المتهمين بعد الحديث معهم.
وقررت المحكمة بعدها عقد الجلسة التالية في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
ويأمل نشطاء حقوقيون في أن تلقي محاكمة اسطنبول الضوء من جديد على القضية وتعزز الحجج الداعية لفرض عقوبات على الرياض أو استخدام الولاية القضائية العالمية، الأمر الذي قد يؤدي إلى اعتقال المشتبه بهم إذا سافروا إلى الخارج.
وقالت مقررة الأمم المتحدة الخاصة بالإعدام خارج نطاق القضاء، أنييس كالامار، عشية المحاكمة: "إذا نجحت هذه العملية فإن ما ستعززه هذه المحاكمة هو احتمال الولاية القضائية العالمية"، بحسب "رويترز".
وقد يعطي هذا الأمر الدول الأوروبية على سبيل المثال الأساس القانوني لتدشين محاكمة إذا سافر أي سعودي مرتبط بالقضية إلى أراضيها.
وأضافت كالامار أن "العدالة في هذه القضايا المعقدة لا تتحقق بين عشية وضحاها، لكن عملية جيدة هنا يمكن أن تحشد (الأدلة) لما يمكن أن يحدث خلال خمس أو عشر سنوات.. عندما تكون الظروف مواتية".
وقالت خديجة جنكير، خطيبة خاشقجي، التي كانت تنتظره خارج مبنى القنصلية بينما كان يتعرض للقتل، إنها ستواصل البحث عن العدالة "ليس في تركيا فحسب لكن في أي مكان ممكن".
وأعدت النيابة العامة في إسطنبول لائحة اتهام من 117 صفحة ضد المتهمين الصادر بحقهم قرار توقيف في إطار مقتل خاشقجي، الكاتب بصحيفة واشنطن بوست.
وتحتوي اللائحة على اسم خاشقجي بصفة "المقتول" وخطيبته خديجة جنكيز بصفة "المشتكي"، مطالبة بالحكم المؤبد بحق "أحمد بن محمد العسيري" و"سعود القحطاني"، بتهمة "التحریض على القتل مع سبق الإصرار والترصد والتعذيب بشكل وحشي".
كما تطالب اللائحة بالحكم المؤبد بحق الأشخاص الـ18 الآخرين بتهمة "القتل مع سبق الإصرار والترصد والتعذيب بشكل وحشي".
وفي 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2018، قتل خاشقجي داخل قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول، وباتت القضية من بين الأبرز والأكثر تداولا في الأجندة الدولية منذ ذلك الحين. وعقب 18 يوما من الإنكار، قدمت خلالها الرياض تفسيرات متضاربة للحادث، وأعلنت مقتل خاشقجي إثر "شجار مع سعوديين"، وتوقيف 18 مواطنا في إطار التحقيقات، دون الكشف عن مكان الجثة.
وقال مسؤولون أتراك إن إحدى النظريات التي تحقق فيها الشرطة هي أن قتلة خاشقجي ربما تخلصوا من جثته بحرقها بعد خنقه وتقطيع أوصاله.
ويحاكم المتهمون غيابيا ومن غير المرجح أن تسلمهم السعودية التي اتهمت تركيا بالتقاعس عن التعاون مع محاكمة منفصلة وسرية إلى حد كبير جرت في الرياض العام الماضي.
وفي كانون الأول/ ديسمبر أصدرت محكمة سعودية أحكاما بالإعدام على خمسة أشخاص والسجن على ثلاثة في مقتل خاشقجي لكن أسرة خاشقجي قالت لاحقا إنها عفت عن قاتليه مما يمهد الطريق أمام الإفراج عنهم بموجب القانون السعودي.