أردوغان ليس أبيضا! م. زيد عيسى العتوم

الثلاثاء 16 يونيو 2020 11:39 ص / بتوقيت القدس +2GMT



ربما لم تكن الجائحة الاخيرة وحدها رغم شراستها وامتدادها عالميا هي السبب الاول والاعمق لخلخلة المنطقة العربية واعادة حساباتها السياسية والاقتصادية, فمن قبل جاء طوفان الربيع العربي عابرا للحدود غامضا احيانا ومبشرا احيانا اخرى, لا يدرك فيه الكثيرون وربما النخبة منهم هل غادروا احلامهم ليحطوا رحالهم في عالم من التيه, ما زالوا يدفعون فيه ثمنا باهظا حتى الان, فيظهر جيراننا الكبار على مسرح الجغرافيا السياسية بكامل طاقتهم مدججين برغباتهم, وينبري أشقاء وحدة الدين معنا كأننا نراهم اول مرة لأننا نراهم بوضوح, يوقظون الماضي وينبشون التاريخ, بحثا عن مسرب لمنفعة او موطئ لقدم او اقدام!.
منذ ان استقر حزب العدالة والتنمية التركي على رأس السلطة بزعامة أردوغان, ومنذ ان رآه  الكثيرون ممن تعطلت بوصلتهم السياسية وغازلتهم احلام النموذج الجديد والقيادة الواعدة, حيث رأوه تيارا منتخبا ومعتدلا, ذو جذور اسلامية تدغدغ صولات وجولات لم يجدوها الا في ارفف المكتبات واحلام الحالمين, ورغم تمسك هذا الحزب بكونه ليس حزبا اسلاميا وأن علمانية الدولة هي خطه الاحمر الذي لن ينساه ولا يرغب بالقفز فوقه, فقد بقي الحالمون في نشوتهم يمجدون قبلتهم السياسية الجديدة ولا يدخروا جهدا في تفهمها والتماس الاعذار لها حتى لو كانت بلون الدم او رائحة البارود.
ليسأل العربي العاشق لرياح الشمال نفسه مرة, ماذا قدمت القيادة التركية لقضية العرب الاولى فلسطين عبر عقود طويلة من الزمن, غير التأكيد على أنها لن تترك الفلسطينيين وحدهم وأن انقرة لا يمكنها التزام الصمت أمام ما يجري, واخيرا التنويه بأن صفقة القرن مجرد وهم مصطنع لن تسمح بتحقيقه ابدا, وليسأل نفسه عن سبب تواجد جحافل الجيش التركي على التراب السوري الجريح, فنرى اعلامه مرفرفة ولغته وليرته منتشرة, وهل ذلك لعيون السوريين المقهورين وتخليدا لذكرى حراك الاطفال في درعا, أم لبسط الاذرع التركية في الشمال السوري شاء من شاء وابى من ابى, وليسأل العربي نفسه ايضا عن عشرات القواعد العسكرية والمراصد الامنية المنتشرة في شمال العراق بدون اي اتفاق رسمي, هل هي لحماية سيادة العراق المنتظر كما بشر به غزاة العراق ام  لإجهاض أي نبض كردي قد يطلب حقوقه السياسية والاجتماعية فيصبح عندئذ خارقا ومارقا امام صانع القرار التركي, وليثقل العربي على نفسه بالسؤال مجددا عن البنية اللوجستية الكبيرة والانتشار العسكري التركي المتعدد فوق ارض ليبيا وسمائها وبحرها, وعن نقله الاف المرتزقة السوريين جهارا نهارا لدعم فصيل ضد اخر, بدل لعب وساطة سياسية حتى لو كانت منحازة على طاولة للتفاوض تطفئ النار وتنقذ الارواح, هل هذا لتحرير وانعاش ليبيا وتنشيط سياحة المقاتلين الوافدين بين طرابلس وسرت وبنغازي, ام ان لليبيا بموقعها طعم اخر ولثرواتها وبحرها رائحة اخرى!.
قد يُفهم اعجاب البعض بطفرة تركيا الاقتصادية والسياحية بدلالاتها القياسية, وقد يحتار البعض بتقييم مهارة الحصان التركي في اللعب والتأرجح بين رضى وتوقعات موسكو وبين محددات وهواجس واشنطن, وقد نلحظ الرئيس التركي يعزف بحرفية وربما بعناد على اوتار الناتو وينفخ بثقة في ابواق علاقته المحمومة مع الاتحاد الاوروبي, لكن هذا كله وربما اكثر منه يصب في المجرى التركي الوطني والحزبي الذي يراه هو لبلده ولنفسه. لنفكر نحن ايضا في اوطاننا ومستقبلنا ونتذكر ان لا جدوى من رحلة البحث عن الاصنام!.
اربد
جامعة اليرموك
zaid_atoom@yahoo.com