ما نوع الضم الذي اتفق عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع شريكه المعارض بيني غانتس؟ ماذا يعني ضم إسرائيل للغور الفلسطيني وجنوب البحر الميت؟ كيف سترد "حركة السلام"؟ ما هو موقف الأردن والسعودية؟ ما حقيقة الطاقم الأمريكي للسلام وطبيعة السياسات الخارجية الأمريكية الإسرائيلية المشتركة؟ هذه كانت محاور ندوة عبر الإنترنت شاركت في رعايتها، مؤخراً، مؤسسة السلام في الشرق الأوسط و"الأمريكيون من أجل السلام الآن".
وضمت الندوة عبر الإنترنت بريان ريفز، مدير العلاقات الخارجية في "حركة السلام الآن"، وليور أميهاي، المدير التنفيذي لمنظمة "ييش دين"، وأدارت الندوة التي استغرقت نحو ساعة لارا فريدمان، رئيسة مؤسسة السلام في الشرق الأوسط.
وطرحت فريدمان، خلال اللقاء العديد من التساؤلات التي بقيت معلقة بإجابة ونصف إجابة ودون إجابة، من بينها: هل واشنطن وتل أبيب اتفقتا على خرائط الضم وسط انشغال العالم بالحرب على "كورونا"؟ وما صحة ما طرحة رونين بيرتس، مدير عام ديوان نتنياهو بأنّ الفريق الأمريكي الإسرائيلي الذي يقوده السفير الأمريكي ووزير السياحة الإسرائيلي أنجز الاتفاق والخرائط لضم المناطق "التي يجوز لإسرائيل ضمها؟"، وهل حقاً لن تسمح إسرائيل للفلسطينيين باستخدام الشارع الالتفافي الذي يستخدمه المستوطنون؟ وهل شارك رؤساء مجالس المستوطنات في الضفة الغربية في رسم الخرائط؟ وهل طاقم ترامب وإدارته أقروا المشروع الاستيطاني الأخطر "E1" الذي سيؤدي إنجازه إلى فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها ويقضي نهائياً على حل الدولتين؟
المستوطنات والاحتلال
وركز بريان ريفز على المستوطنات والاحتلال في سياق أزمة فيروس كورونا المستجد. وناقش السياسات الإسرائيلية المختلفة بين ما يُطبق على الأرض في الضفة الغربية المحتلة وممارسات جيش الاحتلال الإسرائيلي مع الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال، ووجود أكثر من 600 حاجز عسكري وعائق للحركة الفلسطينية الحرة بين المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، وما تنشره إسرائيل في وسائل الاعلام العالمية عن الديمقراطية والتعامل مع الفلسطينيين تحت حكمها في الأراضي الفلسطينية.
ولفت إلى الشوارع الالتفافية التي شقتها وتشقها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة لصالح تنقل المستوطنين، وكيف أن معظمها لمصلحة الاستيطان والمستوطنين، ولا يحق للفلسطينيين استخدام قسم كبير منها، وقسمٌ كبيرٌ منها مُكرَّس للمستوطنين في الضفة الغربية.
وأكد أن تحركات الحكومة الإسرائيلية اليوم، ومنذ ظهور فيروس كورونا وقبله، تتركز على مشاريع الاستيطان، بينما تركيز العالم على الأزمة الصحية، واستمرار عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين يتضاعف وفق تقارير من الميدان، من (أوتشا)- الأمم المتحدة، وبتسيلم، ومنظمة "ييش دين".
وقال ريفز: "غالبًا ما يصف مؤيدو إسرائيل إحجام الولايات المتحدة عن الضغط علانيةً على تل أبيب بشأن نشاطها الاستيطاني في الضفة الغربية بأنه يشبه الصديق الذي يظل صامتًا على إدمان صديقه للمخدرات، ولكن في عهد الرئيس ترامب هذا بات حقيقياً، حيث قوبلت التطورات الاستيطانية الأكثر فظاعة بصمتٍ تامٍّ من واشنطن، ليصبح هذا الصمت بمثابة الصديق الذي كان يمكِّن صديقه من إدمان المخدرات حتى أصبح مدمنًا هو الآخر".
وأشار إلى تصريح وزير الخارجية الأمريكي الذي وصف بناء المستوطنات بأنه "لا يمثل انتهاكًا للقانون الدولي"، ما يُمثل إشارةً على الموافقة الضمنية عليه، "فإن الموقف الأمريكي الجديد لن يؤدي سوى لتدمير حل الدولتين، فدون ممارسة واشنطن الضغط، فإنه سيتم ترك إسرائيل تبني المستوطنات حسب رغبتها، وتستولي على أجزاء أُخرى من الضفة الغربية".
ويرى ريفز أن إدارة ترامب وطاقم السلام في البيت الأبيض الحاليين دمروا وضيّعوا عقدين من العمل على بناء توافق حول شكل الحدود في حال تم تطبيق حل الدولتين، فمنذ التسعينيات من القرن الماضي، عملت اتفاقات أوسلو للسلام، بمساعدة الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، على تحسين المعايير بشأن حل متفق عليه للقضايا الأربع الأساسية للصراع (القدس واللاجئون والأمن والحدود)، ولكن إدارة ترامب قامت عمدًا بتدمير ذلك.
وقال ريفز: "في البداية دمرت الولايات المتحدة صيغة "عاصمتين لدولتين"، وذلك عن طريق نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وخفض أعمال القنصلية الأمريكية، ثم شطب قضية اللاجئين، ووقف مساعدات الأونروا، واصفاً سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل ديفيد فريدمان بأنه "إشكالي"، كونه يعيش في مستوطنة غير شرعية على الأراضي الفلسطينية وأيّد علانيةً حكومة نتنياهو في مطالبتها بالاحتفاظ بغور الأردن، وكذلك موقفها حول الأمن، وبعد شهر دعم نتنياهو مشروع قانون لضم المنطقة، والآن يتم تحدي إعلان الخارجية الأمريكية حول قضية الحدود، وهذا نسف لكل قضايا الحل النهائي وفق اتفاق أوسلو.
وأضاف: "إن "السلام الآن" تتحدث اليوم عن وجود نحو 43 ألف مستوطن في الضفة الغربية، وبينما يمكن دمج معظمهم في إسرائيل في حال تم حل الدولتين، فإن نحو 150 ألفاً منهم (أي 20 ضعف عدد الذين تم إجلاؤهم من قطاع غزة في عام 2005) سيكونون بحاجة إلى الإجلاء إذا كان لدى الفلسطينيين أي فرصة لإقامة دولة قابلة للحياة وأن تصبح جاراً مستقراً لإسرائيل. وحتى في حال وجود قرارات بمنح عائلاتهم تعويضات سخية، فإنه سيظل من الصعب للغاية على أي قائد إسرائيلي توجيه عملية إخلاء بهذا الحجم دون أن يفقد ائتلافه في اليوم التالي. إذاً، لماذا تسمح الولايات المتحدة لإسرائيل بالسير في طريق التوسع الاستيطاني غير المقيد الذي لا تستطيع أن تنجو منه؟، الإجابة هي لأنه من الواضح الآن أن من مصلحة الإدارة الأمريكية الحالية تشجيع مثل هذه السياسات الاستيطانية الإسرائيلية قصيرة النظر".
إدارة ترامب تضرب مقومات إمكانية إقامة دولة فلسطينية
وقالت رئيسة مؤسسة السلام في الشرق الأوسط لارا فريدمان: "ما يجري من سياسات خارجية أمريكية وإسرائيلية مشتركة يضمن دعم اليمين الإسرائيلي لنتنياهو وترامب"، تلك السياسة لم تهتم على الإطلاق بالفلسطينيين، كل هذا يأخذ الدبلوماسية الأمريكية إلى درجات غير مسبوقة في التراجع، لأن الفلسطينيين أساس في معادلة الصراع".
وأكدت فريدمان أنّ موقف إدارة ترامب واضح في ضرب مقومات إمكانية إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة. وقالت: "إن فريق ترامب للسلام يعمل مع نتياهو وفريقه، وحدهم يقررون كيف سترسم حدود الكانتونات الفلسطينية وفق الخطة الإسرائيلية القديمة أصلاً، التي تضم السياسات التي تعرقل وجود دولة فلسطينية، كنتونات وبلديات ومجالس إدارية لحكم ذاتي مصغر، وكل المفاتيح بيد الجيش الإسرائيلي، الفلسطينيون لن يحصلوا على أي شيء في خطة ترامب".
مخطط ضم الغور
وحول "مخطط الضم الإسرائيلي لغور الأردن"، قال ليور أميهاي: "فكرة ضم غور الأردن قديمة في أوساط أحزاب اليمين وحزب الليكود، وهذا هو الحلم القديم الذي يساور اليمين الإسرائيلي"، مشيراً إلى أن "منطقة الغور تتركز في جنوب منطقة بيسان وحتى شمال البحر الميت، وإلى الشرق منها توجد جبال الأردن، والغرب جبال الضفة الغربية، حيث يوجد في الغور مجلسان استيطانيان إقليميان، الأول عرافوت في الشمال، والثاني ماغيلوت في الجنوب".
ونُقل عن "منظمة "بتسيلم" لحقوق الإنسان أنّ عدد سكان غور الأردن يصل إلى 65 ألف فلسطيني، وهناك 11 ألف يهودي، ويعني الضم إعلاناً أحادي الجانب من الحكومة الإسرائيلية، دون اتفاق مع الفلسطينيين أو الأردنيين، بفرض السيادة الإسرائيلية والقانون الإسرائيلي الكاملين على هذه المنطقة".
وأشارت "بتسيلم" إلى أن "المبرر الإسرائيلي للضم ينطلق من الرغبة بفرض السيطرة الأمنية على حدودها الشرقية في هذه المنطقة، وينطلق داعمو الضم من أن الجيش الإسرائيلي سيبقى هناك إلى الأبد".
وأوضحت أن "الضم سيؤثر على أوضاع المستوطنين في الغور من خلال تسهيل إجراءات تخطيط البناء، وشق الطرق غير المتوفرة اليوم بكثرة، والإسراع بإنشاء مشاريع البنى التحتية كالمياه والكهرباء والصرف الصحي، ونقل الصلاحيات الإدارية من الإدارة المدنية/ الحكم العسكري إلى السلطات المحلية، وتقوية العلاقة مع الوزارات الحكومية الإسرائيلية، وتقصير فترة استخراج التصاريح اللازمة للمشاريع الميدانية والاستيطانية، أي فتح باب الاستيطان على مصرعيه، وبأسرع وقت وأقل التكاليف، وبدعم حكومي ومن الداعمين في الخارج".
وقالت منظمة "ييش دين" الإسرائيلية: إن ضم الغور مخالف لاتفاق المرحلة الانتقالية بين الإسرائيليين والفلسطينيين منذ العام 1995، ومعارضة قانونية دولية وسياسية، فالدول الأوربية سترفض الخطوة من الأساس، وكذلك روسيا والأمم المتحدة، والأردنيون يرفضون ذلك، وحذروا منه مراراً، فالغور قبل حرب 1967 خضع لسيطرتهم ، وقد نقل الأردن رسائل تحذيرية لإسرائيل، حتى الدول العربية المعتدلة، وفي مقدمتها السعودية، حذرت واعتبرت الخطوة إضراراً بالفلسطينيين".
في هذا السياق، لفت المشاركون في أكثر من مداخلة إلى ما صرح به وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي حول موافقة واشنطن على قرار الضم الإسرائيلي بأنه تصعيد جدي وخطير، وإن طُبق فإنه سيُقلل من شأن الأُسس التي قامت عليها عملية السلام منذ العام 1991، وسيفقد الناس الأمل، وحل الدولتين الذي سعى له المجتمع الدولي منذ سنوات لن تتسنى أمامه فرصة التحقق، وبالتأكيد سيظهر العنف للتعبير عن الإحباط وفقدان الأمل، وهذا النوع من العنف نخشاه، وستترتب عليه تداعيات تتجاوز حدود الأراضي الفلسطينية..".
واقتبست "السلام الآن" من تصريح الصفدي: "عندما تضم نحو 30 ٪ من الضفة الغربية المحتلة وسحب القدس من على طاولة المفاوضات.. ماذا يتبقى للحديث عنه؟ أين نحن من قضية اللاجئين الفلسطينيين الذين يشكلون 45 ٪ من عدد سكان الأردن؟".
كما أشارت إلى بيان الديوان الملكي السعودي حول إعلان نتنياهو نيته ضم الغور ومناطق واسعة من الضفة، حيث دعا البيان إلى "عقد اجتماع طارئ لمنظمة التعاون الإسلامي، ووضع خطة تحرك عاجلة وما تقتضيه من مراجعة المواقف تجاه إسرائيل، بهدف مواجهة هذا الإعلان والتصدي له واتخاذ ما يلزم من إجراءات".