عبقرية العقاد ،، محمد سالم

الإثنين 30 مارس 2020 11:22 ص / بتوقيت القدس +2GMT
عبقرية العقاد ،، محمد سالم



ذكري رحيل عملاق الفكر العربي عباس محمود العقاد , وفاء للعبقري الذي عشق العباقرة , وكاتب السلسة المباركة من العبقريات وغيرها , فالعبقرية عنده كمال وقوة والادب عنده حب وجهاد وصدق في معاملة النفس والحياة , الادب مثل الدين يقتضي الكثير من التجرد والبعد عن الاغراءات , انه منهج واحد في التفكير الادبي, وتحديات العقاد في الميدان الادبي كثيرة وتحتاج الى دراسة مستقلة ( اشهر معركة أدبية كانت بين العقاد واحمد شوقي الشاعر الكبير ) وكما كان العقاد في حياته الأدبية رجلا من رجال التحدي فقد كان كذلك في حياته السياسية.

 لقد رأى بعض المفكرين والباحثين انه كان مفكر ثوري, من انبغ ابناء ثورة 1919 , له مجهوده السياسي المبدع في القضية الوطنية و اشترك فيها بنصيب وافر, عندما كانت المعركة مع الاحتلال الاجنبي , وكان هدف الشعب المصري ان يتحرر من هذا الاحتلال , وقف العقاد وقفة صلبة حاسمة , بموقف وطنيا وابنا بارا لثورة شعبه , يقدم القيم والدين وهذه المواقف له جذور متأصله وقديمة في فكر العقاد وشخصيته لأنه صاحب الفكر المتدين, رجل حر صلب الارادة , كذلك وقف العقاد ضد الصهيونية موقفا عدائيا عنيفا , لدرجة ملاحقتهم لكاتبته ومؤلفاته, يقول العقاد ( ليس بسر مجهول عن كثير من اخواننا ان لي كتبا فرغ المترجمون من نقلها الى اللغات الأجنبية , وان فصولا نشرت في الصحف , ثم وقفت الأيدي الخفية دون طبعها ونشرها فلم تزل مخطوطة غير مطبوعة الى الأن , حيل بينها وبين الظهور بدسيسة ممن يعملون عمل الصهيونية ) هذا الكلام صحيح , فالحرب التي تشنها الصهيونية ليست حربا سياسية فقط وإنما حربا فكرية وثقافية ايضا.  

كذلك موقفه من القضية الاجتماعية , برغم الخلاف البناء مع زميليه, د طه حسين والعملاق سلامة موسي .

كذلك نقد العقاد , وكتابه الفريد في النقد العربي ,الذي يعرفه سائر الأدباء والنقاد وهو ناقد للأدب العربي قديما وحديثا , وله مكانته لتجعل منه حقيقة ادبية ساطعة الى جانب العملاقة الأخرين .

فالعقاد ليس شخص عاديا , بل هو شخص عظيم وهام يجب ان يعرف التاريخ عنه كل شيء , فشخصية العقاد ومؤلفاته وسيرته لا يمكن دراستها في اقل من كتاب .. وكتاب كبير, انه ملامح من حياة رجل عظيم فقده أدبنا العربي , وحتى نفهم قيمته ونقدر اهميته , ونحترم بأجلال سيرته , ومنهجه.

هو المنهج الذي يبحث وراء الجمال الادبي عن قيم انسانية تضيف الى الحياة شيئا وتترك فيها اثرا من الاثار, وهذا المنهج وان كان يحرص اشد الحرص على الجمال الادبي فهو يحرص اشد الحرص على الوظيفة الانسانية للأدب ولا يعترف بهذا الادب السهل الذى كتبه اصحابه للتسلية العابرة وقضاء الوقت , فالأدب في ميزان هذا المنهج هو موقف انساني عميق يعيشه الكاتب ويعبر عنه ويدعو اليه ولعل اجمل شعار لهذا المنهج هو كلمة الكاتب الفرنسي الكبير جان بول سارتر والتي يقول فيها ( ... ان الكاتب ليس مسئولا عن كلامه فقط بل هو ايضا مسئول عن صحته )

ومعنى هذه الكلمات بعبارات اخري ان الكاتب الحقيقي يتحمل مسئولية كلماته , ويتحمل مسئولية الصمت اذا كان هناك قضية تحتاج الى من يدافع عنها .. فيهرب الكاتب ويقف موقفا سلبيا , هنا تكون مسئوليته ايضا كبيرة وليس الكاتب هو وحده الذي يلتزم بهذا المنهج الفكري , فهذا المنهج يفرض نفوذه على مساحة فكرية واسعة من عالم اليوم ,لقد كان شخصية ممتازة متفردة ,كان يأنف دائما من ترديد الراي الشائع , واذا تكلم وكتب عن راي او قضية معينة فمن الواجب ان يبرهن على هذه القضية او الكلمات, برهنة تليق بالعقاد وحده .

فلتبقل منى ان اهدي الى ذكراك وفاء بفضلك انت وامثالك من الذين كانوا ضواء يملآ الحياة الأدبية والفكرية في تلك الايام التي كان الظلام فيها اكثر من النور وكنتم انتم الادباء والمفكرين العرب ذلك النور القليل.