متطلبات التعليم الإلكتروني..تفيدة الجرباوي

الخميس 09 أبريل 2020 11:38 ص / بتوقيت القدس +2GMT



التعليم الإلكتروني هو أحد أساليب التعليم الداعمة للعملية التعليمية، عن بعد. يعتمد التعليم الإلكتروني على استخدام العديد من التقنيات والوسائط الإلكترونية الحديثة في تقديمه للمحتوى التعليمي للمتعلمين. ويتميز بتوفيره مساحة واسعة من التفاعل بين المعلمين والمتعلمين بشكل جمعي ومع كل واحد منهم على حدة، وما بين المتعلمين الزملاء أنفسهم، بطريقة مرنة وتحفيزية وتستجيب للفروقات الفردية. وهو من أفضل الوسائل الممكن استخدامها، في حالات الطوارئ، في المؤسسات التعليمية ذات الجاهزية المسبقة والاستعداد العالي قبل بدء الحدث الطارئ، الذي يفرض على الناس العزلة.
تبنت قيادات المؤسسات التعليمية في الكثير من بلدان العالم أسلوب التعليم الإلكتروني منذ انتشار فيروس كورونا. وفي ظل الوضع الطارئ الناجم، بالأساس، عن عدم توفر علاج لهذا الفيروس وتسارع انتشاره في جميع أنحاء العالم، جاءت قرارات وزارات التعليم والجامعات في العديد من الدول سريعة ومفاجئة وغير مراعية لمستوى جاهزيتها لاستخدام التعليم الإلكتروني. وعلى الرغم من سرعة الاستجابة لتنفيذ هذا القرار، بوازع الإحساس العميق بالمسؤولية، جاء رد المعلمين والمتعلمين والأهل ناقداً ومؤكداً على ضرورة توفير جميع متطلبات هذا النوع من التعليم لضمان سلاسة الانتقال له، وحفاظاً على جودة عملية التعليم ومخرجاتها. ومن أهم تلك المتطلبات، ما يأتي:
أولاً: إصدار قرار مدروس بتبني التعلم الإلكتروني من قبل وزارات التعليم العام والعالي.
ثانياً: صياغة السياسات والوجهات الاستراتيجية التي تحدد الأثر التنموي المتوخى على التعليم والاحتياجات العريضة لمقدميه والموازنة اللازمة، وإدراجها في الأنظمة التربوية للمؤسسات التعليمية بما ينسجم مع مجال اختصاص كل مؤسسة منها.
ثالثاً: ترجمة تلك السياسات، من قبل المؤسسات التعليمية، إلى استراتيجيات وخطط عملية قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، بحيث يتم من خلالها تحديد أهداف استخدام التعليم الإلكتروني ومجالاته وكيفية طرحة والنتائج المرجوة ومؤشرات الأداء، والجهات المسؤولة، والموازنات اللازمة. ومن الجدير بالذكر أن هذه الخطط قد تختلف باختلاف المؤسسات التعليمية الشاملة لجميع مراحل التعليم العام، والتقني والمهني، والتعليم الجامعي، بالإضافة لمؤسسات التدريب كافة. لقد أثبتت التجربة في ظل "كورونا" الحاجة لصياغة استراتيجيات وخطط طوارئ تضمن الانتقال السلس للتعليم الإلكتروني، في المستقبل.
رابعاً: توفير البنى التحتية المتينة والأدوات المتناغمة في الحداثة والسرعة بما فيها شبكة الانترنت، وشبكة الكهرباء القادرة على إيصال التيار الكهربائي بشكل مستمر، وأجهزة الحاسوب والمنصات الرقمية التعليمية، وبرمجيات التشغيل، وتطبيقات التقييم، والمكتبات الإلكترونية. هذا بالإضافة الى توفير التقنيات المقروءة والمسموعة والمرئية كالكتب الإلكترونية والاقراص المدمجة والتسجيلات الصوتية والعروض التقديمية وأفلام الفيديو و"اليوتيوب".
كما يتطلب توفير أدوات التواصل مثل غرف الدردشة والمؤتمرات الصوتية ومؤتمرات الفيديو واللوح الأبيض وقوائم البريد الالكتروني. وتحتاج البنى التحتية لصيانة دورية من قبل فنيين مهرة.
وفي هذا السياق، تجدر الاشارة الى ان بعض هذه المتطلبات غير متوفر في الأماكن الريفية والمناطق النائية والمحاصرة في الكثير من بلدان العالم، كما أن بعضها، كالحواسيب والانترنت، غير متوفرة لدى الأسر ذات الدخل المحدود والمتعلمين الأقل حظاً. ما يعني حرمان الكثير من المتعلمين من تلقي خدمات هذا النوع من التعليم. ولتطبيق مبدأ العدالة والمساواة لا بد من وضع الخطط لجسر هذه الفجوة.
خامساً: توفير الطواقم الادارية والمختصين والمُدرِبين والمعلمين المؤهلين لتقديم التعليم الإلكتروني، وتدريب غير المؤهلين من العاملين والمتعلمين في المؤسسات التعليمية على استخدام التقنيات. وتشتمل مهارات تدريب المعلمين على: الاستخدام الأمثل للتقنيات، وإعداد المحتوى التعليمي، والتعرف على أدوات وبرمجيات التقويم والتقييم واستخدامها بمهارة.
تضم أهداف التدريب على التقنيات، إكساب المعلمين الخبرة في التعامل مع وسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والبرمجيات التعليمية.
يحتاج المعلمون للتدريب على إعداد المحتوى التعليمي وللعمل مع فريق من الخبراء، بإشراف من مدير وحدة مختصة، بحيث يضم الفريق مختصين في مجالات تصميم المحتوى التعليمي والبرمجة وإعداد الرسوم وتوصيل الشبكة وصيانة التقنيات.
ويحتاج المعلمون، أيضاً، الى تدريبات خاصة تُكسبهم مهارات التقويم والتقييم التي تنسجم مع استخدام تقنيات التعليم الإلكتروني. وللتوضيح، ترتبط مهارات التقويم بعمليات المتابعة والتقييم المستمرة (Formative Evaluation) وتهدف إلى تقديم التغذية الراجعة الفورية للمتعلمين حول سرعة تعلمهم ونقاط ضعفهم ومستوى إنجازاتهم، كما تتيح الفرصة للمعلمين لتعديل خططهم على ضوء تلك التغذية. وترتبط مهارات التقييم (Summative Evaluation) بعملية التقييم النهائي لمستوى تحصيل المتعلمين عبر الامتحانات التي تجري في نهاية الفصل أو المشروع. في هذا الاطار، تشتمل تدريبات المعلمين على إعداد الخطط والاختبارات والتحليلات الاحصائية وتسجيل العلامات عبر استخدام تطبيقات التقييم الإلكترونية. تمكن هذه التطبيقات المعلمين من قياس المستويات المعرفية والعملية ومهارات التفكير العليا لدى المتعلمين. وتمثل الاختبارات القصيرة التفاعلية أهم أدوات قياس المستوى المعرفي وتتضمن أسئلة المطابقة والكلمات المتقاطعة والألغاز والألعاب والأسئلة متعددة الإجابات وملء الفراغات. ومن خلال كتابة المقالات وإعداد البحوث وملفات الانجاز، يلجأ المعلمون لقياس مستوى أداء المتعلمين العملي ومستوى تطور مهارات التفكير العليا، كالتحليل والتركيب والاستنباط والنقد والابداع، لديهم.
سادساً: توفير مراكز تطوير التعليم الإلكتروني في المؤسسات التعليمية وذلك من أجل الاشراف الكلي، الاداري والأكاديمي، على هذا التعليم وضمان جودة مخرجاته. تضم هذه المراكز الطواقم الادارية وذوي الاختصاص والفكر. ومن أهم ما تقوم به هذه المراكز تطوير المحتوى التعليمي، وعملية التقييم، ورفع كفاءة العاملين في هذا النوع من التعليم، وتوفير المناخ المناسب للتعلم، ونشر ثقافة التعليم الالكتروني لدى المتعلمين والمعلمين وأهالي المتعلمين والمجتمع.
سابعاً: توعية الجمهور وإثارة الحوار حول هذا الاسلوب وجدوى استخدامه.
ثامناً: توفير الموازنة اللازمة لتحقيق جميع المتطلبات آنفة الذكر.
لقد سلطت تجربة استخدام التعليم الإلكتروني عن بعد، في ظل تفشي "كورونا" والتي مازالت جارية، الضوء على هذا الأسلوب من التعليم، وتناولت المجتمعات خاصة المعلمين والمتعلمين والخبراء والأهل، الموضوع بجوانبه المتعددة وقارنت مزاياه وسلبياته مع التعليم الوجاهي. وشكلت متطلبات التعليم الإلكتروني أهم قضايا الجدل المثارة بين المؤيدين لاستخدامه والمشككين بجدواه. ومما لا شك فيه، أن النقاش حول مدى قدرتنا على توفير تلك المتطلبات سيستمر بمنهجية وعمق بعد انحسار الوباء، باعتبارها من أهم العوامل التي ستحدد جدوى تبنيه في نظامنا التعليمي.