هل يصمد النجاح التركي في ليبيا على مدى الزمن؟

الثلاثاء 09 يونيو 2020 01:32 م / بتوقيت القدس +2GMT
هل يصمد النجاح التركي في ليبيا على مدى الزمن؟



اطلس للدراسات / مركز دراسات الأمن القومي/ بقلم: سارة فوير وغاليا ليندنشتراوس

في الأسابيع الأخيرة، نجحت قوات من "حكومة الوفاق الوطني"، التي تتخذ من طرابلس مقرا لها وتحظى باعتراف دولي، من العودة لان تحتل، بمساعدة تركية، عدة مدن أساسية وقواعد عسكرية كانت تسيطر عليها سابقا قوات الحكومة الخصم برئاسة خليفة حفتر. وتشكل الانتصارات السريعة لقوات حكومة الوفاق الوطني التي أدت بحفتر لان يقترح وقفا للنار واستئنافا للمفاوضات تحولا في وجهة الحرب الاهلية في الدولة التي بدأت الجولة الاخيرة فيها قبل أكثر من سنة بقليل، عندما فتح حفتر هجوما هدفه احتلال العاصمة وتوسيع سيطرته الى عموم الدولة. صحيح أنه يتبقى ان نرى هل سيتبين تغيير الميل كتغيير مؤقت او يؤدي الى تغيير طويل المدى في ميزان القوى، الا أن التطورات الاخيرة في هذه الاثناء تدل على أن تركيا تصبح لاعبا مركزيا في النزاع الليبي، وفي نهاية المطاف كفيلة بان تحقق نفوذا اقليميا آخر بفضل تدخلها في دولة في شمال افريقيا. اما إذا كان التدخل التركي سيجر روسيا الى تدخل أكبر في الساحة الليبية (مثلما يحتمل ان نرى في الاستخدام الذي تم في الايام الاخيرة لطائرات قتالية روسية لمساعدة قوات حفتر)، فان التطورات على الارض كفيلة في نهاية المطاف أن تجتذب الأمريكيين ايضا لتصعيد تدخلهم. حاليا على الاقل، نجحت تركيا في تغيير الميل في الحرب الاهلية في ليبيا وآثار نجاحاتها الاخيرة ستضرب موجات تتجاوز شواطئ طرابلس.

ان قدرة تركيا على حماية التواجد في ليبيا تدل على تفوقها في معركة القوى العظمى الخارجية، الساعية الى التأثير على الدولة الغنية بالنفط، منذ الاطاحة بالحاكم الطاغية معمر القذافي في العام 2011 على خلفية الهزة الاقليمية. ما بدأ كانتقال واعد للحكم، تفكك تحت تحديات الخلافات القبلية، الجغرافية والايديولوجية والحرب الاهلية التي نشبت في العام 2014. تحالف هزيل للميليشيات في غربي الدولة (بعضها كانت ترتبط بالحركات الاسلامية) حظي بتأييد من قطر، السودان وتركيا، بينما جملة من الميليشيات من الجانب الشرقي بقيادة حفتر تلقت مساعدة من روسيا، مصر، السعودية واتحاد الامارات. في العام 2015، قضى اتفاق بوساطة الامم المتحدة رسميا بـ "حكومة الوفاق الوطني" كالممثل الشرعي الوحيد للدولة، ولكنه ترك مسألة دور حفتر غير محلول. في نهاية الامر تراجعت الحكومة في شرقي ليبيا المؤيدة لحفتر عن اعترافها بحكومة الوفاق الوطني.

في السنوات التالية لذلك، بينما واصلت الامم المتحدة جولات من المفاوضات لم تسجل نجاحا، فان منظومة القوى الاصلية للاعبين الخارجيين الذين يضخون المال والسلاح للجماعات المتخاصمة داخل ليبيا (في ظل خرق حظر السلاح الذي قررته الأمم المتحدة) اجتازت تغييرات معينة. تراجع التدخل التركي والقطري قليلا بعد 2015؛ فرنسا والأردن منحا تأييدهما لحفتر في الوقت الذي ساندت فيه إيطاليا حكومة الوفاق الوطني؛ وبينما أدت التظاهرات الداخلية في السودان في 2019 لها الى التراجع عن تأييدها للإسلاميين وأدت لان يقاتل مأجورون سودانيون مؤخرا الى جانب قوات حفتر.

أما الولايات المتحدة من جهتها فبقيت غائبة بقدر كبير عن الساحة الليبية منذ 2012، منذ قتل سفيرها مسلحون يرتبطون بمنظمة أنصار الشريعة الإرهابية. ان التدخل غير المنقطع للاعبين الخارجيين كان موضع اتهام بانه يتسبب بتواصل النزاع في ليبيا. وبالضبط عندما بدا وكأن المحادثات برعاية الأمم المتحدة تقف امام اختراق في بداية 2019، فتح حفتر هجوما مفاجئا لاحتلال العاصمة (وعلى طول المسار لاحتلال الجنوب أيضا الذي بقي معظمه حتى ذلك الحين خارج سيطرة طرفي الحرب الاهلية)، وتثبيت سيطرته على كل الدولة.

كان يبدو ان حفتر يوجد في مسار مؤكد، وان كان بطيئا، لتحقيق هذه الأهداف، بمساعدة نحو 800 حتى 1.000 مرتزق روسي من شركة فاغنر ومئات المسيرات وطائرات اتحاد الامارات التي كانت تهاجم من الأراضي المصرية. غير انه في تشرين الثاني 2019 وقعت تركيا وحكومة الوفاق الوطني على مذكرة تفاهم عسكرية. وبخلاف اللاعبين الخارجيين الاخرين العاملين بالخفاء في ليبيا، صوت البرلمان التركي علنا على تفويض بتقديم المساعدة العسكرية لحكومة ليبيا لمدة سنة، وفي كانون الثاني من هذا العام أعلنت تركيا بانها تنشر قوات في الدولة. ومنذئذ شغلت عددا متزايدا من المرتزقة من سوريا للقتال في ليبيا؛ التقديرات هي أنه ما لا يقل عن 100 ضابط تركي مسؤولون عن تنسيق الحملات العسكرية لحكومة الوفاق الوطني والتي يشارك فيها الاف المرتزقة السوريين.

في اثناء الأشهر الأخيرة استخدمت انقرة أيضا سلاح البحرية وسلاح الجو لديها لمساعدة حكومة الوفاق الوطني، والتأثير الأبرز جاء من استخدام طائراتها المسيرة فوق ليبيا. وبالتوازي مع الاتفاق العسكري في تشرين الثاني 2019، وقعت تركيا وحكومة الوفاق الوطني أيضا على اتفاق لترسيم الحدود البحرية بينهما، اتفاق رفضه تماما حفتر وحكومات اليونان، مصر، قبرص وفرنسا. كما أن المجلس الأوروبي شجب الاتفاق بصفته يخرق القانون البحري للأمم المتحدة. وزير خارجية إسرائيل في ذاك الوقت، يسرائيل كاتس قال في كانون الأول 2019 انه بينما تعارض إسرائيل الاتفاق "هذا لا يعني اننا سنرسل سفن حربية كي نصطدم بتركيا".

ان الجهود التركية لمساعدة حكومة الوفاق الوطني ينبغي تفسيرا في إطار السياق الإقليمي الواسع. فالعزلة المتزايدة لتركيا في شرق البحر المتوسط مثلما هي العلاقات المتوترة مع اتحاد الامارات، تدفعها لان تأخذ المخاطر في ليبيا. وستساعدها علاقاتها مع حكومة الوفاق ا لوطني ولا سيما اتفاق ترسيم الحدود البحرية على افشال الخطة الطموحة لإقامة أنبوب "EastMed"، المخصص لتصدير الغاز الطبيعي من إسرائيل الى أوروبا عبر قبرص واليونان. لو نجح حفتر في احتلال طرابلس (بدعم من اتحاد الامارات ومصر)، لكان هذا الإنجاز يشكل انتصارا كبيرا للدول المعارضة لتركيا. من هذه الناحية، لا تحتاج انقرة لان تشطب تماما إنجازات حفتر العسكرية - يكفيها وقف جزئي لمخططاته كي تحقق أهدافها الأساسية. في اعقاب الهزائم الأخيرة في أوساط قوات حفتر، كانت تقارير تفيد بان مرتزقة فاغنر انسحبوا من ميدان المعركة في طرابلس، التطور الذي بلا بشك يفرح انقرة. ومع ذلك، وفقا للتقارير، ردا على إخفاقات حفتر، نشرت روسيا طائرات حربية من طراز ميغ 29 وقاصفات سو 24 في القاعدة الجوية الجفرة في ليبيا بينما تعرضت لتوبيخ نادر ومقصود من جانب قيادة افريقيا للولايات المتحدة، وفي اعقاب ذلك أيضا كانت تقارير بان الولايات المتحدة تعتزم نشر لواء عسكري في تونس. اذا حققت حكومة الوفاق الوطني في نهاية المطاف السيطرة على منشآت النفط الليبية (التي بقيت تحت سيطرة حفتر)، فستجني تركيا فوائد اقتصادية هامة كونها تنقصها مقدرات الطاقة بحد ذاتها ومعقول الافتراض بانها ستضمن عقودا ربحية للشركات التركية التي ستساعد في إعادة بناء ليبيا. في الشهر الماضي قال وزير الطاقة التركي فاتح دومنز ان تركيا ستبدأ في تنقيبات عن النفط في شرق البحر المتوسط بعد ثلاثة أو أربعة أشهر "في إطار الاتفاق مع ليبيا". كما يبدو أن لتركيا مخصصات بعيدة المدى للبقاء في قاعدة سلاح الجو الاستراتيجية في الواطيا التي احتلت من قوات حفتر.

ان النجاح بعيد المدى للرهان التركي العسكري ليس مفهوما من تلقاء ذاته على الاطلاق، إذا اخذنا بالحسبان الانعطافات الكثيرة التي مرت على ليبيا منذ 2011، وإمكانية أن تجبر أزمة الكورونا أنقرة على تخفيف تطلعاتها. ومع ذلك، رغم ان التطورات في ليبيا بشكل عام لا ترتبط مباشرة بإسرائيل، ينبغي لتثبيت التواجد التركي في الدولة الافريقية الشمالية ان يثير اهتماما لدى مقرري السياسة في القدس كونه سيؤثر ليس فقط على الالية الداخلية في ليبيا (مثلا من خلال الاضعاف الكبير لحفتر وعلى ما يبدو حفظ مكان في طاولة المداولات على حل الحرب الاهلية لبعض المنظمات الإسلامية أيضا)، بل وسيكون لذلك أيضا آثار إقليمية هامة بسبب اضعاف المعسكر المتشكل بين اليونان - قبرص مصر - إسرائيل. لقد برزت إسرائيل في تغيبها عن اعلان مشترك لوزراء خارجية قبرص، مصر، فرنسا، اليونان واتحاد الامارات في 11 أيار والذي شجب التدخل التركي في ليبيا. يعكس الصمت الإسرائيلي معضلتها حول هل ترغب في أن تكون مشاركة في الحرب عن بعد في ليبيا. وبمراعاة ان علاقات إسرائيل مع تركيا إشكالية وان العلاقات مع روسيا بقيت حساسة، على القدس ان تستعد لإمكانية نفوذ إقليمي متواصل بل ومتزايد لهاتين الدولتين، ولا سيما في ضوء تواصل امتناع واشنطن عن اخذ دور دبلوماسي أو عسكري أكثر فاعلية.