كشفت وثيقة سريّة نشرت اليوم، السّبت، أن رئيس شعبة الاستخبارات العسكريّة في الجيش الإسرائيلي ("أمان") امتنع عن استخدام "وسائل خاصّة" عشيّة حرب تشرين أول/أكتوبر عام 1973، كانت ستساهم في إنذار إسرائيل بموعد التحرّك العسكريّ العربيّ قبل الحرب بيومين.
وبعد الحرب، حدّدت لجنة التحقيق في ظروف اندلاع الحرب، التي ترأسها رئيس المحكمة العليا، شمعون أغرانط، وعرفت باسمه – لجنة أغرنت، أنّ رئيس "أمان" حينها، إيلي زعيرا، أخطأ عندما امتنع عن استخدام هذه الوسائل، وكتبت اللجنة في الوثيقة "كان من واجبه السماح بالاتصال بالمصادر (الاستخباريّة) لبذل كل الممكن لمعرفة مقاصد العدوّ" وأضاف "الخطّأ الذي يؤدي إلى عدم استغلال مصدر استخباراتي حيويّ عند الحاجة القصوى له، هو بمثابة خطأ مهني خطير".
لكن اللجنة تخلص إلى أن زعيرا ليس فقط لم يستخدم المصادر، إنما "ضّلل قيادات الجيش والدولة، وبينهم وزير الأمن، موشيه ديان، ورئيس الأركان، دافيد العازار، ورئيسة الحكومة، غولدا مئير، وجعلهم يعتقدون أنه استخدم هذه الوسائل، في الوقت الذي لم يستخدمها".
ورغم أن هذه "الوسائل الخاصّة" ليست معروفة بعد، إلا أن وسائل إعلام إسرائيلية وأجنبية قالت إنها أجهزة تجسّس متطوّرة وحسّاسة، قادرة على التقاط المحادثات الهاتفيّة في الجيش المصري.
وذكرت صحيفة "هآرتس"، التي أوردت الوثيقة، أن متخّذي القرارات في إسرائيل كانوا مقتنعين أن استخدام هذه الوثائق سيعطي إسرائيل قدرة للردع تمتد إلى 48 ساعة، وذلك لأنه "لا يمكن لأي جيش أن يبدأ حربًا كبيرة ومعقّدة بدون الاتصال بشكل دائم مع وحداته المقاتلة قبل بدء الحرب بأيام"، بحسب ما تنقل الصحيفة عن عضو جمعية "مركز حرب يوم الغفران"، أوري بار يوسف.
ولفتت الصحيفة إلى أن مصر كانت تعرف أن لإسرائيل قدرات على اختراق الاتصالات الخليويّة في الجيش المصري، وأنه "كان واضحًا" لـ"أمان" أنّ المصريّين سيمتنعون عن تمرير معلومات حسّاسة كهذه عبر الأجهزة اللاسلكيّة، وأنهم سيجبرون على استخدام الهواتف الأرضية. وكان على "الوسائل الخاصّة" هذه أن تمكّن معرفة ما يجري في الهواتف الأرضية.
وجاء في الوثيقة أن لشعبة الاستخبارات العسكريّة الإسرائيلية "مصدر معلومات له القدرة بشكل فائق وموثوق به جدًا بصبغة إنذاريّة"، وهو ما اطلّع عليه رئيس الشعبة، الذي قال للجنة أنّه "بذل جهودًا خاصّة منذ استلامه منصبه للاتصال بهذه المصادر.. انطلاقًا من أن إسرائيل ستحصل منها، في نهاية المطاف، على إنذار بالحرب"، وأن "المواد التي تقدّمها هذه المصادر لها مصداقية دون أدنى شك"، لكن الصعوبة، وفق الوثيقة، في أن "التواصل مع هذه المصادر حساس للغاية"، أيّ أن استخدام هذه الوسائل والتواصل مع المصادر كان من الممكن أن يؤدّي إلى مخاطرة في تعرّضها للكشف.
وأوضح زعيرا للجنة أغرانط افتراضه أنه يجب استخدام هذه الوسائل في أوضاع "عدم اليقين"، التي تتوفّر فيها شكوك جديّة حول بدء الحرب، إلا أنه رفض ابتداءً من الأول من تشرين الأول/أكتوبر (قبل 6 أيام من الحرب) طلبات متكرّرة لاستخدام هذه الوسائل.
وقدّم قائد الوحدة المسؤولة عن استخدام هذه الوسائل، يوسي لونجتشيك، إفادة للجنة التحقيق قال فيها إن رئيس قسم جمع المعلومات في الوحدة، مناحم دغلي، ورئيس وحدة التنصّت الرئيسة في الشعبة، يوال بن فورات، ناشدا زعيرا استخدام هذه الوسائل، بادّعاء "الحاجة إلى إنذار تفوق خطر القلق على أمن هذه الوسائل"، إلا أنه رفض، حتى مساء يوم الخميس، الرابع من تشرين أول/أكتوبر 1973، حين سمح بإجراء فحوصات تقنيّة فقط للوسائل. وهذه الفحوصات، وفق الصحيفة، لا تمكّن من استنفاد المعلومات الناجمة عنها.
وأوضح زعيرا أنه لم يستخدم هذه الأجهزة نظرًا لشعوره "بأننا لسنا في وضع تنقصنا فيه معلومات. كانت لدينا معلومات بشكل كبير"، إنما النقص، بحسب زعيرا، هو في شرح المعلومات المتوفرة، لا المعلومات نفسها.
ويتّضح من خلال الوثيقة أن متّخذي القرارات في الجيش الإسرائيلي والحكومة "ضلّلوا" للاعتقاد أن عدم حيرة زعيرا (في أن الجيش المصري لن يبدأ حربًا) مردّه أن "استخدم هذه الوسائل الخاصّة"، فاعتقدت غولدا مئير، وفق الوثيقة، "أنه كان واضحًا عندها على الإطلاق أن المعلومات المتوفرة لدى الحكومة هي من الوسائل المذكورة".
إلا أن زعيرا استخدم هذه الوسائل ساعات قبل اندلاع الحرب، أي صباح السادس من أكتوبر بشكل عام وعمليّاتي، إلا أن دور هذه الوسائل في منح الجيش الإسرائيلي القدرة على الاستعداد تؤول إلى الصفر.
وكان زعيرا قلّل من المعلومات التي حصل عليها رئيس جهاز الموساد، تسفي زمير، من المصري أشرف مروان، التي أعلمهم فيها بموعد اندلاع الحرب.