عمر رمضان صبره
تمهيد
لقد أعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو بأكثر من حملة انتخابية وأكثر من موقف لحكوماته بان إسرائيل تريد إقامة دولة فلسطينية حدودها الجدار وبدون القدس وغور الأردن، ورفضه أي مشاريع تسوية على حدود الرابع من حزيران 1967 واعتبار الاغوار جزءا من حدود إسرائيل، على اعتبار أن هذه الحدود غير قابلة للدفاع عنها، وتمثل عمقاً استراتيجيا للدولة العبرية.
واخر التصريحات والوعود بضم غور الأردن حسب التصريحات الاسرائيلية عندما تم الاتفاق على تشكيل الحكومة الجديدة 2020 بين نتانياهو وغانتس، وبرغم ان نص الوثيقة لم تذكر الأغوار صراحة، الا انها المحت تلميحا بعمل تعزيز بمحيط النقب والجليل وتكثيف الاستيطان.
وبتصريحات الملك الأردني عبد الله الثاني، التي حذّر فيها من أنّ ضمّ إسرائيل لأجزاء من الضفة الغربية سيؤدي إلى “صِدام كبير” مع الأردن، كما حذّر خلال مقابلة مع مجلة “دير شبيغل” الألمانيّة، يوم الجمعة 15/5/2020، من أن يؤدي انهيار السلطة الفلسطينيّة إلى “مزيدٍ من الفوضى والتطرف في المنطقة”.
وبالرجوع لكافة الحكومات الإسرائيلية السابقة فإنها تؤكد على استمرار نهج الضم والسيطرة الفعلية للأغوار سواء بالإعلان او بدون ولكن الممارسات اليومية على الأرض تؤكد خطة الضم للأغوار الفلسطينية.
وتعتبر الأغوار الورقة التفاوضية المستمرة من الجانب الإسرائيلي التي تحاول إسرائيل العمل على ممارسة الضغوط على الجانب الفلسطيني من خلالها، علما بان إسرائيل تعتبر الأغوار العمق الاستراتيجي لدولتها، وكذلك تحاول إسرائيل منع قيام دولة فلسطينية على الحدود مع الأردن لعمق واهمية الحدود الشرقية لفلسطين التاريخية.
جغرافية الاغوار
تمتد الأغوار الفلسطينية من بيسان حتى صفد شمالًا، ومن عين جدي حتى النقب جنوبًا، ومن منتصف نهر الأردن حتى السفوح الشرقية للضفة الغربية غربًا.
وتبلغ المساحة الإجمالية للأغوار 720 ألف دونم، وتشكل منطقة الأغوار الفلسطينية مساحة ربع الضفة الغربية 28% من مساحتها.
وتقسم مناطق الأغوار إلى: مناطق (A) وتخضع لسيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية، ومساحتها 85 كم2، ونسبتها 7.4% من مساحة الأغوار الكلية؛ ومناطق (B) وهي منطقة تقاسم مشترك بين السلطة وإسرائيل، ومساحتها 50 كم2، ونسبتها 4.3% من المساحة الكلية للأغوار؛ ومناطق (C) وتخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة ومساحتها 1155 كلم، وتشكل الغالبية العظمى من منطقة الأغوار (بنسبة 88.3%).
قامت إسرائيل بالاستيلاء على 400 ألف دونم وتمثل نسبة 55% من المساحة الكلية للأغوار واعتبرتها مناطق عسكرية مغلقة يحظر على الفلسطينيين أي نشاط زراعي او عمراني فيها.
علما بان الاغوار الفلسطينية تنقسم اداريا الى ثلاث محافظات الأغوار الشمالية لمحافظة طوباس والاغوار الوسطي الى محافظة نابلس والاغوار الجنوبية الى محافظة اريحا.
سكان الاغوار
تشير احصائيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني “التعداد العام 2017” بأنه يعيش في الاغوار بما فيها مدينة أريحا 56908 نسمة وهم ما نسبته 2% من مجموع سكان الضفة الغربية، وهناك تقديرات لجهاز الإحصاء الفلسطيني بان سكان الاغوار بعام 2021 سيكون عددهم 62854 نسمة.
علما بان هناك تقارير صادرة عن دائرة شؤون المفاوضات بمنظمة التحرير الفلسطينية تفيد بان عدد السكان الفلسطينيين بالأغوار 70 ألف نسمة موزعة على 27 تجمعاً ثابتاً على مساحة 10 الاف دونم تقريباً.
السكان الفلسطينيين بالأغوار بين عامي 1948 و1967
يقدر عدد سكان المنطقة الممتدة من “عين جدي” حتى بيسان نحو 320 ألف نسمة ولكن عندما جاء الاحتلال الإسرائيلي انخفض عدد السكان اليوم الى ما يقارب 70 ألف وذلك بسبب السياسات الإسرائيلية للضغط على السكان بهدم العديد من القري البدوية ومنع السكان من التمركز والوصول الى الموارد المائية وفرض القيود على حرية التنقل وعدم تشجيع السكان على البناء والعمل والاستثمار وتعقيد الإجراءات للحصول على التراخيص من اجل البناء والعمل.
ويقول مركز بتسيلم الاسرائيلي، في تقرير له، إن نحو 65 ألف فلسطيني، و11 ألف مستوطن إسرائيلي يسكنون منطقة الأغوار.
السياسة الإسرائيلية بالأغوار
تمارس إسرائيل سياسة الضم الفعلي للأغوار الفلسطينية منذ نكسه 1967 كما فعلت بالقدس الشرقية مرورا بمشروع الضم المستقبلي للضفة الغربية فبدأت بسياسة هدم القري البدوية والترحيل القسري للسكان وكذلك منع حرية التنقل والحركة ومنع الاستصلاح الزراعي والتعمير والبناء وتعقيد إجراءات البناء الجديد الا بالحصول على تراخيص صعب الحصول عليها.
فبدأت إسرائيل بالاستيلاء على الأراضي وتسجيلها مستغلة قانون الأراضي العثماني 1858 الساري علما بان القانون قسم أنواع الأراضي الى خمسة أنواع من الأراضي.
وبدأت بتطبيق سياسة الإعلان عن المناطق العسكرية المغلقة وبهذا الإعلان استغلت إسرائيل الاستيلاء على الأراضي التي تقدر 400 ألف دونم تقريبا كمناطق عسكرية مغلقة، وهذا منع الفلسطينيين من الدخول الى الأراضي او الاستغلال الزراعي او البناء، علما بان إسرائيل اقامت سبعة حواجز عسكرية دائمة وكذلك 90 موقع عسكري.
الأغوار الفلسطينية وخطة ألون
ان تهويد وضم الأغوار ليس امرا جديدا بل هو منذ عام 1967 حيث وضع الوزير الإسرائيلي ييغال الون 1967 على الحكومة الإسرائيلية نظرة إسرائيل التوسعية لأكبر قدر من الأرض واقل عدد من السكان العرب، ولقد نشر خطة بعنوان اسرائيل حدود دفاعية بمجله أمريكية عام 1976 تتلخص خطته بضم الأراضي على الحدود الشرقية لإسرائيل تكون نهر الأردن ويعني ذلك هو ضم الاغوار الفلسطينية بالكامل، على ان يقيموا مستعمرات سكانية إسرائيلية وقواعد عسكرية دائمة، وكذلك الإسراع بإحياء الحي اليهودي بالقدس، بالإضافة لإقامة روابط مع زعماء وشخصيات فلسطينية لاطار حكم ذاتي، وإقامة حكم ذاتي بالضفة الغربية، وضم قطاع غزة بسكانه الأصليين، اما اللاجئين فيتم توطينهم بالضفة الغربية والعريش حسب رغبتهم وبمساعدة الأمم المتحدة.
الأهمية الاقتصادية للأغوار
تشكل أراضي الأغوار التي تمثل ثلث الضفة الغربية عمقا استراتيجيا ورافدا اقتصاديا واستثماريا كبيرا، وهي بحيرة مائية كبيره حيث ان صراع المستقبل هو حول المياه فالأهمية الاقتصادية للأغوار تتمثل بما يلي:
1- الاستيلاء على المياه الجوفية حيث ان منطقة الأغوار بحيرة مائية كبيرة والمستوطنات الإسرائيلية تستهلك 41 مليون متر مكعب من الماء سنوياُ علما بان عدد سكانها لا يتجاوز 8000 نسمه وبحد أقصى 11000 نسمه، ويستهلك السكان الفلسطينيين ما يعادل 37 مليون متر مكب من الماء علما بان سكان الفلسطينيين أكثر من ثمانية اضعاف المستوطنين.
2- تلجأ إسرائيل بشكل دائم الى اغلاق الآبار بالمناطق الفلسطينية والقيام بحفر الآبار بالمناطق المسيطرة عليها عسكريا فقد حفرت أكثر من 40 بئر ماء لسحب ما يعادل 40 مليون مكعب مائي.
3- تقوم إسرائيل بشكل مستمر بنهب المياه من نهر الأردن حيث نهبت كميات كبيره منه والعمل على تجفيف منابع نهر الأردن.
4- تقوم إسرائيل بالاستغلال الكامل للأملاح والمواد الطبيعية من خلال البحر الميت وصناعة منتجاته وبيعه حول العالم مما يرفد لها استثمارات كبيرة مالياً.
5- تستغل إسرائيل الأرض بالزراعة حيث تقوم إسرائيل بإنتاج زراعي والعمل على تسويقه وبيعه خارج وداخل فلسطين ويقدر عائد الاستثمار الزراعي السنوي بحدود 700 الى 800 مليون شيكل سنويا.
سياسات إسرائيل والقانون الدولي
إن سياسة الاحتلال الإسرائيلي بالأغوار كما بكل فلسطين هي سياسة تغيير وفرض امر واقع جديد من ترحيل السكان الى الهدم للتجمعات السكانية والعمرانية الى بناء مستعمرات والأماكن العسكرية التي تخالف القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني فمجلس الامن الدولي نص بقراره رقم 2334 بتاريخ 23/12/2016 “بإنشاء إسرائيل للمستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، ليس له إي شرعية قانونية، وطالب إسرائيل بوقف فوري لجميع الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وعدم الاعتراف بأي تغيرات في حدود الرابع من حزيران 1967”.
وكذلك تخالف إسرائيل اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين المؤرخة في 12/8/1949 وتنص المادة 49 منها على انه “لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحل أو تنقل جزءا من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها، وكذلك تنص المادة 53 “يحظر علي دولة الاحتلال أن تدمر أي ممتلكات خاصة ثابتة أو منقولة تتعلق بأفراد أو جماعات، أو بالدولة أو السلطات العامة، أو المنظمات الاجتماعية أو التعاونية، إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي حتما هذا التدمير.” وكذلك تنص المادة 147 “وتدمير واغتصاب الممتلكات على نحو لا تبرره ضرورات حربية وعلى نطاق كبير بطريقة غير مشروعة وتعسفية.”
بالإضافة لعشرات القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة بالأمم المتحدة والاتفاقيات والمواثيق الدولية التي تعتبر المرجعية القانونية الاولي لحل الصراع العربي الإسرائيلي التي دائما إسرائيل تضربه بعرض الحائط.
ختاماً:
مع أهمية الدور التي قامت وتقوم به الحكومات الفلسطينية لدعم صمود الأهالي بالأغوار الفلسطينية، المطلوب فلسطينيا اعادة تقييم الواقع الحالي للأغوار والعمل على تقديم خطة عمل لإعادة الاعتبار للأغوار بدعم صمود السكان الحاليين وانشاء المشاريع الزراعية وبناء التجمعات السكانية التي تحافظ على الوجود الفلسطيني، بالإضافة للقيام بحملة إعلامية دولية تلفت الأنظار الى منطقة الأغوار ومعاناة السكان فيها، وتقديم مشاريع للأمم المتحدة لسماح بالاستثمار والتطوير لمناطق الأغوار بما فيها المناطق المسماة (C). والعمل على تفعيل واستمرار مشروع تسوية أراضي الأغوار وتسجيل الأراضي للحفاظ عليها ومع ضرورة تسجيل الأراضي الوقفية واراضي الدولة ليتم حصرها والحفاظ عليها.
والعمل على برنامج دعم للعاطلين عن العمل بإنشاء مشاريع زراعية مثلاً، مدعوم ببرنامج اقراض باسم (البطالة مقابل العمل والتعمير بالأغوار) برسوم رمزية تسدد من خلال العائد على المشروع، مقابل تعمير الاراض والحفاظ عليها.
علماً بانه يوجد بعض التصريحات ووثائق إسرائيلية تقول ان استمرار السيطرة الإسرائيلية على الأغوار لا تمثل حلا للتهديدات الرئيسية بعد إقامة تسوية سياسية مع الفلسطينيين، وان حدود 1967 هي الحدود الدائمة التي ترسم خط الدفاع الإسرائيلي وتكون إسرائيل قادرة على حماية حدودها.
باحث قانوني