الأسبوع الثالث على الدخول في نفق الحجر، هذا أسبوع الحديقة، بحيث تبدو ضرورية بشكل خاص عملية تعشيب الأحواض المهملة، التي أهملت لأسباب تبدو غير مقنعة ومبالغا بها الآن، وانشغالات تبدو الآن بعيدة وغير ضرورية، أو بسبب الضجر ونزعة التأجيل، الضجر نفسه الذي يقودنا في هذه الصبيحة إلى تلك الأحواض حيث يحاول النعناع أن يتنفس بين كثافة الأعشاب المتطفلة، وعدوانية نبات "القريّص"، وتعفّف "الطيّون" وفضوله الخاص.
يمكن التقاط حبات مبكرة من اللوز الأخضر عن شجيرة نشيطة لم أنتبه لها من قبل، رغم أنها كانت هنا دائما تبذل جهدها بإخلاص، تبرعم وتورق وتزهر وتعقد الثمر في متوالية كاملة.
على الأرض بين الشجيرات، انتشر حقل صغير متجانس من "اللوف"، اللوف نبات قوي وجميل بأوراق عريضة داكنة الخضرة فيها شيء من النباتات الاستوائية، الزهور الزنبقية بلونها القرمزي تقف بصلابة وتمنح المشهد لونا خاصا وسمة تذكّر ببرية مفقودة.
أكوام من الأعشاب والنباتات والأغصان الذابلة تنتشر على المداخل في الحي، الحدائق والحواكير الصغيرة والشرفات تتنفس بشكل أفضل.
الأسبوع الثاني، أعاد نصف سكان الحي طلاء أسيجتهم، اللون الأزرق كان غالبا، وانهمك آخرون بترتيب مداخل البيوت والبنايات، وسقاية الأشجار على الأرصفة والنباتات على الشرفات.
كل هذا كان مؤجلا.
ثم وصلت سيارة خضار إلى أبواب البيوت.
الرجل الذي يصعد كل يوم من الوادي، منذ سكنت الحي قبل سنوات، ويعود بكيس خضار بلاستيكي مرّ عن سيارة الخضار ولم يتوقف، بدا أنه لا يراها وللحظة تخيلت أنه يمر عبرها.
الأسبوع الأول، وصل ثعلب صغير إلى الشارع، منذ سنوات اختفت الثعالب من هنا، لم تعد تصعد من الوادي بأجسادها الصغيرة المغبرة ووقفتها المتوترة وذيولها المنكشة، صعد بحذر من بقايا دغل نجا من المقاولين، إلى حين، بدا أكثر جرأة أمام الشارع المهجور.