تبدو الأوضاع في سورية بعد 5 أعوام تقريبا من تدخّل روسيا عسكريًا، بغير ما طمح إليه الرئيس، فلاديمير بوتين، فلم يستعد النظام سيطرته على كافة البلاد، بعد، برغم الغطاء الناري والدبلوماسي الذي وفّرته روسيا وإيران له.
ورغم الهدوء الحذر على الجبهات السورية المتعدّدة، إلا أنّ الشركات الروسية لم تتمكّن بعد من بدء إعادة الإعمار في سورية، وهي حاجة ملحّة، خصوصًا في ظلّ التراجع الكبير في أسعار النفط خلال الأشهر الماضية والانتشار الكثيف لفيروس كورونا حول العالم.
في هذا السّياق، كشف مقرّبون من بوتين لوكالة "بلومبيرغ" الأميركي، اليوم، الثلاثاء، مواقفه مما يجري في سورية، التي تظهر غضبًا على الرئيس السوري، بشّار الأسد، ونفورًا شخصيًا منه.
أوساط بوتين: الأسد ناكر للجميل
وبحسب الوكالة فينظر بوتين إلى الأسد باعتباره ناكرًا لجميل "إبقائه في السلطة بسبب التدخّل العسكري الروسي في حرب بلاده الأهليّة الدمويّة" في اللحظة التي احتاجه فيها سيّد الكرملين.
ويصرّ بوتين أن يبدي الأسد "مرونة أكبر في المحادثات مع المعارضة السوريّة سياسيًا، لإنهاء الصراع الذي يدوم منذ قرابة العقد"، بحسب ما نقل الوكالة عن 4 أشخاص على صلة بمداولات الكرملين بشأن سورية.
وأرجع الوكالة الهجمة التي شنّتها وسائل إعلام روسية على الأسد، خلال الأسبوعين الأخيرين، إلى "رفض الأسد التنازل عن أيّة سلطة مقابل اعتراف دولي أكبر، وربمّا، مقابل مليارات الدولارات على شكل مساعدات لإعادة الإعمار".
ونقل الوكالة عن الدبلوماسي الروسي السابق ومدير المركز الأوربي الشرق الأوسطي في موسكو، المموّل حكوميًا، ألكسندر شوملين، أن الكرملين بحاجة إلى وضع حدّ لوجع الرأس السوري، "والمشكلة هي مع شخص واحد، الأسد وحاشيته".
إلا أن الوكالة بدا أقلّ اندفاعًا باتجاه أن تسفر الأزمة بين بوتين والأسد إلى عزل الأخير، فكتب "غضب بوتين وغموض الأسد يسلّطان الضوء على الحيرة الروسيّة، لأنّ الجانبين يعلمان أن لا بديل للأسد يمكنه التوصل إلى اتفاق. فبينما استفاد بوتين من تدخّله العسكري الناجح في سورية عام 2015 لاستعادة تأثير بلاده العائد إلى حقبة الاتحاد السوفياتي لتكريسها لاعبًا أساسيًا في الشرق الأوسط، راوغ الأسد بين موسكو وبين راعيته العسكرية الأبرز الأخرى – إيران، ليحتفظ بقبضته على السلطة".
وبحسب الوكالة، ضغطت روسيا على الأسد خلف الكواليس لسنوات طويلة، دون أن تنجح في الحصول على تنازلات سياسيّة رمزيّة على الأقل، للفوز بتأييد الأمم المتحدة لإعادة انتخابه المتوقعة في العام 2021.
إلا أنّ الانتقاد العلني المفتوح الأخير، يشير إلى تغيّر حادّ في النهج الروسي تجاه الأسد.
ونقل الوكالة عن الدبلوماسي الروسي السابق، ألكسندر أكسينيونوك، الذي انتقد الأسد الأسبوع الماضي، قوله "إن رفض الأسد القبول بدستور جديد، فسيكون قد وضع النظام السوري في خطر عظيم".
وقال شخص آخر مقرّب من بوتين إنّه ينظر إلى الأسد على أنه "شخصيّة عنيدة" مخيّبة للآمال، واستخدم وسائل الإعلام المقرّبة من الكرملين إلى تفريغ غضبه تجاه الأسد. لكن الرئيس السوري، بحسب الوكالة، "لا يمكن التخلّي عنه" لأنه لا بديل متوفرًا في سورية.
بينما قال دبلوماسي روسي مطّلع على الملف السوري، إنّ تحذيرات موسكو الأخيرة تعكس إحباطًا داخل مجتمع رجال الأعمال الروسيين جرّاء فشلهم في دخول الاقتصاد السوري، وأضاف أن روسيا تدرك أيضا مدى صعوبة الوضع في البلاد، مع فشل الأسد في توفير السلع الأساسية بسبب جائحة فيروس كورونا، ومشكلة شبكات الفساد، التي قد تصل إلى حدّ التمرّد في مناطق معيّنة في المستقبل.
بينما قال مدير برنامج الشرق الأوسط وشماليّ أفريقيا في مجموعة الأزمات الدوليّة، ومقرها بروكسل، جوست هيلترمان، إنّ الأسد "كان دومًا عنيدًا في مواجهة الضغط الروسي لأنه يعرف أن سورية أكبر من أن تفشل بالنسبة لروسيا".
في حين حذّرت الباحثة الرئيسيّة في معهد الدراسات الشرقية التابع للأكاديمية الروسية للعلوم الذي تديره الحكومة الروسيّة، إيرينا زفيياجيلسكايا، إنّ روسيا، التي تحتفظ بمنشأة بحرية وقاعدة جوية في سورية وأرسلت شرطة عسكرية لتسيير دوريات في المناطق التي كان يسيطر عليها المتمردون السابقون ووصلات الطرق الرئيسية، "تتمتّع ببعض النفوذ لكنها ستخاطر بشدّة إذا حاولت الإطاحة بالأسد".
وتواجه روسيا عقبات عديدة لإقناع الأسد الامتثال لها، ليس من قبل إيران فحسب، إنما من قبل الإمارات العربية المتحدة، "التي تحرص على موازنة النفوذين الإيراني والتركي في سورية"، التي جدّدت مؤخرًا علاقاتها الدبلوماسيّة مع نظام الأسد.
أي دور لترامب في سورية؟
في السّياق ذاته، أشارت مجلّة "فورين أفيرز" الأميركيّة المحافظة، والمقرّبة من الإدارة الأميركية الحالية، إلى أن روسيا "وصلت، الآن، إلى الحد المطلق لما يمكن أن تحققه في سورية، سواء لأغراض بيع الأسلحة أو تلميع سمعتها أمام المجتمع الدولي".
وأضافت المجلّة أن مزيدًا من الانخراط في سورية "يهدّد الآن بإلحاق الضرر بصورة روسيا، عبر الكشف أن ترسانتها العسكريّة فشلت أمام الترسانة العسكرية التركية المتفوّقة".
وكرّرت المجلة، في مقال بعنوان "كيف يمكن أن يساهم ترامب في إنهاء الحرب السورية؟"، الربط بين الانتقادات الروسية للأسد وبين أزمة النفط الأخيرة، كاتبة "مع وصول أسعار النفط إلى مستويات منخفضة جديدة، يحتاج بوتين بشدّة إلى مصادر جديدة للإيرادات" واستنتجت أنّ أي اتفاق سلام سيمكّن "من إطلاق مشاريع إعادة الإعمار سيتيح لروسيا فرصة لاسترداد بعض الأموال التي أنفقتها لدعم الأسد - من خلال تزويد الشركات الروسية بسلسلة من العقود المربحة المتعلقة بإعادة الإعمار - ومنح بوتين أيضًا انتصارًا سياسيًا دوليًا".
وخلص التقرير إلى أنّ بوتين "لن يتخلى عن فكرة الدور القيادي لروسيا في سورية ما بعد الحرب... لكنه سيتخلى عن الأسد بنفسه كوسيلة لتحقيق هذه الغاية".
أمّا بخصوص الدور الأميركي المحتمل، فنصحت الصحيفة الإدارة الأميركيّة إلى أن تركّز، "أولَا وقبل كل شيء، على إحضار روسيا إلى طاولة المفاوضات"، لكنّها دعت إلى ضرورة إرضاء تركيا قبل ذلك.
اقرأ/ي أيضًا | بيان روسي حاد عن "شائعات حول سورية" يستثني الأسد
وخلصت المجلة إلى أن بوتين لن يتردّد في قبول دعوة ترامب لإجراء مفاوضات حول سورية، وأرجعت ذلك ليس فقط إلى "طموحاته في مؤتمر يالطا جديد"، ولكن "لأن لا خيار له يذكر".