لقد حقق فيروس كورونا ما عجز عن تحقيقه اتفاق باريس ومؤتمرات المناخ المتعددة فخلال الأيام المائة من توقف وسائل النقل والمصانع وتراجع استهلاك الطاقة في العالم تحولت كرتنا الأرضية إلى كرة نظيفة تبدو للناظر إليها من الفضاء الخارجي بدون سحب سوداء ودمامل الغازات السامة، فقد نشرت وكالة الفضاء العالمية صوراً عن كرتنا الأرضية أظهرت فيها نقصاً في انتشار ثاني اوكسيد النيتروجين السام الناتج عن احتراق المواد في المصانع والذي ينجم عنه بطءٌ في نمو النباتات وسقوط أوراق الأشجار، هذا على صعيد الطبيعة أما على صعيد الإنسان فيصيبه الاحتباس بأمراض شتى أقلها التهاب العينين. وكما بين مركز أبحاث الطاقة في فنلندا أنه ما بين3 إلى 16 من شباط الماضي حدث انخفاض في نسبة ثاني أوكسيد الكاربون بواقع 25% مقارنة عن العام الماضي، وهو يمثل في الوقت نفسه تراجعاً بنسبة 6% من الانبعاثات الحرارية في الفترة عينها.
وكان الأولى أن يقوم العالم بأسره وبالأخص الدول الصناعية الكبرى باجراءات تكفل إيقاف ظاهرة الاحتباس الحراري وأن لا يتركوا لفيروس كورونا أداء هذه المهمة الحيوية والتي ستنقذ كرتنا الأرضية من مخاطر الفيضانات واحتراق الغابات وانتشار الأوبئة كالملاريا على رغم ما تركه هذا الفيروس من آثار خطيرة على شعوب الكرة الأرضية بالأخص الدول الصناعية الكبرى كالولايات المتحدة وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا واسبانيا.
ولقد صدق العالم الصيني (لي شو) عندما قال “وباء كورونا يعود بجزء منه إلى اختلال التوازن الصحي بين البشر والطبيعة وبالتالي لا ينبغي تفويت الفرصة لاعادة هذا التوازن”. وهكذا عندما أهمل الانسان نظافة بيته ولم يكترث بصرخات واستغاثة العلماء عن مخاطر الاحتباس الحراري جاءت الطبيعة لتؤدبه ولتعيد كرتنا الأرضية شيئا فشيئا إلى ما قبل زمن الصناعة.
فعقاب الطبيعة للبشرية دائماً يأتي متوافقاً مع قول الله سبحانه وتعالى [ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ].وهل هناك فساد أكبر من السباق المحموم على استخدامات الطاقة غير النظيفة وبدون روية مما سيهدد الكرة الأرضية بدمار شامل.
فحركة الطيران وحدها تتسبب في 2% من ابتعاث غاز ثاني أوكسيد الكاربون ناهيك عن بقية المصادرالاخرى من مصانع ونقل بري وبحري واستخدام الفحم في انتاج الطاقة واستعمال الأسمدة والمبيدات في الزراعة الأمر الذي أوجد غازات سامة كغاز الميثان وغاز اول أوكسيد الكاربون وثاني أوكسيد الكاربون، فعملت هذه الغازات على زيادة معدلات درجات الحرارة الأمر الذي أدى إلى:
ارتفاع مستوى البحر بحيث سيصل هذا الارتفاع في نهاية القرن إلى (26 – 82 سم)
زيادة في شدة الأعاصير والعواصف التي تجتاح القارات
الجفاف في بعض مناطق العالم وفيضانات في مناطق أخرى
ذوبان الأنهار الجليدية والذي سيتسبب في زيادة مياه المحيطات وانخفاض في كمية المياه العذبة، حيث تشكل هذه الأنهار ثلاثة أرباع مصدر المياه العذبة في العالم.
ومن المؤسف لم يبق من هذه الأنهار سوى 30 بينما كان العدد 150 نهراً في عام 1910.
انتشار الأمراض والأوبئة كالملاريا.
زيادة في معدلات الحرائق في الغابات.
القضاء على الشُعب المرجانية مع زيادة درجات حرارة المياه، حيث ان زيادة 1.5 في درجات حرارة المحيطات سيقضي على 70 – 90% من الشُعب المرجانية وبزيادة درجتين سيقضي على 99% من هذه الشُعب.
وهذا كله يشكل تهديداً مستمرا لمستقبل البشرية على الأرض. إذ تسبب الاحتباس الحراري في تخريب بيئة الأرض بما يساوي ما تعرضت له الأرض خلال ثلاثة ملايين سنة.
اضف إلى ذلك ما يشكله التغيير المناخي من متغيرات في الأمن الصحي والأمن الغذائي، وأيضاً ما يشكله من تهديدٍ للمدن الساحلية والجزر البحرية.
لنسلم ستنتهي الجائحة في يوم من الأيام إن عاجلاً أو آجلاً، ربما لعدة أسابيع في بعض الدول أو عدة أشهر في دول أخرى لكن يجب أن تتحول إلى درس للبشرية بالأخص الشعوب الصناعية التي تتحمل اليوم مسؤولية مستقبل الأجيال القادمة فكفى هذا الاسراف في استخدام الطاقة.
لقد اشعل فيروس كورونا أمام البشرية ومن خلال معايشة يومية ضوءا أحمراً وآخر أخضراً.
فالضوء الأحمر يكشف عن خطورة التمادي في قتل الطبيعة التي حباها الله للإنسان ليعيش حياتاً رغيدةً لا أن يدمرها بالجشع وسوء الاستخدام.
والضوء الأخضر الذي أشعله الفيروس يكشف عن الحل الذي يكمن في التقليل من مسببات الاحتباس الحراري حتى يبقى كل شيء في كرتنا الأرضية سالماً نظيفاً.
فإذا أردنا أن تبقى سماؤنا زرقاء صافية ونتلذذ بمشاهدة الطيور وهي تقفز من غصن لآخر..
إذا أردنا أن تكون مياهنا نقية صافية ونتنعم بمشاهدة الأسماك الزرقاء والحمراء وهي تسبح في المياه بحرية، لابد من إيقاف هذا الافراط في استخدامات الطاقة.
ولنكرر تجربة الحظر والعزل الذي نعيشه هذه الأيام مجبرين، ولنخصص يوماً في كل شهر أو أسبوعاً في كل سنة للحظر والعزل لكن هذه المرة بارادتنا وليس بإرادة فيروس COVID19.
خارطة الصين من حيث انتشار ثاني اوكسيد الكاربون كما تبدو من الفضاء الخارجي قبل وبعد اجتياح الجائحة
أستاذ جامعي